34-05-28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراك للشرط الرابع:- ذكر(قده) في الشرط الرابع أنه يلزم وصول الحصاة إلى الجمرة وذكرنا في هذا المجال أنه قد يستدل على ذلك بأدلة ثلاثة التأسي وأن رمي الجمرة لا يصدق إلا بإصابتها وصحيحة معاوية التي تقول ( إن أصابت المحمل فعليك الاعادة ) وقد علقنا على الجميع ، ثم تمسكنا بعد ذلك بالبيان الذي نذكره في غير مسألة من المسائل.
 والاستدراك هو قد يقال:- إن صحيحة معاوية التي ذكرناها هي وإن كانت بصدرها قابلة للمناقشة إلا أنها بذيلها يمكن أن نستفيد منها لزوم إصابة الجمرة فإن الصحيحة قالت هكذا ( فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها وإن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك ) فنتمسك بالفقرة الثانية - أعني ( وأن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك ) - فإنه يفهم منها أن وقوع الحصاة على الجمرة شيء لازم ولكن لو أصابت أثناء الطريق إنساناً أو جملاً فلا يؤثر ذلك على الرمي المطلوب مادام قد أصابت الحصاة الجمرة ، هكذا يمكن أن نفهم منها وأنه إذا لم تصب - وهذا هو المهم - ولم تقع على الجمرة فلا يجزي ذلك.
 وهذا شيء وجيه على مستوى المؤيد أما على مستوى الدليل فقد يشكل عليه:- بأنه هل المقصود هو التمسك بمفهوم الشرط أو المقصود هو التمسك بظهور الرواية بالمفروغيّة عن اعتبار وقوع الحصاة على الجمرة ؟ فإن كان هو الأول فالشرط مركّب من جزأين هما المرور على الإنسان أو الجمل أثناء الطريق ومن الوقوع على الجمرة فمجموع هذين هو الشرط ولازم المفهوم آنذاك أن انتفاء هذ الشرط إما بكلا جزئيه أو ببعضهما يوجب عدم الإجزاء وهذا معناه أنه لو أصابت الحصاة الجمرة ولكن لم تمرّ في الطريق بإنسانٍ أو جملٍ فلا يكفي ، وهذا لا معنى له ولا يمكن المصير إليه.
 إذن لا يمكننا في مقام تقريب الدلالة التمسك بمفهوم الشرط إذ لازمه ما أشرنا إليه فلابد وأن يكون المقصود هو التقريب الثاني يعني أنه يستفاد من قوله عليه السلام ( ثم وقعت على الجمرة ) أن الوقوع على الجمرة شيء مفروغ عنه وأن الإصابة أثناء الطريق للإنسان أو الجمل لا يؤثر مادام قد وقعت على الجمرة ، إن هذا التقريب أولى من التقريب السابق.
 ولكن يرد عليه:- إن غاية ما يستفاد هو المفروغيّة عن اعتبار الوقوع على الجمرة أما أن ذلك بنحو اللزوم فهو أوّل الكلام وإنما يستفاد المفروغيّة في الجملة - يعني أعم من كونها بنحو الوجوب أو الاستحباب - وكلمة ( أجزأك ) لا يمكن التمسك بها لإثبات اللزوم إذ التعبير بالكلمة المذكورة يراد به أن إصابة الإنسان والجمل اثناء الطريق لا يؤثر على الإجزاء - أي أنه بلحاظ هذا الشيء المفروغ عنه - فإن كان هذا المفروغ عنه وهو الوقوع على الجمرة فهذا يجزي ولا يؤثر عليه وإن كان مستحباً فأيضاً يجزي فالتعبير بالإجزاء هو بلحاظ ذلك الشيء المفروغ عن اعتباره والذي هو أعم من الوجوب أو الاستحباب فلا يمكنك إذن أن نستفيد من تعبير ( أجزأك ) أن الوقوع على الجمرة لازم بل غاية ما يستفاد هو أن الوقوع عليها شيء مفروغ عن اعتباره إما بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب والإجزاء يتحقق بلحاظ هذا المفروغ عنه حتى ولو فرض أن الإصابة للإنسان أو الجمل حصلت في اثناء الطريق . إذن استفادة اللزوم من هذه الفقرة شيءٌ مشكل لذلك قلنا أن المناسب التمسك بها بنحو التأييد وذلك بناءً على أن كلمة ( أجزأ ) لا يصح التمسك بها واستعمالها إلا في موارد الوجوب واللزوم أما في الموارد التي يكون فيها اعتبار الشيء بنحو الاستحباب فلا يصح استعمالها فيها وإذا ثبت هذا الشيء فلا بأس ، فنفس التعبير بـ( أجزأ ) يدل على أن هذا الشيء المفروغ عنه هو لازمٌ.
