36/02/10


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة .
واما بالنسبة الى المقام الثاني وهو مبني على الفراغ من ثبوت المشروعية (مشروعية بدلية التيمم عن الغسل) في الصوم وحاصله :
ان هذه المشروعية الثابتة في الصوم هل هي مختصة بالعجز غير الاختياري عن الماء فيكون التيمم بدلا عن الغسل ويصح معه الصوم ؟ او انها تعم العجز الاختياري كما لو اراق ما عنده من ماء عمدا فأصبح عاجزا عن الغسل ؟ او محل الكلام ( وهو ما اذا اجنب متعمدا في وقت لا يسع الغسل) فهذا عجز اختياري عن الغسل ؟
استظهر السيد الخوئي عدم المشروعية وعلل ذلك بقصور المقتضي بأعتبار ان المستفاد من قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) بحسب الفهم العرفي هو عدم وجدان الماء بالطبع لا ان يجعل الانسان نفسه غير واجد .
ومرجع هذا الكلام هو دعوى انصراف الدليل ( الآية الشريفة ) عن العجز المستند الى اختيار المكلف واخصاصه بالعجز الاختياري , والا فلولا دعوى الانصراف لقائل ان يقول بأن الدليل مطلق ( فلم تجدوا) وهو صادق في حالات العجز الاختياري وغيره , وعليه فلابد من منع الاطلاق بدعوى الانصراف .
اورد على كلام السيد الخوئي (قد) بأن هذا الكلام ( الانصراف ) لو تم فهو يقتضي عدم مشروعية التيمم عند تعجيز المكلف نفسه بإراقة الماء ولا يثبت عدم مشروعية التيمم في محل الكلام (تعمد الجنابة في ضيق الوقت) .
وهذا الاشكال مبني على افتراض ان المراد من عدم الوجدان في الآية هو عدم الماء , بينما السيد الخوئي يصرح في موارد متعددة بأن المقصود بعدم الوجدان في الآية ليس هو عدم وجدان الماء فحسب, بل يشمل حتى حالات وجدان الماء لكن مع وجود مانع يمنع من استعماله كمرض ونحوه.
وبناء على هذا التعميم لعدم التمكن ولو لمانع غير فقدان الماء لا يرد هذا الاشكال على السيد الخوئي اذا تم الانصراف الذي يدعيه ؛ لأنه معنى ذلك ان الآية الشريفة تقول بأن التيمم يشرع ويكون بدلا عن الغسل اذا لم تجد الماء ( أي اذا لم تتمكن من ا لماء ) وبناء على الانصراف فأن مشروعية التيمم بمقتضى الآية تختص بما اذا كان عدم التمكن بمعناه الواسع ناشئا من عدم الاختيار , ولا تشمل عدم التمكن الناشئ من الاختيار سواء كان بإراقة الماء او بأجناب نفسه في وقت لا يسعه الغسل.
وعلى كل حال فالذي يبدو بأن الانصراف ليس بالأمر البعيد وقد ذهب جملة من فقهائنا اليه وخصوا البدلية بخصوص العجز الغير الاختياري ومنعوا من شمول الآية وسائر الادلة للعجز الاختياري ومنهم المحقق الهمداني ,فأنه قد ادعى هذا الانصراف _ وان لم يكن في مورد كلامنا_ لكنه في مورد شبيه لمحل الكلام حيث ادعى انصراف ادلة مشروعية التيمم عن صورة التفريط في الطلب حيث انه في باب عدم العثور على الماء يجب عليه طلب الماء فإذا فرط في الطلب فأن التيمم لا يكون بدلا حينئذ لأن الادلة منصرفة عنه وهي مختصة بصورة عدم التفريط بالطلب ؛ وهذا من قبيل ما نحن فيه لأنه اذا فرط ولم يجد الماء يكون العجز كالعجز الاختياري , واما اذا لم يفرط بالطلب وانما طلب ولم يجد فأن التيمم يقوم مقام الغسل بالنسبة اليه .
وعلى كل حال فالذي يبدو ان دعوى الانصراف في المقام ليست بعيدة فيمكن الالتزام بها لأن الظاهر عرفا_ كما قال السيد الخوئي_ ان المراد من (فلم تجدوا ماء ) يعنى بحسب القضايا الطبيعية لا ان الانسان هو الذي يعجز نفسه ويصبح بلا ماء .
