36/05/11


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
الوجه الاول: لتخريج الفتوى بصحة صوم المكره على استعمال المفطر, استناداً إلى حديث الرفع, والوجه الاول هو دعوى أن المرفوع هو مطلق الاثار ولو بأعتبار التمسك بالإطلاق مثلاً, في قبال أن يكون المرفوع هو خصوص المؤاخذة, حيث توجد عندهم قاعدة مفادها أن حذف المتعلق يفيد العموم, والذي هو في روحه تمسك بالإطلاق فأن مقتضى الاطلاق هو عدم الاختصاص بالمؤاخذة فيشمل جميع ما يترتب على الفعل في حال صدوره لا عن اكراه, أي أنه اذا صدر عن اكراه ترتفع كل هذه الاثار , ومن جملة الاثار التي ترتب على استعمال المفطر لا عن اكراه هو وجوب القضاء, وارتفاع وجوب القضاء عند الاكراه يعني صحة الفعل فيثبت المطلوب حينئذٍ.
ويلاحظ اولاً: على هذا الوجه أنه اساساً مبني على افتراض أن هناك مقدر محذوف في حديث الرفع يكون هو المرفوع حقيقة, وقد وقع الكلام بينهم في أن المرفوع المقدر ما هو؟ هل هو المؤاخذة فقط؟ أو أنه جميع الاثار؟
والسر في ضرورة وجود التقدير هو أن الرفع بحسب الحديث الشريف متوجه إلى نفس ما اضطر اليه المكلف وما استكره عليه, والذي استكره عليه هو الفعل الذي وقع عليه الاكراه, وهذا لا معنى له , أي لا معنى لرفع الفعل الخارجي من قبل الشارع, فلابد من أن يكون هناك مقدر يتوجه اليه الرفع.
والظاهر أنه لا يتعين افتراض التقدير لتصحيح الحديث, بل يمكن أن لا نفترض التقدير وان يكون الرفع متوجه إلى نفس ما استكرهوا عليه, غاية الأمر أن نقول بأن الرفع متوجه إلى ما استكرهوا عليه بوجوده التشريعي لا بوجوده الخارجي, وهذا احد المباني في تفسير حديث الرفع, وهو أن الرفع هو رفع للأمور المذكورة فيه لكن بوجوداتها التشريعية, ومعنى رفع الفعل_ المضطر اليه أو المكره عليه في عالم التشريع_ هو أنه لا يقع موضوعاً لحكم في الشريعة من قبيل لا رهبانية في الاسلام , ورفع هذه الامور بوجوداتها التشريعية يعني أن الفعل الذي يصدر عن اكراه مثلا ليس موضوعاً لحكم شرعي , والذي هو مآله إلى نفي الحكم, فهذه الاحكام التي كانت ثابتة له وكان يقع موضوعاً لها في عالم التشريع من دون اكراه, اذا صار اكراه عليها لا تقع موضوعاً لتلك الاحكام وبذلك لا نحتاج إلى التقدير.
وهذا الأمر قرينة معه بأعتبار أن الذي يتكلم هو الشارع.
الملاحظة الثانية: على الوجوه الاول: هي أنه من قال أن المرفوع هو جميع الاثار فلو بنينا على التقدير فلا قرينة معينة لكون المرفوع هو جميع الاثار في قبال كون المرفوع هو خصوص المؤاخذة, كما لا قرينة على العكس, واذا انتهى الكلام إلى هذه النتيجة ( أي لا قرينة تعين احد الطرفين) فأن الحديث يكون مجملاً من هذه الناحية ولابد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن وهو في المقام خصوص المؤاخذة, فلا ينفع في الاستدلال.
أما عدم القرينة على أن المرفوع خصوص المؤاخذة فذلك لأن الأمر ليس من قبيل ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ[1] فأن القرينة فيه واضحة في أن المقدر هو حرمة النكاح, وكذلك الكلام في تحريم الخمر, وفي محل الكلام كلا التقديرين مناسب أي سواء قلنا بأن المرفوع هو خصوص المؤاخذة فهو مناسب وان قلنا بأن المرفوع هو جميع الاثار فأنه مناسب ايضاً.
كما لا قرينة تعيّن أن المرفوع هو جميع الاثار لأن ما يعيّن ذلك هو عبارة عن التسمك بالإطلاق, والتمسك به في المقام فيه اشكال وهو أن الاطلاق ومقدمات الحكمة إنما يصح التمسك بها لنفي القيد المحتمل في المفهوم المحدد بذلك الكلام, أي عندما يتشخص المفهوم بذلك الكلام ونحتمل وجود قيد في ذلك المفهوم يأتي دور الاطلاق ومقدمات الحكمة لنفي هذا القيد الزائد, ولا يصح استخدام مقدمات الحكمة والاطلاق لأثبات المفهوم الواسع عندما يتردد الأمر بيه وبين المفهوم الضيق, وعلى هذا الاساس استشكل السيد الشهيد (قد) في هذه القضية التي اشرنا اليها (مسألة أن حذف المتعلق يفيد العموم ) لأن هذه المسألة عبارة عن التمسك بالإطلاق.
