22-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا إن هناك فرق بين كلمة ( ينبغي ) وبين كلمة ( لا ينبغي ) فإن كلمة ينبغي تلتئم مع الاستحباب وأما كلمة لا ينبغي فهي مختصّة باللزوم ولو لأجل ما ذكره(قده) من أنه ورد في سورة يس قوله تعالى:- ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ فهنا أريد اللزوم أي ليس من حقّها ولا يمكن لها ذلك فجعل(قده) هذا شاهداً على أن كلمة لا ينبغي دالة على اللزوم ، فلو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إن هذا تامّ ونفرّق بين هذا وذاك ولكن نقول:-إنه يكفي لاستشهاد الإمام عليه السلام بما صدر عن جده صلى الله عليه وآله أن يكون بعض ما ورد في كلام جده يلزم فيه التقديم والتأخير ولا يلزم أن يكون جميعه كذلك - أي يلزم فيه التقديم أو يلزم فيه الـتأخير - كلا بل يكفي أن يكون البعض يلزم فيه ذلك والبعض الآخر يستحب فيه ذلك وحينئذٍ يتوجّه الاستشهاد بما صدر من النبي صلى الله عليه وآله ويصير مضمون كلام الإمام هكذا:- ( لا يجوز تقديم زيارة البيت على الحلق إلا في حقّ الناسي والوجه في استثناء الناسي هو أنه جاء قومٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وقدّموا بعض الأفعال التي يلزم تأخيرها والبعض الآخر التي يستحب تأخيرها وحكم بلحاظ الجميع - أي ما يلزم وما لا يلزم - بأنه لا حرج ) إن هذا المقدار يكفي لحصول التناسب ولصحة الاستشهاد فإذا قبلنا بهذا فنضم إليه مقدمة ثانية - وهي بيت القصيد - وهي أنه لعل موضع شاهدنا - وأعني به تأخير الحلق عن الذبح - من الأشياء التي لا يلزم فيها التأخير بل يستحب فيها التأخير وعلى هذا الأساس لا يتعيّن أن يكون تأخر الحلق عن الذبح شيئاً لازماً بل لعله من مصاديق المستحب . إذن ما أفاده(قده) قابل للمناقشة كما ذكرنا هذا كله في مناقشة البيان الأول.
وأما بالنسبة  الى البيان الثاني:- وهو أن المرتكز في أذهان المسلمين لزوم تأخر ما سألوا عنه - فنسلّم أن نفس سؤالهم يدلّ على ارتكاز شيءٍ في أذهانهم وإلا فلو لم يكن هناك شيءٌ قد ارتكز في أذهانهم كيف جاءوا وسألوا فنفس السؤال ؟! والانبعاث نحو السؤال يدل على أن هناك شيئاً قد ارتكز في أذهانهم إن هذا شيءٌ مسلّم ولكن بهذا المقدار أما أن الذي ارتكز في أذهاهم هو لزوم الترتيب فهو أوّل الكلام فلعلهم كانوا يعرفون أن تأخير بعض الأفعال عن بعضها الآخر شيءٌ ثابت في الشريعة ولكن لا يعرفون أن هذا التأخير هل هو بنحو الإلزام أو بنحو الرجحان فجاءوا يسألون ولعله ارتكز في أذهانهم أيضاً أن بعض هذه الأمور من دون تعيين كان يلزم فيها الـتأخير أما أن الجميع يلزم فيه الـتأخير فلا يلزم أن يكون قد ارتكز في أذهانم . إذن لتصحيح السؤال يكفي ثبوت ارتكازٍ في الجملة.
إذن استنتاج وجود ارتكازٍ في أذهان المسلمين بسبب نفس صدور هذا السؤال شيءٌ وجيه أما أن هذا الارتكاز كما أراده السيد الخوئي(قده) - وهو أنه في جميع هذه الأمور قد ارتكز في أذهانهم أنه يلزم فيها الـتأخير - فلا إذ لعلّه ارتكز اعتبار الترتيب ولكن لا يدرون أنه بنحو اللزوم أو بنحو الرجحان فجاءوا يسألون أو أنه ارتكز في أذهانهم اللزوم في بعضها من دون تعيين ذلك البعض فلأجل عدم تعيّن ذلك البعض فجاءوا يسألون هل أن عملهم صحيح أو لا.
وعلى هذا الأساس يكون كلا هذين البيانين قابل للمناقشة وبالتالي تكون جميع هذه الوجوه الثلاثة قابلة المناقشة والمناسب ما أشرنا إليه سابقاً في إثبات اعتبار تأخّر الحلق عن الذبح.
هذا وقد يحاول الاستدلال بوجه آخر لإثبات الترتيب - أي تأخر الحلق عن الذبح -:- وذلك بالآية الكريمة:- ﴿ وأذّن بالناس في الحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوَّفوا بالبيت العتيق ﴾[1] وموضع الشاهد هو قوله تعالى ﴿ ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ﴾ وهذا إشارة الى لوزم الذبح  ، ثم قالت الآية ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾
والتفث عبارة عن الزوائد في البدن كالشعر والأظفار ، ونتيجة ذلك هو أن الحلق يكون متأخراً  عن ذبح الهدي بنصّ الآية الكريمة خصوصاً وأن كلمة (ثم ) تفيد الترتيب فحينئذ يثبت المطلوب.