 ولكن يمكن لقائل أن يقول:- إن التعبير بالإجزاء أعمّ فكما يمكن استعماله بلحاظ الواجب يمكن استعماله بلحاظ المستحب وهو حياديٌّ من هذه الناحية فلذلك ذكرنا أن دلالة هذه الرواية يمكن أن تكون بنحو التأييد وليس بنحو الدليليّة.
 
 قال(قده):-
 6- أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها ويجزئ للنساء وسائر من رخِّص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل - ليلة العيد - لكن يجب عليهم تأخير الذبح والنحر إلى يومه . والأحوط تأخير التقصير أيضاً ويأتون بعد ذلك بأعمال الحج إلا الخائف على نفسه من العدو فإنه يذبح ويقصِّر ليلاً كما سياتي.
 ..........................................................................................................
 اشتملت العبارة على أحكامٍ ثلاثة:-
 الأول:- إن وقت الرمي يكون ما بين طلوع الشمس وغروبها.
 الثاني:- إن من رُخِّص له في الإفاضة ليلاً يجوز له أن يرمي ليلاً.
 الثالث:- إن هذا الذي رُخِّص له في الإفاضة والرمي ليلاً - مثل النساء - لا يحق له أن يذبح ويقصِّر ليلاً بل الأحوط الانتظار إلى نهار اليوم العاشر إلا بالنسبة إلى الخائف.
 وكان من المناسب عدم تسليط الأضواء بشكلٍ واضحٍ على الحكم الثاني والثالث فإن الثاني ستاتي الإشارة إليه في مسألة مستقلة وهي مسألة ( 433 ) فهناك يذكر أن من جازت الإفاضة له ليلاً جاز له الرمي ليلاً أيضاً ونحن سوف نبحث هذا هناك فنرجئه إلى تلك المسألة . نعم كان من المناسب هنا الإشارة إليه بأن يقول ( وسيأتي حكم الرمي ليلاً لمن جاز له الإفاضة ليلاً ).
 وهكذا بالنسبة إلى الحكم الثالث فإنه سوف يذكره في الواجب الثاني من واجبات العيد - أعني الذبح - فإنه الواجب الثاني وهو بالتالي الواجب الخامس من واجبات حج التمتع فهناك يذكر أنه هل يجوز الذبح والحلق ليلاً أو لا يجوز ؟ ونحن أيضاً نرجئ الإشارة إليه إلى ذلك الموضع وهنا سنشير إلى الحكم الأول فقط.
 ولم يشر المحقق(قده) في الشرائع إلى وقت الرمي عند تعرضه لمسألة رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر بل أرجأها إلى رمي الجمار في أيام التشريق فإنه هناك ذكر ما نصّه:- ( ويجب أن يرمي كل يومٍ من أيام التشريق الجمار الثلاث ..... ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ) فهو قد أشار إليه هنا ولم يشر إليه في رمي جمرة العقبة والأمر سهل.
 وأما من حيث الفتوى:- فقد ذكر صاحب المدارك(قده) [1] :- ( أن ذلك هو المشهور بين الأصحاب ) وإنما عبّر بالمشهور لنسبة الخلاف إلى الشيخ وابن زهرة حيث ذهبا إلى أن وقته من بعد الزوال ، وواضح أنه لابد وأن يكون مقصود هذين العلمين من كون الوقت بعد الزوال يعني في يوم ما بعد العاشر وأما بلحاظ اليوم العاشر فيمكن أن يدّعى أنه لا خلاف في كون الوقت من طلوع الشمس الى غروبها وقد جرت على ذلك سنّة المسلمين القطعية.
 إذن الخلاف هذا لابد وأن نقول هو بلحاظ ما بعد اليوم العاشر كما هو عند العامّة فإنهم يرمون بعد الزوال.
 وعلى أي حال يدل على أن الوقت ما بين طلوع الشمس إلى غروبها روايات متعددة:- وقد عقد لها صاحب الوسائل باباً نذكر منه تبركاً صحيحة منصور بن حازم وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها ) [2] .
 نعم توجد روايتان قد يستشف منهما المنافاة:- أحداهما:- صحيحة اسماعيل بن همام:- ( سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول :- لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس ... ) [3] فإنها ذكرت وقت البداية وهو طلوع الشمس ولم تذكر النهاية ومقتضى الاطلاق أنه يمتّد إلى ما بعد الغروب.
 ولكن فيه:- أن المورد من باب المطلق والمقيّد فالسكوت هنا أقصى ما نفهم منه عدم التحديد من حيث النهاية بالغروب ولكن بقيّة الروايات حيث حدّدت فتصير مقيّدة لهذه الرواية فلا مشكلة من هذه الناحية.
