36/07/16


تحمیل
الموضوع:الصوم , المفطرات, فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة.....)
فصل
(المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة إذا كانت مع العمد والاختيار من غير كره ولا إجبار، من غير فرق بين الجميع حتى الارتماس والكذب على الله وعلى رسوله، بل والحقنة والقيء على الأقوى نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه، بل والثالث، وإن كان الأحوط فيها أيضا ذلك، خصوصا الثالث ولا فرق في وجوبها أيضا بين العالم والجاهل المقصر والقاصر على الأحوط وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصا القاصر والمقصر الغير الملتفت حين الإفطار، نعم إذا كان جاهلا بكون الشئ مفطرا مع علمه بحرمته كما إذا لم يعلم أن الكذب على الله ورسوله من المفطرات فارتكبه حال الصوم فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفارة.)[1]
الكلام يقع في اربع مقامات
المقام الاول: في شرط وجوب الكفارة, وهل يشترط في وجوبها شيئاً معيناً أو لا؟ ونتكلم ضمناً على ضوء هذا الشرط في أن الكفارة هل تجب في صورة الاجبار أو لا؟ وهل تجب في صورة الاكراه أو لا؟
المقام الثاني: في تعميم الحكم لجميع المفطرات أو اختصاصه ببعضها.
المقام الثالث: في تعميم الحكم للجاهل في مقابل اختصاصه بالعالم, وعلى فرض التعميم يقع الكلام في أنه يشمل القاصر والمقصر أو يختص بالمقصر؟
المقام الرابع: في الاستثناء الاخير الذي ذكره السيد الماتن وهو ما إذا كان جاهلا بكون الشيء مفطرا مع علمه بحرمته.
أما المقام الاول: فالظاهر أن الحق مع السيد الماتن في أن الحكم بوجوب الكفارة مشروط بالعمد والاختيار, ويمكن اثبات ذلك _ مضافاً إلى كونه مسلماً_ ببعض الروايات المعتبرة وما تقدم سابقاً في بحث القضاء من أن وجوب القضاء مشروط بالعمد والاختيار, فمن الواضح أن اشتراط العمد والاختيار في وجوب القضاء يكون شرطاً كذلك في وجوب الكفارة, لأن اشتراط العمد والاختيار في وجوب القضاء يعني أن المكلف اذا لم يكن عامداً ولا مختاراً _كما لو كان ناسياً_ يحكم بصحة صومه, واذا حكمنا بصحة صومه لا مجال للحكم بوجوب الكفارة عليه, فهي إنما يحكم بها عندما يبطل عمل المكلف لا عندما يكون عمله صحيحاً.
وبعبارة اخرى
أن الصوم الذي تناول الصائم فيه المفطر بلا اختيار والذي حكمنا بصحته, فلا موجب للالتزام بوجوب الكفارة عليه لعدم وجود حرمة وضعية ولا تكليفية, فلا توجد حرمة وضعية بالفرض, لأننا فرضنا أن العمد والاختيار شرط في افساد الصوم, فلا يحكم ببطلان الصوم في حال عدم العمد وعدم الاختيار كما في حالات السهو, ولا توجد حرمة تكليفية لأن المفروض أنه صدر بلا اختيار منه فلا يكون مؤاخذاً.

والمراد بالروايات المعتبرة:
الرواية الاولى: معتبرة المشرقي (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة ؟ فكتب : من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم.)[2]
الكلام في رواية المشرقي يقع في الدلالة والسند
وأما من حيث السند ففيها كلام في المشرقي
فلو كان المشرقي مجهول الحال لكفى في اثبات وثاقته رواية البزنطي عنه, لأنه من المشايخ الثلاثة الذين لا يروون الا عن ثقة, لكن بعد المراجعة تبين هناك احتمال بأن المشرقي منصوص على ضعفه وحينئذ لا تنفع رواية البزنطي عنه, لأن رواية المشايخ الثلاثة إنما تنفع في التوثيق اذا لم يكن لها معارض ولم يُنص على ضعف الرجل أو كذبه.
