39/06/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 49 ) اشتراط الموالاة بين الايجاب والقبول ، مسألة (50 ) اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول من جميع الجهات - المكاسب المحرّمة.

النقطة الثانية:- لا يعتبر وحدة مكان المتبايعين.

وهذه القضية لم يتعرّض إليها الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبة ، ولعله مع عدم وحدة المكان سوف تزول الموالاة فلذلك لم يذكرها ، فبالتالي هذا يرجع إلى اعتبار الموالاة ، ، ولكن هذا لا يرفع الاشكال عن الشيخ الأعظم(قده) ، إذ بالتالي لابد وأن يذكر هذا ثم يقول إنَّ اعتبار وحدة المكان يرجع بالتالي إلى وحدة الموالاة فهذا لا يصح عذراً له.يمكن أن يقال بعدم اعتبار وحدة المكان حتى بناءً على اعتبار الموالاة ، كما إذا كان البائع في حجرة والمشتري في حجرة ثانية ولكن كان الصوت جهوري لهما فالبائع قال بعتك الكتاب بكذا والمشتري قال قبلت فهنا الموالاة موجودة رغم عدم وحدة المكان.

والخلاصة:- أنه لا تعتبر وحدة المكان ، والدليل على ذلك هو اطلاق أدلة الامضاء ، فإنَّ ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ مطلق ولم يقل بشرط وحدة المكان ، بل متى ما صدق البيع عرفاً فقد أحلّه الله ، إلا اللهم أن تشكك في صدق عنوان البيع عرفاً ، ولكن هذا لا نقبل به فالبيع صادق والعقد صادق والتجارة عن تراض صادق وبعد صدق ذلك نتمسّك بالاطلاق ولا موجب للتوقف.

النقطة الثالثة:- يجوز اجراء البيع بالمكاتبة والتلفون وغير ذلك من الوسائل الحديثة.

كما لو بعث شخص رسالة وقال بعتك كذا بكذا وبعد شهر مثلاً وصلت إلى الثاني وقال قبلت كفى ذلك ، أما التلفون فهو يدخل في النطة الثانية فإنه لو كان البائع في بلد والمشتري في بلد آخر فهنا يقال يوجد اختلاف في المكان مع وجود الموالاة ، وكذلك في مسألة الزواج بالتلفون فهي تقول زوجتك نفسي وهو يقول قبلت فهذا كافٍ أيضاً ، وكذلك الأنترنيت وغير ذلك.فإذن بالمراسلة أو المكاتبة على فرض أنه يقع فاصل بين الايجاب والقبول فقد تقدم أنه لا بأس بذلك والمستند هو نفس المستند وهو لصدق عنوان العقد والبيع على ذلك.

وربما يستشهد لذلك من باب المؤكد بالمعاهدات الاسلامية السابقة أو المعاهدات العقلائية في زماننا:- أما بالنسبة إلى المعاهدات الاسلامية السابقة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عقد صلح الحديبية مع الكفار حيث كان الكاتب أمير المؤمنين عليه السلام وفي دومة الجندل كذلك ، فإذن المكاتبة موجودة في العصور الاسلامية من قِبَل المعصوم عليه السلام ، وأما المكاتبات أو المعاهدات العقلائية في زماننا فهي واضحة حيث يتكاتب هذا الوزير مع ذلك الوزير وبعد ذلك لا يتلفظان بالإيجاب والقبول ، ومن الواضح أنَّ المعاهدات العقلائية في زماننا تحتاج إلى ضميمة حتى يصير دليلاً على الامضاء ، أما المعاهدات الاسلامية فدليل امضائها معها وهو المعصوم عليه السلام ، أما المعاهدات العقلائية فلابد أن نقول هي ليست حادثة في زماننا بل يبتلى بها حتى في ذلك الزمان فلو كانت غير صحيحة لكان المناسب الردع عنها فالسكوت يدل على الامضاء.

ولكن يمن أن يرد ذلك:- بأنه من المحتمل - ويكفينا الاحتمال - أن يكون ذلك من جهة أنه قبلاً يحصل الاتفاق بين الطرفين ثم بعد ذلك يتكاتبان ، فإذن المكاتبة والمعاهدة أو غيرهما من المحتمل أنها تصير بعد المعاقدة اللفظية ومادام يحتمل هذا فإذن لا يمكن الاستشهاد بهذه المعاهدات الاسلامية أو العقلائية ، فإذن الدليل هو أنه عرفاً يصدق عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراض فنتمسّك بالاطلاق.

 

مسألة( 50 ):- الظاهر اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول في الثمن والمثمن وسائر التوابع فلو قال بعتك هذا الفرس بدرهم بشرط أن تخيط قميصي فقال المشتري اشتريت هذا الحمار بدرهم أو هذا الفرس بدينار أو بشرط أن أخيط عباءتك أو بلا شرط أو بشرط ان تخيط ثوبي أو اشتريت نصفه بنصف دينار أو نحو ذك من انحاء الاختلاف لم يصح العقد.نعم لو قال بعتك هذا الفرس بدينار فقال اشتريت كلّ نصف منه بنصف دينار صح ، وكذا في غيره مما كان الاختلاف فيه بالاجمال والتفصيل...........................................................................................................تشتمل هذا المسالة على نقطتين:-

النقطة الأولى:- يشترط التطابق بين الايجاب والقبول ، فأيّ اختلاف في الثمن أو المثمن أو الشرط كله لا يجوز ، يعني لا يكون العقد صحيحاً.

النقطة الثانية:- نعم يصح إذا فرض أنه قال بعتك الدار بمائة مليون فيقول المشتري اشتريت نصفها بنصف مليون والنصف الثاني بنصف مليون.

