39/03/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك – مسألة (39 ) جوائز الظالم.

الوجه الثاني للتغلب على مشكلة موسى بن عمر:- وهي أن يقال إنَّ الشيخ الطوسي(قده) في الفهرست[1] له طريق إلى الحجّال ذكره في ترجمته ويمرّ هذا الطريق بالشيخ الصدوق ، يعني أن الشيخ الصدوق هو واسطة ثانية بينه وبين الشيخ الطوسي ، فالشيخ الطوسي يروي كتاب الحجّال بطريق معتبر ، فالشيخ الطوسي(قده) يقول في ترجمة الحجّال ( له كتاب أخبرنا أبو عبد الله[2] عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن الحسن بن علي الكوفي عن ابيه عن الحجّال ) ، فالشيخ الصدوق في هذا الطريق يروي إلى الحجّال بطريقٍ ليس فيه موسى بن عمرو ، فإذن هذا الطريق لا مشكلة فيه.

وفيه:-

أولاً:- إنَّ هذه المحاولة وجيهة إذا أحرزنا أن كتاب الحجّال ذو نسخة واحدة لا أكثر ، أما إذا احتملنا وجود نسختين إذ أنَّ بعض الأصول لها أكثر من نسخة كما ينقل الشيخ الطوسي في ترجمة العلاء بن رزين حيث يقول إن لكتابه أربع نسخ كل نسخة أرويها بطريق وهو يختلف عن الطريق الذي يروي به النسخة الأخرى ، فيحتمل أنَّ كتاب الحجال له نسختان وكلتا النسختين وصلتا إلى الشيخ الصدوق واحدة تشتمل على الرواية التي بأيدينا وقد نقل منها في الفقيه الرواية التي بأيدينا والنسخة الثانية لها طريق صحيح ولكن ليس فيها هذه الرواية ، إنَّ هذا الاحتمال موجود ، فإذن إذا جاء هذا الاحتمال فلا يتم هذا الاستدلال . هذا لو تم السند.

ثانياً:- هو أن نفس هذا الطريق قد يسجل عليه إشكال ، لأنَّ هذا الطريق يرويه الشيخ الطوسي حيث قال ( أخبرنا ابو عبد الله ) وهو الشيخ المفيد ، ( عن محمد بن علي بن الحسين ) وهو الشيخ الصدوق ، ( عن أبيه ) وهو لا مشكلة فيه ، ( عن علي بن الحسن بن علي الكوفي عن أبيه ) ، وهنا الحسن بن علي بن المغيرة الكوفي ثقة أما ابنه علي بن الحسن فلا يوجد توثيق في حقه.

فإذن حتى لو غضضنا النظر عن قضية احتمال تعدد النسخة لكن علي بن الحسن لم تثبت وثاقته.

هذا كله بالنسبة إلى الاحتمال الثالث وقد اتضح أنه قابل للمناقشة دلالة وسنداً.

الاحتمال الرابع:- أن يقال: إنه يعمل بمجهول المالك والأرباح التي تخرج يدفع منها شيئاً فشيئاً ويتصدّق إلى الفقراء بمقدار مجهول المالك ، فإذن سوف يصير التصدّق بالأرباح وهذا تدل عليه رواية نصر بن حبيب المتقدمة الواردة في قضية الفندق ، وهي ( وبالاسناد عن يونس عن نصر بن حديد صاحب الخان قال كتبت إلى عبد صالح عليه السلام: لقد وقعت عندي مئتا درهم [ وأربعة دراهم ] وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرايك في إعلام حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا ، فكتب: اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتى تخرج )[3] ، ولا يبعد أنَّ المقصود هو أنه اعمل بهذه الدراهم وأخرجها صدقة أي هي أو من ربحها وهذا لا يؤثر لأنَّ عين الدراهم سوف تختلط بالربح فهو إما أن يخرجها من الأصل أو من الربح فإنَّ هذا لا يؤثر شيئاً إذ بالتالي جوز له الامام عليه السلام العمل بها واخراجها شيئاً فشيئاً لا أن يتصدّق بها دفعة واحدة كما دلت عليه الرواية السابقة.

