34-05-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 المستند السابع:- ما دل على أن من نسي رمي الجمار أو جهل ذلك فعليه العودة لرميها وهكذا من نكس في رميه - أي على خلاف الترتيب - فعليه أن يعيد بما يحصل به الترتيب ، وهكذا ما دلّ على أن من نقص حصاةً واشبهت - أي أنه اشتبه أنه من الجمرة الأولى أو الثانية أو جمرة العقبة - رمى كل جمرةٍ بحصاة.
 ومن قبيل هذا صحيحة معاوية بن عمار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة ، قال:- فلترجع فلترمي الجمار كما كانت ترمي والرجل كذلك ) [1] ، ونحوها روايات أخرى ، وتقريب الدلالة واضح حيث يقال إن لزوم العود للرمي في حق الجاهل أو الناسي يدلّ على أن أصل الرمي شيء لازم وإلا لما وجب العود.
 ومن هذا القبيل أيضاً صحيحة معاوية بن عمار الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قلت له:- الرجل يرمي الجمار منكوسة ، قال:- يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة ) [2] ونحوها روايات أخرى في هذا المجال أيضاً ، ودلالتها أيضاً واضحة فإنه لا حاجة إلى الإعادة بما يحصل به الترتيب إذا لم يكن أصل الرمي واجباً . ومثال ما دلّ على أن الحصاة الناقصة عند اشتباه الجمرة يرمي كل جمرة بحصاة مذكور في الوسائل [3] .
 وعلى أي حال الإشكال على التمسك بالروايات المذكورة واضح حيث يقال:- إن الروايات المذكورة يحتمل إن لم تكن ظاهرة في النظر إلى الرمي ما بعد اليوم العاشر أو بالأحرى هي تريد أن تقول ( إذا كان الرمي واجباً فيلزم العود للرمي لأجل أن يحصل الترتيب ) أو غير ذلك ومصداق ذلك رمي ما بعد اليوم العاشر ولا يمكن أن يستفاد منها أن خصوص الرمي في اليوم العاشر - أي خصوص رمي جمرة العقبة - هو واجب ، وهذا مطلب واضح.
 المستند الثامن:- ما دلّ على أن الكسير ونحوه يرمى عنه ، من قبيل صحيحة ماوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال:- والصبيان يرمى عنهم ) [4] ، ونحوها روايات متعدّدة ، وتقريب لدلالة هي أن الرمي إذا لم يكن واجباً فلماذا أمر عليه السلام بالنيابة عن الكسير والمبطون ؟!
 وجوابه نفس ما تقدم:- فإنه يكفي في وجاهة الأمر بالنيابة أن تكون بعض أفراد الرمي واجبة ولا يلزم أن يكون جميعها واجباً.
 المستند التاسع:- ما دلّ على أن الرمي يلزم أن يكون بالحصى المأخوذ من الحرم ، من قبيل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجئك ) [5] بتقريب أنه إذا لم يكن الرمي واجباً فلماذا لا يجزئ حصى غير الحرم ؟!
 والجواب واضح حيث يرد:-
 أولاً:- يحتمل أنها ناظرة إلى شرط الصحّة فإن المستحب قد تكون صحته مشروطة بشروط احياناً كالوضوء المستحب فإنه يلزم أن يكون بالماء والفضاء المباحين وإذا لم يكن كذلك فسوف يقع باطلاً فهو لازمٌ بمعنى أنه شرطٌ لصحة الوضوء المستحب ، وهنا كذلك أيضاً فإذا لم يكن الحصى من الحرم فلا يقع المستحب فكون الحصى من الحرم شرطٌ لازم لتحقق المستحب فلا يدلّ حينئذ على وجوب الرمي.
 وثانياً:- إنها قابلة للانطباق على ما بعد اليوم العاشر فتريد أن تقول إنه يلزم في الرمي الواجب أن يكون الحصى من الحرم أما ما هو الرمي الواجب وهل ينطبق على رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر أيضاً أو يختص بما بعد اليوم العاشر ؟ إن ذلك قضية مسكوت عنها.