 وثانيهما:- رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قلت له:- إلى متى يكون رمي الجمار ؟ فقال:- من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس ) [4] إنها من حيث النهاية ذكرت غروب الشمس وهذا لا مشكلة فيه ولكن من حيث البداية ذكرت أنها من ارتفاع النهار لا طلوع الشمس ومعلوم أن ارتفاع النهار متأخر عن طلوع الشمس بفترةٍ فحينما ترتفع الشمس في السماء - وهو ما يعبّر عنه بوقت الضحى - فهذا هو ارتفاع الشمس . إذن هي دلت على أن وقت الرمي من حيث البداية ليس هو من طلوع الشمس بل من ارتفاعها.
 ولو كنا نحن وهذه الرواية فقط من دون الروايات السابقة لكنا نجعل البداية هي من ارتفاع الشمس دون الطلوع ولكن حيث أن تلك الروايات واضحة الدلالة على أن البداية هي طلوع الشمس فيمكن أن نقول بأن المورد يصير من قبيل النصّ والظاهر - أو الأظهر والظاهر - فإن ما دلّ على أن البداية هو شروق الشمس هو نصّ أو أظهر في كون البداية هي الشروق وأما هذه الرواية الدالة على أن البداية هي ارتفاع الشمس فهي ظاهرة في كون البداية هو ما بعد شروق الشمس - أي وقت الضحى مثلاً - فنؤولها لحساب النصّ بأن تحمل على كون المقصود من الارتفاع ليس الارتفاع المصطلح - يعني في كبد السماء - وإنما هو الارتفاع عن الأفق وذلك ببروزها فإنها لو برزت وأشرقت فبالتالي قد ارتفعت - يعني ارتفعت عن سطع الأرض المعبَّر عنه بدائرة الأفق فهذا نحو من الارتفاع - وإنما نصير إليه بقرينة ذلك النصّ أو الأظهر ، فإن قبلنا بهذا فهو وأما إذا فرض أنا أنكرناه وقلنا إن الارتفاع لا يقبل الحمل على إرادة الشروق فيصير المورد من المعارضة المستقرة ومعه نرجع إلى دليل آخر غير هذين المتعارضين فإن كانت هناك مطلقات للرمي موجودة - يعني التي لا تحدد الوقت - فنتمسك بها - لو كان بها اطلاق وكفاية الرمي من حين شروق الشمس - وأما ما قبل الشروق فهو وإن كان مشمولاً ولكن نجزم بخروجه عنه لاتفاق الطائفتين عليه ، وإذا فرض أنه لا توجد مطلقات فيكفينا الرجوع إلى الأصل العملي فإننا نشك باشتغال الذمة بالحج مع الرمي المقيّد بكونه عند ارتفاع الشمس فنجري البراءة عن ذلك وبه نصل إلى نفس النتيجة.
 إذن لا معارضة من هذه الناحية ، أو لو كانت هناك معارضة فهي لا تضرّ بعد أن كان الأصل العملي يؤدي بنا إلى نفس النتيجة المطلوبة . هذا إذا كانت الرواية تامة سنداً.
 والشيخ النراقي(قده) في مستنده [5] عبّر عنها بمرسلة الصدوق والحال أنه كيف يعبّر بذلك والحال أن جميع رجال السند هم من الثقاة المعتبرين ؟
 إن النكتة في ذلك هي أن الشيخ الصدوق قد رواها بسندٍ صحيحٍ ينتهي إلى جميل بن دراج وإذا رجعنا إلى المشيخة لم نجد طريقاً له إلى جميل بن دراج وإنما له طريق إلى جميل بن دراج ومحمد بن حمران - أي إلى الاثنين معاً - أما إلى أحدهما - يعني جميل وحده - فلم يذكر طريقاً ، وعليه فتصير هذه الرواية مجهولة الطريق وبهذا الاعتبار عبّر عنها بالمرسلة . نعم من يستظهر أن هذا الطريق هو طريق وإن كان اليهما معاً ولكنه في نفس الوقت هو طريق إلى كل واحدٍ لو انفرد بالرواية - وهكذا كان يقصد الشيخ الصدوق - فتخرج عن الإرسال وأما إذا لم نستظهر ذلك فتكون هناك نكتة ثانية لردّها وعدم اعتبارها وهو جهالة الطريق فيها.


[1] المدارك، ج8 ص230.
[2] الوسائل، ج14 ص70 ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة ح6.
[3] المصدر السابق، ح7.
[4] المصدر السابق ح1.
[5] مستند الشيعة، ج13 ص56.