والمشرقي فيه كلام
في أنه هل هو رجل واحد أو متعدد؟ فالكشي ينقل عن حمدويه:
(قال حمدويه : هشام المشرقي هو ابن إبراهيم البغدادي، فسألته عنه وقلت :ثقة هو ؟ فقال : ثقة، قال : ورأيت ابنه ببغداد)[3]
وحمدويه ينقل عنه الكشي دائماً وعن اخيه ابراهيم واحياناً ينقل عنهما معاً, وهو حمدويه بن نصير الكشي تربطهما رابطة البلد الواحد, ويفهم من عبارة الكشي أن هشام يلقب بالمشرقي وبالبغدادي وانه ثقة.
وذكر الكشي عنواناً آخر وهو (هشام بن إبراهيم العباسي) وذكر روايات في ذمه
(محمد بن الحسن قال : حدثني علي بن إبراهيم بن هشام، عن الريان ابن الصلت، قال، قلت لأبي الحسن عليه السلام : ان هشام بن إبراهيم العباسي زعم أنك أحللت له الغناء ؟ فقال : كذب الزنديق، انما سألني عنه ؟ فقلت له : سأل رجل أبا جعفر عليه السلام ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام : إذا فرق الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء ؟ فقال الرجل : مع الباطل، فقال له أبو جعفر عليه السلام : قد قضيت)[4]
فبعض الروايات تعبر عنه بالزنديق وبعضها أنه كان عين على الامام الرضا عليه السلام, وكان عنده كلام تجاوز فيه على الامام عليه السلام, حتى أن الريان اقترح على الامام إن يغتاله (وعن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام إن العباسي يسمعني فيك ويذكرك كثيرا وهو كثيرا ما ينام عندي ويقيل، فترى أن آخذ بحلقه وأعصره حتى يموت ثم أقول : مات فجأة ؟ فقال : ونفض يديه ثلاث مرات لا ياريان لا ياريان، فقلت : إن الفضل بن سهل هو ذا يوجهني إلى العراق في أمواله والعباسي خارج بعدي بأيام إلى العراق، فترى أن أقول لمواليك القميين أن يخرج منهم عشرون ثلاثون رجلا كأنهم قاطعوا طريق أو صعاليك فإذا اجتاز بهم قتلوه، فيقال : قتله الصعاليك، فسكت فلم يقل لي : نعم ولا لا)[5]
ونقل الكشي ايضاً
(حمدويه وإبراهيم، قالا : حدثنا أبو جعفر محمد بن عيسى العبيدي قال : سمعت هشام بن إبراهيم الجبلي وهو المشرقي، يقول : استأذنت لجماعة على أبي الحسن.....)[6]
ونقل ايضاً
(حدثني حمدويه، وإبراهيم ابنا نصير، قالا : حدثنا العبيدي، عن هشام )ابن إبراهيم الختلي وهو المشرقي، قال قال لي أبو الحسن الخراساني عليه السلام كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس)[7]
والى هنا نفهم أن هذا الرجل يلقب بالمشرقي والبغدادي والجبلي والختلي, و يتضح أن الكشي يبني على أن هناك شخصين احدهما ثقة ثقة جليل ممدوح والاخر مطعون فيه رُمي بالزندقة, ولا مشكلة في اشتراكهما في الاسم واسم الاب إما اللقب فأن المذموم ملقب بالعباسي والممدوح ملقب بالمشرقي والبغدادي والختلي والجبلي.