 وعلى هذا المنوال ما دلّ على لزوم إصابة الجمرة وعدم كفاية الرمي من دون أن تحصل الإصابة كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها فإن أصابت انساناً أو حَمْلاً - جملاً - ثم وقعت على الجمار أجزأك ) [6] وتقريب الدلالة كما سبق والجواب كما سبق أيضاً - يعني نفس الجوابين السابقين يأتيان بالنسبة إلى هذه الطائفة من الروايات أيضاً -.
 ومن خلال هذا كله اتضح أنه لم تسلم لدينا رواية تامّة الدلالة.
 والأجدر في هذا المجال أن يستدل بالبيان التالي:-
 لا إشكال في أن المسلمين في زماننا هذا يأتون برمي جمرة العقبة في اليوم العاشر بنيّة الوجوب بيد أن هذا لا ينفعنا فإن المهم هو السيرة بنيّة الوجوب في زمان المعصوم وليس في زماننا وحينئذ نقول:- إن المسلمين في تلك الفترة إما أنهم كانوا جميعاً يأتون برمي جمرة العقبة في اليوم العاشر بنيّة الوجوب أو أنهم كانوا يأتون بذلك جميعا بنيّة الاستحباب أو أن شريحةً منهم كانت تأتي به بقصد الوجوب وشريحة أخرى تأتي به بقصد الاستحباب فالاحتمالات إذن ثلاثة ولا رابع لها وحيث إن الأخيرين باطلان فيتعين الأول وهو المطلوب ، يعني أن المسلمين في عهد المعصوم كانوا يأتون برمي جمرة العقبة في اليوم العاشر بنيّة الوجوب وهذا يكشف عن تلقّيهم لذلك من الشرع المقدس.
 ولكن لماذا كان الاحتمالان الاخيران باطلين ؟
 أما بالنسبة إلى الاحتمال الثاني:- فلازم ذلك أنه حصل تغيّر في الارتكاز فسابقاً كانوا يأتون جميعاً برمي جمرة العقبة بنيّة الاستحباب ولكن حصل تحوّل بعد ذلك إلى الإتيان به في زماننا وما قاربه بنيّة الوجوب وهذا بعيد جداً بحيث يُطمأن بعدمه فإن أصل التغيّر في الارتكاز قضيّة بعيدة ولو كان هذا التغير ثابتاً لانعكس على التاريخ والروايات فإنه ظاهرة ابتلائية مهمّة وعدم الإشارة إلى ذلك من قريبٍ ولا من بعيدٍ يورث الاطمئنان بأنه لم يكن الأمر كذلك - يعني لم يأتوا بالرمي في تلك الفترة جميعا بقصد الاستحباب -.
 وأما أن الاحتمال الثالث باطل:- فباعتبار أن هذا لو كان ثابتاً فهو قضيّة تستدعي النقل لأهمية هذه الظاهرة بل يلزم أن شريحة من الناس سوف تتساهل في أمر الرمي مادام هو بنحو الاستحباب وهذا يأتي بشكل أوضح بالنسبة إلى الاحتمال السابق - يعني إذا كان الكل يأتي به بنيّة الاستحباب - فيلزم تخلّف جماعة عن ذلك من دون إنكار عليهم والحال أنه لم ينقل أن بعضاً تخلّف وتَركَ ذلك أو كان هناك مجال للتسامح في ترك ذلك إنه لو كان هناك مجال للتسامح لانعكس ذلك على الروايات وعلى النقل وبالتالي يمكن أن يحصل للفقيه اطمئنان بكون رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر شيءٌ واجب ، ولعل الفقهاء كانوا يعيشون هذا البيان الذي ذكرته في أعماقهم ولذلك حاولوا أن يستدلوا عليه من هنا وهناك ببعض الروايات.
 وعلى أي حال قصور الروايات لا يضرّنا بعد هذا البيان الذي أشرنا إليه . هذا كله بالنسبة إلى أصل الوجوب وقد اتضح أن لا ينبغي الإشكال فيه للبيان الذي أشرنا إليه.
 
 قال(قده):-
 ويعتبر فيه أمور:-
  • نيَّة القربة.
 بعد أن فرغ(قده) عن بيان وجوب الرمي أخذ ببيان شروط الرمي.
