34-06-10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 أما بالنسبة إلى السؤال الأول فيمكن أن يقال:- إن المدار هو على عدم العلم بكون الحصاة قد رمي بها ولا يلزم تحصيل الجزم بذلك ، والوجه في ذلك هو أن هذا هو في نفسه شيءٌ بعيدٌ يكاد لأجله يحصل للفقيه الاطمئنان بعدم اعتباره [1] إذ لازمه تعذّر الرمي بكثيرٍ من الحصى إذ أيّ حصاة نأخذها فهي في الغالب نحتمل أنه قد رمي بها ، ولا نقصد أنا نقول ذلك دائماً بل هي حالة متعارفة وبالتالي يلزم تعذّر الرمي بالحصاة المتعارفة وهذا شيء بعيد يحصل للفقيه الاطمئنان بأن الجزم ليس بمعتبرٍ . وهذا ليس تمسكاً بقاعدة نفي الحرج - ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) - حتى يقال إن المدار بناءً على هذا هو الحرج الشخصي فيلزم أن نفصِّل بين الأشخاص فمن كان يلزم الحرج في حقه فيجوز أن يرمي بالحصاة التي لا يعلم أنه قد رمي بها والذي لا يلزم الحرج في حقه يلزم أن يجزم بكون الحصاة لم يُرمَ بها ، كلا ليس المدرك هو هذا حتى يلزم هذا التفصيل وكي يورد أيضاً بأن قاعدة نفي العسر والحرج تنفي التكليف ولا تثبت صحّة ما يؤتى به فغاية ما يلزم منها لو أردنا التمسك بها هو أنه يسقط اعتبار الرمي بالحصاة التي يجزم بأنه لم يُرمَ بها لا أنه يكتفى بالرمي بما يحتمل أنه لم يُرمَ به ويكون مجزئاً.
 وبالجملة:- ليس مقصودنا من الاستبعاد الذي أشرنا إليه هو التمسك بقاعدة نفي الحرج وإنما مقصودنا هو أن الفقيه يستبعد إلى درجةٍ يحصل له الاطمئنان بعدم اعتبار الشرط المذكور - أي اشتراط الجزم - فتعود الحجيّة آنذاك للاطمئنان دون قاعدة نفي الحرج أو غير ذلك.
 إنه مضافاّ إلى هذا الوجه يمكن التمسك بوجهٍ آخر وهو أن الصناعة والقاعدة تقتضي عدم اعتبار الجزم بأنه لم يُرمَ بها وكفاية احتمال أنه لم يُرمّ بها ، والوجه في ذلك هو أن الأصل يقتضي إحراز أنها لم يُرمَ بها فنشير إلى هذه الحصاة ونقول هذه الحصاة نشك هل أنه رُمِي بها أو لا ؟ ومقتضى الاستصحاب أنه لم يُرمَ بها فالاستصحاب نفسه يكفينا لإثبات أن هذه الحصاة لم يُرمَ بها ما دمنا نشك أنه رُمي بها أو لا ، ولا أقصد من هذا الاستصحاب استصحاب العدم الأزلي - بأن يشار إلى هذه الحصاة ويقال إنها قبل خلقتها لم تكن ذاتها موجودة ولا وصف أنها قد رمي بها ثم بعد ذلك وجدت ذاتها ونشك هل أن وصف أنه لم يُرمَ بها زال أو لا فنستصحب من الأزل أنه لم يُرمَ بها كلا لم أقصد ذلك - حتى يقال إن هذا مبنائي - أي هو يبتني على حجيّة استصحاب العدم الازلي - كلا بل أقصد به استصحاب العدم النعتي - أي استصحاب العدم بعد وجود الحصاة لا استصحاب عدم الوصف قبل وجود الحصاة - حيث نشير إلى هذه الحصاة ونقول إن هذه الحصاة بعد أن وجدت هي لم يُرمَ بها حتماً بعد وجودها بلحظة فقد مرّت عليها لحظة بعد وجودها لم يُرمَ بها ونشك بعد ذلك هل زال هذا الوصف الذي كانت متّصفة به أو لا فنستصحب هذا الاتّصاف فيثبت بذلك المطلوب.