إذن في المقام لا توجد قرينة على أن المنفي هو خصوص المؤاخذة كما لا قرينة على أن المنفي هو جميع الاثار وبالتالي يكون الكلام مجملاً ومعه لابد من الاقتصار على القدر المتيقن (خصوص المؤاخذة), والنتيجة أن الوجه الاول لا يتم.
وهناك جواب على هذه الملاحظة يطرح كأحتمال, وهو أن هذا الكلام صحيح ووجيه لكن من الممكن أن يكون هذا مورداً للتمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة مع المحافظة على دورها (نفي القيد المحتمل بعد تحديد المفهوم), وذلك لأن العرف ينظر إلى امثال هذه القضية بأن الدائرة الضيقة بمثابة القيد, أي يفهم عرفاً أن تخصيص الرفع بخصوص المؤاخذة أو تخصيص النهي عن الاكل في مثالنا عن اكلة معينة بمثابة القيد, فيأتي الكلام في مقدمات الحكمة بأنه لو اراده لبينه وحيث أنه لم يبينه فمقتضى الاطلاق أنه لا يريده, فالتخصيص بأكلة معينة يعتبر قيداً, وعندما يقول رفع عن امتي ما لا يعلمون وما استكرهوا عليه, العرف يفهم أن اختصاص الرفع بخصوص المؤاخذة بمثابة التقييد لهذا الحديث, وحينئذ يمكن استخدام مقدمات الحكمة لنفية واثبات كون المرفوع هو جميع الاثار.
وعلى كل حال فالملاحظة الاولى ثابتة على الوجه الاول وهو أن هذا يتوقف على افتراض التقدير ولا ضرورة تلجأنا إلى ذلك.
الوجه الثاني: لتصحيح الفتوى هو أن نلتزم بعدم التقدير أي نلتزم بما تقدم من أن الرفع رفع لهذه الامور المذكورة لكن بوجوداتها التشريعية, وبناء على هذا الوجه _ وهو من الوجوه المحتملة جداً في حديث الرفع _ يقال أن مقتضى اطلاق الحديث هو رفع تمام الاثار والاحكام, فالحديث يقول أن الفعل الذي تكره عليه ارفعه بوجوده التشريعي, أي أن هذا الفعل عندما يصدر عن اكراه لا يقع موضوعاً في عالم التشريع, ومقتضى الاطلاق رفع جميع الاحكام عن هذا الموضوع عند صدوره عن اكراه, ومنها وجوب القضاء فيكون الحديث نافياً لوجوب القضاء, فإذا رفعنا وجوب القضاء فهذا يعني الحكم بصحة الصوم وثبوت المطلوب.
ويلاحظ على ذلك, أنه هل يكفينا أن يكون المرفوع هو تمام الاثار لأثبات صحة الصوم, سواء كان الرفع بهذا التقريب(المبني على عدم وجود تقدير) أو بالتقريب الاول(المبني على وجود تقدير وان المقدر هو تمام الاثار)؟؟
وبعبارة اخرى ما هو الحكم الشرعي المترتب على الفعل والذي اذا رفعناه بالحديث الشريف تثبت صحة الصوم وعدم وجوب القضاء؟
قد يبدو لأول وهلة أن الحكم الشرعي هو وجوب القضاء, ولكن يستفاد من كلمات السيد الخوئي (قد) وغيره الاشكال في هذا الطرح, وذلك لأن القضاء موضوعه ليس هو الفعل وانما هو عدم الاتيان بالمأمور به في وقته, وفوت الواجب في وقته, فإذا كان هذا الموضوع تعلق به الاكراه فأن الكلام يكون صحيحاً, أي أن وجوب القضاء يرتفع عندما يكون الاكراه على ترك الواجب في وقته.
لكن الصحيح أن الاكراه لم يتعلق بترك المأمور به في وقته وانما تعلق بالفعل, والفعل الذي تعلق به الاكراه ليس هو الذي يترتب عليه القضاء.
ويلاحظ على هذا الكلام :-
اولاً: من قال بأن وجوب القضاء ليس موضوعه الفعل نفسه, فالظاهر من كثير من الروايات أن موضوع وجوب القضاء هو الفعل نفسه.
ثانياً: لو تنزلنا وقلنا بأن وجوب القضاء لا يترتب على نفس الفعل وانما يترتب على الافطار كما ورد ذلك في بعض الروايات ايضاً, فيمكن القول بأن الاكراه وقع على الافطار أو يمكن أن يقال بأنه اكرهه على ترك الواجب في وقته أو اكرهه على تفويت الواجب.