34-05-04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الصورة الخامسة:- وهي أن يدرك المكلف اختياري المزدلفة فقط دون أن يدرك موقف عرفات اختياري ولا الاضطراري.
 ولم ينقل في هذه الصورة خلاف بل حصل الاتفاق على الإجزاء ، قال المحقق في الشرائع:- ( ولو فاته الوقوف بها [1] اجتزأ بالوقوف بالمشعر ) ، وعلّق صاحب المدارك بقوله:- ( إن الحكم المذكور اجماعي ) [2] ، إذن لا خلاف في الاجزاء.
 أما ما هو المدرك ؟
 والجواب:- يمكن أن يستدل لذلك بما يلي:-
 أولاً:- صحيحة الحلبي المتقدمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام ..... وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ... ) ودلالتها على المطلوب واضحة.
 ثانياً:- صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ).
 ثالثاً:- صحيحة معاوية الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفرٍ فإذا شيخ كبير فقال:- .... وإن ظنَّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمعٍ فلا يأتِها وقد تمّ حجّه ) ودلالتها واضحة أيضاً.
 ويؤيد الإجزاء أيضاً رواية ادريس بن عبد الله:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الناس بجمعٍ وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمعٍ قبل أن يدركها ، فقال:- إن ظنَّ أن يدرك الناس بجمعٍ قبل طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمعٍ ثم ليفيض مع الناس فقد تمّ حجّه ) [3] ودلالتها واضحة أيضاً حيث قال عليه السلام:- ( فإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمعٍ ثم ليفيض مع الناس فقد تمَّ حجّه ) ، وإنما جعلناها مؤيداً لا دليلاً باعتبار أن سندها هو هكذا:- ( وعنه عن محمد عن سهل عن أبيه عن ادريس بن عبد الله ) هكذا جاء في الوسائل ، وأما في المصدر الأصلي - أعني التهذيب [4] - فقد ورد هكذا:- ( وعنه عن محمد بن سهل عن أبيه عن ادريس بن عبد الله ) والفارق بين النقلين هو أنه في نقل صاحب الوسائل ذكر ( عن محمد عن سهل عن أبيه ) بينما في التهذيب فذكر ( عن محمد بن سهل عن أبيه ) ، وضمير ( عنه ) يرجع إلى ما ذكر سابقاً فلابد من مراجعة السابق على هذا السند وهو موسى بن القاسم البجلي في الوسائل وفي التهذيب معاً [5] وهو من أجلة وثقات أصحابنا ، ومحمد هذا لا يبعد أنه محمد بن سهل بن اليسع الأشعري القمي ووالده - أعني سهل بن اليسع الأشعري القمّي - قد وثقه النجاشي فلا كلام فيه وإنما الكلام في الولد إذ لم يرد في حقه توثيق ومن هذه الناحية يقع الاشكال في السند ، وادريس بن عبد الله القمّي هو من ثقاة أصحابنا أيضاً فالمشكلة هي من ناحية محمد بن سهل . وأما إذا كان على حسب نسخة صاحب الوسائل فلعل الأمر يزداد إشكالاً ولو لم يزدد إشكالاً وفرض أنا شخّصنا محمد وسهل وكانا من الثقاة كأن ثبت أن محمد هو ابن أبي عمير وسهل هو سهل بن اليسع مثلاً فهذا لا ينفعنا باعتبار أنا لا ندري النسخة الصحيحة للتهذيب هل هي ما ينقل عنها صاحب الوسائل أو ما هو المطبوع في يومنا هذا وهذا الاختلاف بين ما هو الموجود في المصدر وبين ما هو الموجود في الوسائل يدلّ على اختلاف النسخ وبعد اختلافها يعود السند مردّداً فلا حجيّة له آنذاك.
 وعلى أي حال لا شكال في الحكم بالإجزاء في هذه الصورة لأجل الروايات الثلاث الأول.
 الصورة السادسة:- إدراك اضطراري المشعر فقط.
 وهذه الصورة هي أهم الصور والأهمية هي من ناحية أنها وقعت محلاً للقيل والقال ومنشأ هذا الاختلاف كما سوف يتضح هو الروايات ، ومن الغريب أن المحقق في الشرائع لم يشر إليها ، ولكن أشار إليها صاحب المدارك في ثنايا كلامه حيث قال - بعد أن ذكر المحقق في الشرائع الصورة الرابعة أعني إدراك الاضطراريين للمشعر وعرفات - ما نصّه:- ( واختلف الأصحاب في حكم من أدرك اضطراري المشعر خاصة فذهب الأكثر إلى عدم إدراك الحج بذلك بل قال في المنتهى إنه موضع وفاق ..... وقال ابن الجنيد والمرتضى وبن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام إنه يدرك الحجّ بذلك واختاره الشارح [6] وهو المعتمد ) [7] . وقد اتضح بهذا أننا لو أردنا أن ننسب إلى المشهور في هذه الصورة فالمناسب أن ننسب إليهم البطلان باعتبار أن صاحب المدارك قال:- ( فذهب الأكثر إلى عدم إدراك الحجّ بل قال في المنتهى إنه موضع وفاق ) ، ووقع صاحب الجواهر(قده) تحت تأثير المحقق فهو أيضاً لم يشر إليها بشكل واضح كما أشار إليها صاحب المدارك فإن صاحب المدارك سلط الأضواء عليها وإن لم يجعل لها عنواناً ولكن أشار إليها بكلمة ( ثم ) أو ما يقرب من ذلك ، وأما صاحب الجواهر فقد مرّ عليها من خلال ثنايا كلامه دون الإشارة إليها بكلمة ( ثم ) أو ما شاكل ذلك فإنه ذكر تعليقاً - في مسألة إدراك الاضطراريين [8] بعدما ذكر صاحب الشرائع:- ( قيل يدركه ولو قبل الزوال وهو حسن ) - قال فيه:- ( بل الاقوى [9] لما عرفت بل ينبغي القطع به بناءً على القول بإدراك الحجّ بإدراك اضطراري المشعر النهاري خاصة كما هو المحكي عن ابني الجنيد وبابويه في علل الشرائع والسيّد والحلبيين ) [10] ، والأمر سهل.