 وهناك قضيّة فنيّة جانبيّة لا بأس بالالتفات إليها:- وهي أن شروط الرمي على نحوين هما شروط لنفس الرمي بقطع النظر عن الحصاة التي ترمى بها الجمرة وشروط للحصاة التي ترمى وليس لنفس الرمي.
 أما شروط الحصاة:- فهي أن تكون بكراً ووصف البكر وصفاً لنفس الحصاة وليس وصفاً للرمي ، وأن تكون من الحرم ، وأن يصدق عليها عنوان الحصاة أو الحَجَر ، هذه أمور وأوصاف ثلاثة ترجع إلى الحصاة التي يرمى بها وليس إلى الرمي.
 وهناك أوصاف وشروط للرمي بقطع النظر عن الحصاة من قبيل أن يكون الرمي بسبع حصيات لا بأقل ، وأن يكون بنحو التتالي لا دفعة واحدة ، وأن تحصل الإصابة ، وأن يكون بعد طلوع الشمس .... وهكذا باقي الشروط.
 وباتضاح هذا نقول:- إن بعض الفقهاء المتقدّمين حاول أن يفصل بين هذين النحوين من الشروط فشروط الحصاة ذكرها في بحث المشعر الحرام وما يرتبط بأحكام المشعر الحرام فحينما يتعرض إلى المشعر الحرام يذكر هناك ويقال:- ( ويستحب التقاط الحصى منه وأن تكون بِكراً وأن يصدق عليها أنها حصاة وأن تكون من الحرم ) فيشار إلى هذه الاوصاف الثلاثة التي هي راجعة إلى نفس الحصاة ، وأما الشروط الراجعة إلى الرمي فيذكرونها في مبحث جمرة العقبة وما يرتبط بها فهنا يبيّنون شروط الرمي ، هكذا فعل صاحب الشرائع(قده) في شرائعه ولعله فعل غيره ذلك أيضاً وقد تأثر بذلك صاحب الوسائل(قده) في وسائله أيضاً ففصل بين هذين النحوين من الشروط ولم يذكرهما في بابٍ واحد فلاحظ الوسائل ، والسيد الخوئي(قده) في مناسكه أشار هنا - أي بقوله ( ويعتبر فيه أمور ) - إلى شروط الرمي دون شروط الحصاة ولكن حينما وصل إلى مسألة ( 378 ) أشار إلى شروط الحصاة ففصل بينهما ولكنه قد ذكر الجميع في مكانٍ واحدٍ غايته مع فاصلٍ قصير بالشكل الذي أشرنا إليه ، نعم وقعت مسامحة من القلم فإنه في مقامنا حينما أخذ بذكر شورط الرمي تعرض إلى الشرط الثاني من شروط الرمي انجرَّ القلم من حيث لا يشعر إلى بيان شرطٍ من شروط الحصاة حيث قال في الشرط الثاني هنا ( أن يكون الرمي بسبع حصيات ولا يجزي الأقل من ذلك ) ثم قال ( كما لا يجزي رمي غيرها من الأجسام ) [7] وهذا شرطٌ للحصاةِ وليس للرمي.
 والذي أريد أن أقوله هو أنه لا ينبغي للفقيه في كتاب المناسك أن يفصل ويُعمِل هذه التنكات الفنيّة والعلميّة وإنما ينبغي له أن يذكر جميع الشروط سواء كانت للرمي أو للحصاة في مكانٍ واحدٍ من دون حاجةٍ إلى التمييز بينها ، نعم لا بأس بأن تراعى مثل هذه القضايا الفنيّة في الكتب العلميّة.


[1] وسائل الشيعة ، ج14، ص261، ب3، من ابوب العود إلى منى، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة ، ج14، ص265، ب5، من أبواب العود إلى منى، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة ، ج14، ص268، ب7، من أبواب العود إلى منى، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة ، ج14، ص74، ب17، من أبوب رمي جمرة العقبة، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة ، ج14، ص59، ب4، من أبواب رمي جمرة العقبة، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة ، ج14، ص60، ب6، من أبواب رمي جمرة العقبة، ح1، ط آل البيت.
[7] وكان من المناسب أن يقول ( كما لا يجوز الرمي بغيرها من الأجسام ).