والكلام تارة يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-

أما من حيث الدلالة:- فقد فرض فيها موت صاحب الدراهم ولا يعرف له ورثة فيحتمل أن يكون المورد مصداقاً لوارث من لا وارث له فإنَّ الوارث يكون الامام عليه السلام ومن حق الامام أن يأمر بالتصرّف فيه مازال هذا المال ليس مجهول المالك وإنما هو ملك للإمام عليه السلام من باب أنه وارث من لا وارث له ، فله الحق في أن يأمر بالعمل به لأنه ملكه ويتصدّق به قليلاً قليلاً - أي على أيّ شيءٍ أراده عليه السلام - ، وما دمنا نحتمل ذلك فلا يمكن التمسّك بها كوجهٍ لمجهول المالك وأنَّ حكم مجهول المالك هو الاخراج صدقة قليلاً قليلاً.

إذن هذه الرواية مجملة ، فكما تحتمل أنَّ يكون المقصود منها أن مجهول المالك يصنع به هكذا ، يحتمل أيضاً أنَّ هذا من باب وارث من لا وارث له ، ومادامت مجملة فتبقى الروايات السابقة الدالة على التصدّق بلا معارض فنأخذ بها.

وأما من حيث السند:- فقد عبّر الشيخ الكليني هكذا ( وبالاسناد عن يونس ) يعني وبالاسناد السابق عن يونس ، فلابد وأن نرجع إلى السند السابق ، وهو هكذا ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عسى بن عبيد عن يونس عن هشام بن سالم ) ، وهذه السلسة قطعها الكليني اعتماداً على السند السابق ولكن لا مشكلة فيها ، إنما المشكلة في ( وبالاسناد عن يونس عن نصر بن حبيب صاحب الخان ) فإن نصر بن حبيب مجهول الحال ولم يوثق.

فإذن الرواية قابلة للمناقشة سنداً ودلالة.

وعلى منوالها توجد رواية ثانية:- وهي:- ( وبالاسناد عن يونس[4] عن الهيثم بن أبي روح صاحب الخان قال كتبت إلى عبد صالح عليه السلام: إني اتقبّل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي كيف أصنع به ولمن ذلك المال ؟ قال: اتركه على حاله )[5] .

والكلام فيها تارة يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-

أما من حيث الدلالة:-

أولاً:- فيأتي فيها نفس ما ذكرناه في الرواية السابقة ، لأنه فرض أنَّ صاحب المال قد مات وليس له وارث باعتبار أنه غريب ولا يدرى من أي بلد هو ، فإذن لا يمكن تحصيل وراث له ، فالمورد يمكن أن ينطبق عليه عنوان وارث من لا وارث له ، فيحتمل أن الامام عليه السلام طبّق هذا العنوان لا عنوان مجهول الملك حتى تعارض هذه الرواية روايات وجوب التصدّق.

نعم قد تقول:- إنه يحصل تنافٍ بين هذه الرواية وبين الرواية السابقة ، فتلك قالت اعمل به واخرجه قليلاً قليلاً أما هذه فقد قالت اتركه على حاله فيحصل تنافٍ.

والجواب:- إنَّ المال مادام للإمام عليه السلام فمن حقه أن يأمر مرّة بكذا وأخرى بكذا.

فإذن لا منافاة بين الروايتين من حيث الحكم.

ومن الوضح إنه حينما يقول الامام ( اتركه على حاله ) ليس المقصود أنه اتركه في الفندق من دون أي شيء لأنه سوف يأتي سارق ويأخذه أو غير ذلك ، بل لابد وأن يكون المقصود هو أنه اتركه عندك حتى أبيّن رأيي وموقفي فيه.

والمهم أنه يحتمل أنها مصداق لوارث من لا وارث له فلا تعارض الروايات السابقة.

ثانياً:- يمكن أن يقال: إن نفس الأمر بتركه على حاله هو اشارة إلى أنه لم ييأس من ورثته وإلا كان الأمر بتركه على حاله لغواً وبلا فائدة ، فالإمام عليه السلام يريد أن يقول اتركه لاحتمال أنَّ الوارث سوف يأتي بعد ذلك ويطالب به فيدفع إليه ، فإذا كان هكذا فهذا لا مشكلة فيه ، ولا تعارض بين الروايتين.


[2] أي الشيخ المفيد.
[4] يعني وبالاسناد السابق وهو نفس الاسناد السابق الذي ذكرناه.