ويؤيد عدم شمول البدلية لصورة العجز الاختياري مسألة عدم التنبيه على التيمم في هذه الموارد في الروايات , فأن بعض الروايات يفترض فيها ضيق الوقت مع القدرة على الطهارة ( أي انه اجنب نفسه ولم يغتسل حتى ضاق الوقت ) وحصل التعجيز الاختياري , ومع ذلك فأنها لا تنبه على التيمم , مع ان المناسب جدا التنبيه عليه لو كان يقوم مقام الغسل في هذا الفرض ويجزي عنه ويحقق شرط صحة الصوم ؛ فسكون الروايات في هذا المقام وعدم التنبيه على التيمم لا يخلو من التأييد لأصل المطلب (وهو ان المشروعية على تقدير ثبوتها تختص بصورة العجز غير الاختياري ولا تشمل صورة العجز الاختياري) .
وقد ورد في رواية واحدة وهي صحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه)[1]
أي يصح منه الصوم عندما يكون بأنتظار ماء يسخن او يستقى له وذلك لأنه _ كأنه_ يعتقد سعة الوقت فطلع الفجر عليه , لكن هذا لا ينافي قولنا ان المناسب هو التنبيه على التيمم بأعتبار انه كان في معرض ضيق الوقت لكونه استيقظ قبل طلوع الفجر , فلو كان التيمم واجبا وبدلا عن الغسل لأمره الامام عليه السلام بالتيمم, او يلفت النظر الى ذلك بأن يقال ان التيمم هو المتعين عند عدم القدرة على الغسل ؛ فإهمال الرواية للتيمم لا يخلو من اشعار بأختصاص التيمم بصورة العجز غير الاختياري .
وعليه فالظاهر _ والله العالم _ ان البدلية على تقدير القول بها في صورة العجز غير الاختياري فأنها لا تشمل صورة العجز الاختياري لقصور المقتضي عن شمولها كما قال السيد الخوئي (قد).

قال الماتن
(و أمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه و إن كان عاصياً في الإجناب‌)[2]
وقد يستشكل في ما ذكره السيد الماتن وحاصل الاشكال هو :-
كيف يمكن الجمع بين الحكم بصحة الصوم وبين كونه عاصيا بالاجناب , بأعتبار ان الصوم مع التيمم _ على فرض ان المأمور به هو الصوم مع الطهارة الاعم من الترابية والمائية _ ان كان مصداقا للمأمور به فالمتعين هو صحة الصوم , ولا وجه للقول بأنه يكون عاصيا اذا اجنب نفسه في وقت لا يسع الغسل ويسع التيمم ؛ لأنه حسب الفرض ترك عمدا احد فردي الطبيعة المأمور بها وجاء بالفرد الاخر (الصوم مع الطهارة الترابية).
وان قلنا بأن الصوم مع التيمم ليس مصداقا للطبيعة المأمور بها فحينئذ يكون عاصيا ولا اشكال في ذلك , لكن الحكم بالصحة يكون لا وجه له لأن الصوم مع الطهارة الترابية ليس مصداقا للواجب فلا وجه للحكم بالصحة .
ويمكن دفع هذا الاشكال بأن يقال بأننا نلتزم بأن الصوم مع الطهارة الترابية مصداق للواجب ويكون التيمم مجزيا وموجبا لصحة الصوم لكن مع ذلك نلتزم بأنه يحرم عليه اجناب نفسه ويكون عاصيا وهذا مبني على ان التيمم بدل عن الغسل وهو بدل اضطراري وانما يثبت في صورة العجز عن الغسل ويشهد لذلك اطلاق الامر بالغسل وتقييد الامر بالتيمم بالعجز عن الغسل , اي ان هناك طولية بينهما ويفهم من هذا ان الصوم مع الغسل يحقق تمام المصلحة الواقعية لهذا الواجب ولذا امر به مطلقا وبلا تقييد؛ بينما الامر بالتيمم يفهم منه بعد التقييد ان الصوم معه يحقق بعض المصلحة وبعض الملاك والا لو كان يحقق نفس الملاك والمصلحة الذي حققه الصوم مع الغسل فلا وجه لهذا الترتيب والطولية بينهما وانما يتعين ان يكون الامر مخيرا بينهما , كما هو التخيير في خصال الكفارة مثلا .
واذا كان الاول يحقق تمام الملاك والثاني يحقق بعضه فأن المكلف ملزم بالاتيان بتمام ما يريده المولى والمفروض انه قادر على الاتيان به فأذا اعجز نفسه عن الاتيان به تماما (عندما يجنب نفسه مع ضيق الوقت) فأنه لا يخلو من شوب عصيان ومخالفة للمولى ولو بلحاظ الملاكات والمبادىء وليس بلحاظ الاحكام والتكاليف الشرعية وحينئذ يمكن الجمع بين الصحة والعصيان على هذا الاساس .