36/04/25


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, المفطر العاشر : تعمد القيء,( مسألة 71 ) : إذا أكل في الليل ما يعلم أنه يوجب القئ في النهار من
غير اختيار.

قال الماتن

مسألة 71 ) :( إذا أكل في الليل ما يعلم أنه يوجب القئ في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء)[1]
الظاهر ان هذا الاحتياط احتياط وجوبي , ووجوب القضاء في محل الكلام يمكن ان يستند الى احد وجهين:-
الاول : ان يقال ان التقيؤ في النهار وان لم يكن اختياريا بحسب الفرض الا انه مستند الى مقدمة اختيارية, والاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار, وحينئذ يصح العقاب عليه لأن مقدمته اختيارية , والميزان في المفطرية هو العمد الذي يصحح القعاب وهو العمد المنتهي الى الاختيار , وليس العمد والاختيار في زمان الفعل (في حال الصوم), وبما ان هذا الميزان _ في المفطرية _ متحقق في المقام فأن الصوم يقع فاسدا , وهذا الوجه يفترض حصول القيء في النهار ويكون القيء هو المفطر , ولا يجري هذا الوجه في فرض عدم التقيؤ .

الثاني : وهو يُثبت البطلان حتى مع عدم صدور القيء منه (كما لو كان العلم مخالفا للواقع) .
وهذا الوجه يتلخص في ما اشرنا اليه سابقا من دعوى وجود الملازمة بين العلم بأنه سيتقيأ وبين العزم على القيء او على الاقل عدم العزم على تركه, وعلى كلا التقديرين يبطل الصوم لأن المعتبر فيه العزم على ترك القيء, فيبطل الصوم من جهة الاخلال بالنية وان لم يقع القيء خارجا .
وقد اجيب عن الوجه الاول بأن الظاهر من نصوص الباب خصوصا موثقة سماعه ان الميزان في مفطرية القيء ليس هو العمد او الاختيار المصحح للعقاب, وانما هو العمد والاختيار حال الصوم , فإذا صدر منه الفعل قهرا فأنه لا يوجب البطلان حتى لو كانت مقدماته اختيارية , واذا كان مختارا حال الصوم بالفعل (فعل القيء) , فأن هذا القيء يكون مفطرا , ومن الواضح بأن هذا الميزان غير متحقق في محل الكلام لأن القيء اذا صدر منه حال الصوم فأنه يصدر منه قهرا.
وقد ورد في موثقة سماعة (قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء . . الحديث .)[2]
ويظهر منها _ من الشق الثاني (وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء ) _ ان الميزان في المفطرية هو ما كان يكره نفسه عليه أي انه يكون مختارا فيه ,ويختار الاتيان, واما اذا لم يكن كذلك وانما صدر منه القيء قهرا فأنه يدخل في الشق الاول من الرواية وهو قوله عليه السلام (إن كان شيء يبدره فلا بأس) اي انه ليس عليه شيء .
وفي محل الكلام يصدر القيء من الصائم قهرا _ لا انه يكره نفسه عليه_ فيدخل في الشق الاول .
فالظاهر من هذه الرواية وسائر الروايات الاخرى في الباب ان الميزان في مفطرية القيء هو الاختيار حال الصوم ؛ ومن هنا يظهر ان اختيارية التقيؤ باختيارية مقدماته مسألة مسلمة ولا يمكن انكارها بمعنى ان التقيؤ الذي يصدر منه بأعتبار اختيارية مقدماته يكون اختياري مصحح للعقاب ولا اشكال في هذا الكلام ولا نقاش فيه, وانما النقاش في ان المستفاد من الادلة ومن نصوص الباب , ان هذه الاختيارية ليست هي الميزان في المفطرية فهي مصححة للعقاب لكنها ليست هي الميزان في المفطرية , هذا ما تقتضيه نصوص الباب , ولولا نصوص الباب لحكمنا بكون الاختياريةِ المصححةِ للعقاب موجبةً للمفطرية .