وهذا البيان كما ترى يحتاج إلى مقدمتين:-
 المقدمة الأولى:- إن التفث إشارة الى الحلق والتقصير وقد دلّت على ذلك بعض الروايات ، من قبيل ما رواه الصدوق بسنده عن ربعي عن محمد بن مسلم:- ( عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ قال:- قصّ الشارب والأظفار )[2] ، وإذا كان يوجد إشكال في هذه الرواية من بعض النواحي أمكن التعويض عنها بروايات أخرى لأنه توجد روايات أخرى في نفس الباب بنفس هذا المضمون.
المقدمة الثانية:- إن كلمة ( ثم ) تدلّ على الترتيب .
وبناءً عليه يستفاد الترتيب من الآية الكريمة بهذا البيان.
وفيه:- إنا نسلّم كلتا المقدمتين ولكن استفادة لزوم الترتيب شيءٌ مشكلٌ فإن الآية هي بصدد الإخبار عن منافع الحج فإن الآية قالت ﴿ وأذّن في الناس بالحج ﴾ - يعني يا إبراهيم - ثم ذكرت الفوائد والتي منها ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ وهذا هو الأوّل ﴿ ويذكروا الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام ﴾ أي ليتحقق منهم الذكر ، ثم قالت ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ أي ليتحقق منهم إزالة شيءٍ من الشارب وكذلك الشعر أما أن ذلك لازم فلا - يعني يلزم أن يتأخر هذا عن ذاك – فإنها لم تقل ( اِفعل هذا ثم هذا ) بنحو الإنشاء يعني اِفعل ذبح الهدي ثم أفعل قصّ الشعر مثلاً وإنما هي قد أخبرت بذلك أي أنه يتحقق منهم هذا وهذا وهذا ثم ليتحقق منهم هذا الأخير وهو الحلق ولعل هذا الترتيب هو شيء مستحبٌّ وليس بلازمٍ فاستفادة اللزوم شيءٌ صعبٌ ، ولعله لأجل هذا لم يستدلّ بها أحدٌ من المتقدّمين والمتأخرين ولكن كان من المناسب الإشارة إليها ثم المناقشة لا أنها تهمل رأساً.
البحث الثالث:- أعني اعتبار الترتيب وضعاً بمعنى أنه إذا خالف المكلف الترتيب هل يفسد العمل أو أنه لا يفسد ؟ - فالكلام تارةً يقع بلحاظ الناسي وأخرى بلحاظ الجاهل وثالثةً بلحاظ العامد:-
أما بالنسبة إلى الناسي:- فلا إشكال في أن مخالفة الترتيب لا تضرّ وذلك لقاعدة عامة في باب الحج وهي أن من قدّم شيئاً على شيءٍ من أفعال الحج أو أخّر - أي خالف الترتيب - وكان ناسياً فلا يؤثّر ذلك على عمله وعمله صحيح والوجه في ذلك صحيحة جميل وصحيحة محمد بن حمران المتقدمتان:- ( جاء قوم الى النبي صلى الله عليه وآله فقال بعضهم ..... )
والمسألة اتفاقية من هذه الناحية.

وأما بالنسبة إلى الجاهل:- فقد وقع الكلام في أنه ملحقٌ بالناسي أو لا ؟ وسبب هذا التوقّف والتأمل هو ورود الرواية في خصوص الناسي لأنه عليه السلام قال:- ( لا ينبغي له الا أن يكون ناسياً ).
ويمكن أن يوجّه استفادة هذا الحصر بشكلٍ أقوى بالبيان التالي وذلك بأن يقال:- إن كلام النبي صلى الله عليه وآله حينما جاءه قومٌ وإن كان كلاماً عامّاً والسؤال كان سؤالاً عاماً - يعني هكذا قيل:- ( إنه جاء الى النبي جماعة في يوم النحر فقدّموا ما أخّروا وأخّروا ما قدّموا ) - أما أنهم ناسون فلم يقيّد بذلك وحينئذ يشمل ذلك الجاهل أيضاً فالنبي صلى الله عليه وآله قال ( لا حرج ) فنتمسك بجواب النبي فإنه عامٌّ ولم يخصّص بالناسي فتشمل الجاهل ، من أجل هذا نحتاج إلى بيانٍ لإثبات اختصاص الرواية بالناسي واختصاص كلام النبي صلى الله عليه وآله وجوابه بالناسي والوجه في ذلك هو أن الإمام الصادق عليه السلام قد خصّص العفو بالناسي وقال ( لا ينبغي له الا أن يكون ناسياً ) فلو كان يستفاد من جواب النبي أن الجاهل ملحقٌ بالناسي وأنه معذورٌ أيضاً كالناسي فلماذا خصّص الإمام المعذورية في صدر الرواية بالناسي وقال حيما سئل عمّن زار البيت قبل أن يحلق ( لا ينبغي له إلا أن يكون ناسياً ) فلو كان جواب النبي يعمّ الجاهل لكان من المناسب للإمام أن يقول ( إلا أن يكون ناسياً أو جاهلاً ) فتخصيص الإمام العفو المعذوريّة بالناسي يكشف أن ما صدر من النبي يختصّ بالناسي ولا يعمّ الجاهل . إذن إذا نظرنا إلى صدر الرواية فهو خاصّ بالناسي كما هو واضح وإذا نظرنا الى غيرها - أي الى ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله - فهو وإن كان من حيث الصورة والشكل وبادئ ذي بدءٍ عامٌّ يعمّ الجاهل أيضاً إلا أنه بقرينة استشهاد الإمام وحصر العذرية في كلامه بالناسي يثبت أن ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله خاصّ بالناسي أيضاً . هكذا قد يقرّب اختصاص الحكم بالناسي فكيف الجواب ؟