وذكر ابن داود عنوانين الاول (هاشم بن إبراهيم العباسي المشرقي) [8]
والثاني (هشام بن إبراهيم العباسي، بالباء المفردة والسين المهملة صاحب يونس ( غض ) طعن عليه، والطعن عندي في مذهبه لا في ثقته)[9]
وذكره العلامة في قسم الضعفاء
(هشام بن إبراهيم العباسي - بالشين المهملة. روى الكشي عن محمد بن الحسن، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ما يدل على الطعن فيه، وعن علي عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي طالب، عن معمر بن خلاد، عن الرضا ( عليه السلام ) : انه زنديق)[10]

وعنونه الشيخ الطوسي في رجاله في اصحاب الامام الرضا عليه السلام (هشام بن إبراهيم الأحمر)[11]
وذكر الشيخ النجاشي عنواناً واحداً (هاشم بن إبراهيم العباسي. الذي يقال له المشرقي، روى عن الرضا عليه السلام. له كتاب يرويه جماعة . أخبرنا الحسين، عن علي بن محمد، عن حمزة، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن يونس، عن هاشم، عن الرضا عليه السلام بالنسخة)[12]
وكلام النجاشي هو الذي اوقع من اتبعه في أنه رجل واحد وهو تارة يدعى بالمشرقي واخرى بالعباسي, وحينئذ لابد من معرفة حاله فأن هناك توثيقاً له وفي قباله طعن فيه وان هذا الطعن الذي يصل إلى حد الاتهام بالزندقة ورد في روايات تامة سنداً.
وهناك جماعة من المحققين اتبعوا الكشي في التعدد على أن المشرقي غير العباسي, ومنهم الوحيد في التعليقة والجزائري في الحاوي, لكن كل هذا في مقابل النجاشي الذي يظهر منه أنه رجل واحد يدعى بالعباسي تارة والمشرقي اخرى, مضافاً إلى أنه ذكر (هاشم) بدل (هشام).
السيد الخوئي (قد) جزم بأشتباه النجاشي في كلا الموردين (عدم التعدد الذي هو ظاهر كلامه) والاسم (أي هاشم لا هشام).
والذي يبدو من خلال التتبع في ما قيل بحق هذا العنوان (هشام بن ابراهيم) أن احتمال التعدد اقرب من عدمه, ونحتمل قوياً أن العنوان الذي ذكره النجاشي هو المشرقي الثقة وهو الذي يريده النجاشي, غاية الأمر أن المشرقي يُحتمل _كما ذكره الوحيد _هو ايضاً عباسي, وهو الوارد في الروايات كثيراً والذي يروي عنه البزنطي.
فالوحيد يقول بان منشأ هذا اللقب (العباسي) لهشام المشرقي هو أن ابا هشام هو ابراهيم بن محمد بن عباس الختلي وهو معنون في كتب الرجال وله ترجمة, والدليل على ذلك هو أن هشام يلقب بالختلي ايضاً, وقد جاء إليه لقب العباسي من اسم جده (عباس الختلي) حيث أن المتعارف أن يلقب الشخص بأسم جده, هذا ما احتمله الوحيد وهو لا قرينة عليه لكنه يطرح كأحتمال.
والمظنون قوياً أن النجاشي بصدد ترجمة المشرقي الثقة لأنه هو المتعارف في الاسانيد وهو صاحب الكتاب الذي ذكر النجاشي طريقه إليه, ولم يُذكر للعباسي أنه صاحب كتاب, والمظنون قوياً التعدد ايضاً كما هو يكاد يكون صريح الكشي وعليه جماعة من المحققين, وبناءً على هذا الكلام تصح الرواية سنداً لأن المشرقي ثقة ثقة كما قلنا, ومن لم يجعل له هذا الكلام اطمئنان ووقف كلام النجاشي دون ذلك وقال بأن المشرقي هو العباسي, وقد ورد في العباسي الطعن الكثير, ولا ينفع ورود المدح فيه فأنه على فرض عدم القول بما قاله القدماء من تقديم الجرح على المدح لابد من القول بالتساقط عند التعارض_ كما تقتضيه الصناعة_ فلا يبقى توثيق لهذا الرجل, وحينئذ يتوقف في هذه الرواية ولا تكفي رواية البزنطي عنه لأنه على احتمال أن يكون المشرقي هو العباسي فأنه ورد فيه طعن.