 وعلى أي حال منشأ هذا الاختلاف هو الروايات فهناك روايات يستفاد منها الإجزاء وأخرى يستفاد منها العكس:-
 روايات كفاية اضطراري المشعر وحده:-
 إن من جملة ما يمكن التمسك به في هذا المجال هو ما يلي:-
 الرواية الأولى:- صحيحة عبد الله بن المغيرة:- ( جاءنا رجل بمنى فقال:- إن لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً ، فقال له عبد الله بن المغيرة:- فلا حجّ لك ، وسأل اسحاق بن عمّار فلم يجبه فدخل اسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك ، فقال:- إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج ) [11] ، وصاحب الوسائل(قده) حذف عبارةً من هذه الرواية وهي فقرة ( فقال له عبد الله بن المغيرة فلا حجّ لك ، وسأل اسحاق بن عمّار فلم يجبه ) وعبّر عنها بقوله ( الى أن قال ) ، وتقريب الدلالة هو أن المقصود من قوله ( إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً ) إذا كان يقصد منه عدم إدراك الموقفين لعرفات الاختياري والاضطراري معاً فدلالتها على الإجزاء في مقامنا تكون واضحة بلا حاجة إلى ضمّ فكرة الإطلاق أو ترك الاستفصال فإنه فرض من البداية فوات الاختياري والاضطراري من عرفات والامام عليه السلام قال ( إذا أدرك المشعر إلى الزوال فقد أدرك الحج ) فتدلّ على المطلوب بشكل واضح بلا حاجة إلى ضمّ الإطلاق أو ترك الاستفصال ، وأما إذا كان المقصود من فوات الموقفين هو فوات الاختياري من عرفات والاختياري من المشعر - كما هو ليس ببعيد ولعل العبارة تتلاءم مع هذا أكثر - فتدل على المطلوب أيضاً ولكن بعد ضمّ فكرة ترك الاستفصال فيقال:- إنه عليه السلام لم يستفصل في أنه هل فاته الاضطراري من عرفات كالاختياري أو أنه فاته الاختياري من عرفات دون اضطراري ؟ إن عدم استفصاله والحكم بالإجزاء إذا أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر يدلّ على المطلوب - يعني الإجزاء - ولكن بعد ضمّ فكرة ترك الاستفصال . إذن دلالة الصحيحة على المطلوب تامّة دون أي تأمل.
 الرواية الثانية:- موثقة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السلام:- ( سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرِّف فبعث به إلى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلّى سبيله كيف يصنع ؟ فقال:- يلحق فيقف بجمعٍ ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولا شيء عليه ) [12] بتقريب أنه عليه السلام حكم بالإجزاء مادام قد وقف بجمعٍ ولم يستفصل بين أن يكون هذا الإطلاق من الأسر كان قبل شروق الشمس أو بعده فبضمّ عدم الاستفصال يثبت أنه حتى لو وقف الموقف الاضطراري للمشعر كفاه ذلك ، ولا نحتاج إلى ضمّ ترك الاستفصال من ناحية عرفات لأن المفروض أن الإطلاق قد تمّ يوم النحر فهو قد فاته الاختياري والاضطراري معاً بالنسبة إلى عرفات ، ولكن الإمام عليه السلام لم يذكر أنه لو وقف إلى الزوال من يوم النحر في المشعر فلعل المقصود هو لو وقف قبل شروق الشمس فنحتاج آنذاك إلى التمسك بالإطلاق أو عدم الاستفصال في وقت الإطلاق من الأسر فيثبت بذلك المطلوب.


[1] أي عرفات.
[2] المدارك ج7 ص401.
[3] الوسائل ج14 ص36 ب22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح3.
[4] التهذيب ج5 ص 982.
[5] وواضح أن مصطلح ( عنه ) مرة يعبر به الشيخ الطوسي اعتماداً على السند السابق ومرَّة أخرى يعبر به صاحب الوسائل إذ هو الذي يُعمِل الاختصار اعتماداً على السند وهذا شيء ليس بمهم إذن لا مشكلة فإن موسى بن القاسم من أصحابنا الأجلة الثقاة .
[6] أي الشهيد الثاني في المسالك.
[7] المدارك ج7 ص406
[8] أي الصورة الرابعة المتقدمة.
[9] يرجع إلى الصورة الرابعة وهي ادراك اضطراريين لعرفات والمشعر.
[10] الجواهر ج 19 ص43.
[11] التهذيب ج5 ص291.
[12] الوسائل ج13 ص183 ب3 من أبواب الاحصار والصد ح2.