وقد طُبق ذلك في مسألة سابقة (مسألة ترك التخليل) حيث ان ترك التخليل يستلزم العلم بدخول بقايا الطعام الموجودة بين الاسنان في النهار الى الجوف _ وهذه المسألة من قبيل ما نحن فيه غاية الامر ان هناك المفطر هو الاكل وفي المقام القيء _ وذكروا هناك انه اذا ترك التخليل سيدخل الطعام الى جوفه في النهار وحكموا عليه بوجوب التخليل وبطلان الصوم عند تركه , أي انهم حكموا بمفطرية دخول بقايا الطعام في النهار بالرغم من انه دخول قهري ,وذلك لأن مقدماته اختيارية , فكأن الميزان واحد وهو الاختيارية المصححة للعقاب وهي توجب المفطرية في باب التخليل لعدم وجود نصوص تقول بأن الميزان هو ان يكون مختارا حال الصوم , ومن هنا يظهر ان الميزان في المفطرية يختلف بأختلاف المفطرات , فالميزان في باب دخول الاكل الباقي في الاسنان هو الاختيارية المصححة للعقاب والميزان في باب القيء هو الاختيارية حال الصوم (حال صدور الفعل) .
وقد ذكر السيد الخوئي في باب التخليل عكس ما ذكره في المقام حيث انه ذكر هناك (بل لو دخل الحلق بعد ذلك ولو بغير اختياره كان مصداقا للافطار الاختياري لانتهائه إلى المقدمة الاختيارية وهي ترك التخليل، إذ لا يعتبر الاختيار حال العمل)[3] وحكم هناك بعدم صحة الصوم ووجوب القضاء ,اما في المقام فقد حكم (قد)[4] بصحة الصوم وقال بأعتبار الاختيار حال العمل .
هذا بالنسبة الى الوجه الاول؛ وجوابه الصحيح هو ان القيء وان صدر قهرا الا ان مقدماته اختيارية وهذا يعني انه اختياري لكن الميزان في المفطرية ليست هي هذه الاختيارية لأن المستفاد من الادلة هو ان الميزان الاختيارية حال العمل هو غير متحقق في المقام لأن القيء صدر منه قهرا فلا يكون مفطرا .
اما الوجه الثاني فجوابه :-
ان المفطر في محل الكلام هو القيء الاختياري حال العمل , وما يعلمه المكلف عند اكل الطعام هو القيء القهري في النهار , وحينئذ يكون ما يعلمه المكلف (القيء القهري) غير المفطر (القيء الاختياري) , وحينئذ لا يصح ان نقول بأنه يعلم بصدور المفطر منه عند النهار لكي نقول بأن علمه بصدور المفطر منه بالنهار يلازم عزمه عليه (على الفعل او على الاقل على عدم عزمه على تركه ) , ولا تأتي الملازمة المذكورة (الملازمة بين العلم بأنه سيتقيأ وبين العزم على القيء او على الاقل عدم العزم على تركه) لأن هذه الملازمة تأتي عندما يكون عالما بصدور المفطر منه بالنهار فنقول بأن هذا لا يجتمع مع العزم على تركه , والمعتبر في صحة الصوم هو العزم على تركه؛ لكن محل الكلام لا يعلم بصدور المفطر وانما يعلم بصدور القيء القهري وهو ليس مفطرا , وانما المفطر بناء على ما تقدم هو القيء الاختياري حال الفعل , وهذا لا يعلمه المكلف , فلا تتم الملازمة المذكورة ومنه يتضح عدم تمامية كلا الوجهين لأثبات وجوب القضاء .
والحاصل ان الاقرب في المقام هو صحة الصوم حتى اذا تقيأ في النهار لأن التقيؤ القهري في النهار لا يوجب فساد الصوم , نعم الاحوط هو القضاء لأحتمال ان يكون المفطر هو القيء حتى لو صدر قهرا اذا انتهى الى الاختيار _ لأحتمال ان يكون ا لميزان في القيء نفس الميزان في الاكل _ بل الاحتياط يجري حتى لو لم يتقيأ بأعتبار احتمال الملازمة المتقدمة بناء على احتمال ان القيء كالأكل وان الميزان في المفطرية فيه هو الاختيار المصحح للعقاب فهو يعلم انه سيصدر منه المفطر _بناء على احتمال ان القيء كالأكل _ فتأتي الملازمة المتقدمة , أي ان هذا الاحتياط يأتي بناء على احتمال الملازمة وبناء على ان القيء كالأكل , ولا بأس به فأن الاحتياط حسن على كل حال.