 إذن نستند إلى وجهين لإثبات كفاية عدم العلم بأنها قد رُمِي بها ولا نحتاج الى الجزم.
 ومن هذا يتضح أنه كان المناسب من المناسب للسيد الماتن(قده) أن يشير إلى هذا المطلب في عبارة المتن ويقول ( يلزم أن تكون بكراً بمعنى أنه لا يُجزّم أنه قد رمي بها ولا حاجة إلى الجزم بأنه لم يُرمَ بها ) ، وأنا أجزم بأن مقصوده(قده) هو هذا.
 وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني:- فجوابه هو أن المدار على الرمي الصحيح فإذا رمي بها رمياً ليس صحيحاً فهي بكرٌ بَعدُ ، والوجه في ذلك هو التمسك بالقاعدة الأصولية التي تقول ( إذا كان لدينا عام وخرج منه بالمخصص المنفصل حصّة ودار أمر تلك الحصّة بين السعة والضيق فنقتصر على المقدار المتيقن وفي الزائد عنه نتمسك بعموم العام ) وموردنا من هذا القبيل فإن العام الذي يوجد لدينا هو ما دلّ على لزوم الرمي فإنه توجد عدّة روايات مطلقة في هذا المجال أي تدل على اعتبار الرمي - ثم جاء بعد ذلك مخصّص منفصل وهو ذلك الذي اشترط بكارة الحصاة - وذلك المخصّص على ما تقدم هو أحد أمور ثلاثة الأول التأسي الذي أشار إليه صاحب المدارك(قده) بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يرمي بالحصاة البكر دون التي رمي بها ، والثاني إطباق المتشرعة على أخذ الحصاة من مكانٍ آخر غير مكان الجمرة ، والثالث هو مرسلة حريز التي دلّت على أنه لا ترمِ بحصى الجمار - أي الموجودة عند الجمار - ورواية عبد الأعلى التي مضمونها ذلك ، إن المخصص هو أحد هذه الأمور الثلاثة . وإذا لاحظنا الأول فهو كما لا يخفى لبيّ فيقتصر فيه على القدر المتيقن والمتيقن هو أنه صلى الله عليه وآله لم يرمِ بالحصاة التي رُمي بها رمياً صحيحاً أما التي رُمِي بها رمياً باطلاً فلا نعلم أنه صلى الله عليه وآله لم يرمِ بها فدليل التأسي لا يمكن التمسك به فنتمسك حينئذ بعموم العام . وهكذا لو كان المستند هو الثاني فإنه لبي أيضاً وغاية ما يثبته هو أن التي رُمِي بها - لو سلمنا تماميته - رمياً صحيحاً أطبق الأصحاب أنه لا يرمون بها أما التي رمي بها برميٍ باطلٍ فهل أطبق الأصحاب على عدم الرمي به ؟ إن هذا ليس بثابتٍ . إذن إطباق الأصحاب نتيجته مجملة من هذه الناحية فيتمسك بالقدر التيقن وهو التي رمي بها رمياً صحيحاً . وأما الثالث - أعني الروايتين - فهما قالتا ( لا ترمِ بحصى الجمار ) وغاية ما نستفيد من هذا التعبير - لو تمت دلالته - هو أنه لا يُرمى بما رُمِي به رمياً صحيحاً فإن القدر المتيقن الذي يستفاد من هذا العبير هو هذا المقدار دون ما زاد فنتمسك بعموم العام بلحاظ ما زاد - أعني ما رمي بها رمياً غير صحيحاً . إذن المناسب هو أن تكون بكارة للحصاة بمعنى أنه لم يرم بها برمي صحيح.
 وأما السؤال الثالث فقد اتضح جوابه من خلال ما أشرنا إليه حيث يقال:- لدينا عام خرج منه بالمخصّص عنوان مردّد بين الأقل والأكثر وحيث أن المخصص منفصل ففيما زاد على القدر التيقن نتمسك بعموم العام.


[1] يعني أن اعتبار الجزم بعدم الرمي بالحصاة هو في حدّ نفسه شيء بعيد.