فإنَّ الأوّل لا يصح لأنه يوجد اختلاف ، وأما الثاني فيصح لأنه بالنظر العرفي لا يعدّ اختلافاً بين الايجاب والقبول فلا يضر.والأنسب عدم ذكر عدم ذكر الشق الثاني ، بل حتى الشق الأوّل ، فهل يوجد انسان عرفي يخالف بين الايجاب والقبول ؟!! فالمناسب عدم ذكر هذه المسألة ، وإذا أريد ذكرها فلابد من ذكرها بشيء مختصر كأن تقول ( مسألة:- يشترط التطابق بين الايجاب والقبول من جميع الجهات ).

الكلام في النقطة الأولى:- لماذا يشترط التطابق بين الايجاب والقبول من جميع الجهات ؟

يمكن أن يعلل ذلك بما يخطر إلى الذهن:- وهو أنَّ العقد لا يصدق ، فإنَّ العقد يصدق فيما إذا حصل اتحاد من جميع الجهات ، أما إذا وجد اختلاف فنحن لم نتعاقد على هذا الشيء مع فرض الاختلاف ، فعنوان العقد لا يصدق.

بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده)[1] لم يعلل بعدم صدق العقد وإنما علل بعدم صدق القبول حيث قال:- ( ووجه هذ الاشتراط واضح وهو مأخوذ من اعتبار القبول وهو الرضا بالإيجاب ).

بينما يمكن أن يعلل بعدم صدق العقد ، وهل هناك فارق بينهما ؟ ربما يقال: بالتالي إنَّ مقصود الشيخ الأعظم(قده) هو هذا ، يعني يريد أن يقول إنَّ العقد ليس بموجود ، إذ القبول لم يتحقق فالعقد لم يتحقق.

وفي المقابل قد يقال:- هناك فارق بينهما ، فإنه إذا عللنا بعدم صدق العقد فيمكن أن يقال إنَّ هذا يتم بناءً على أنَّ المدرك هو ﴿ اوفوا بالعقود ﴾ ، فإذا كان الدليل الشرعي هو هذا فيقال إنه مع الاختلاف بين الايجاب والقبول في الشرائط أو غير ذلك لا يصدق العقد ، ولكن يمكن أن نستند إلى ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ فالبيع يصدق ، فإذن إذا كان المدرك هو عدم صدق العقد فهذا يختص بما إذا كان دليل الشرعية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، أما إذا كان دليل الشرعية غير ذلك فلا يتم ، هذا بناءً على كون المدرك هو عدم صدق العقد ، أما إذا قلنا إنَّ المدرك هو عدم تحقق الرضا والقبول والمفروض أنَّ القبول لا إشكال في شرطيته فيتم ذلك من دون تعليقٍ على مبنىً دون آخر.

إذن الفارق بين المدركين سوف يصير هكذا:- وهو أنه إذا كان المدرك هو عدم صدق العقد فهو يتم بناءً على أنَّ مدرك الصحة هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ دون غيره ، وأما إذا كان المستند هو عدم تحقق القبول فهذا يتم من دون تفصيلٍ بين مبنىً وآخر.

ويمكن مناقشة كلا المطلبين فيقال:- إذا كان المدرك هو عدم صدق العقد فحينئذٍ هذا يتم من دون فرقٍ بين المدارك والمستندات ، فيقال إنه إذا كان المدرك هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فلا يصدق العقد هنا ، وإذا كان المدرك هو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ فهنا لا توجد تجارة عن تراضٍ ، لأنه لا أقل ( عن تراض ) ليس بموجود ، لأنَّ ذاك راضٍ على أن يكون هناك شرط أما من دون الشرط فالرضا من الطرفين ليس بموجود ، فـ ﴿ تجارة عن تراض ﴾ لا يصدق ، وإذا كان المدرك ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ فعرفاً يصدق البيع أيضاً إذا فرض أنَّ كلا الطرفين قد اتفقا ، أما إذا لم يتفقا على شيءٍ واحد فلا يصدق تحقق البيع ، ولذلك ترى أنَّ أحدها يقول إنه لم يصدر البيع على هذا والثاني يقول كلا بل صدر البيع وهذا معناه أنَّ البيع إنما يصدق فيما إذا فرض أنه كان هناك اتفاق من جميع الجهات ، فإنه عرفاً الأمر هكذا ، فإذن لا نفرّق بين مدركٍ وآخر.

وأما ما ذكر ثانياً من عدم تحقق القبول فهو يتم من دون تفصيل ، فنحن نعلّق ونقول:- إنه إذا لم يكن هناك قبول فلماذا لا تصح المعاملة ؟ فهل القبول بنفسه متبر بما هو هو أو لأجل أنه لا يصدق العقد وتجارة عن تراض وبيع ؟ ، فرجعنا بالتالي إلى تلك المدارك لا أنَّ عدم صدق القبول هو بنفسه وبما هو هو مانعٌ حتى يقال إنَّ هذا يتم بلا حاجة إلى النظر إلى المدارك ، كلا بل فقدان القبول وحده لا يصلح مستنداً لبطلان المعاملة وإنما يرجع إلى أنه لا يوجد عقد ولا تجارة عن تراض ولا بيع ، فعدنا إلى المدارك السابقة ، فإذن لا فرق بين تعليل الشيخ الأعظم(قده) وبين ما يخطر إلى الذهن من أنَّ عنوان العقد لا يصدق.

والخلاصة من كلّ هذا:- إنه يعتبر التوافق بين الايجاب والقبول من جميع الجهات ، لأنه من دون ذلك لا يصدق العقد أو لا يكون القبول متحققاً ، ولا فارق بين هذين المدركين ، بل الثاني يرجع إلى الأوّل.

 


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص175.