39/07/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقوع البيع بالمعاطاة - مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.- المكاسب المحرمة.

ويرده:-

أولاً:- سلّمنا أنَّ المقصود من الكلام هو ايجاب البيع ، ولكن أنت قلت إنما عبّر عن ايجاب البيع بالكلام ليس إلا من ناحية أن الايجاب لا يقع إلا بالكلام ومعنى ذلك أنَّ المعاطاة باطلة ، ونحن نقولك- كلا بل لعله عبّر بالكلام ولم يعبّر بإيجاب البيع الشامل للّفظ وللفعل - أي المعاطاة - من باب أنَّ المبيع[1] ليس موجوداً بَعدُ في يد الشخص الذي طلب منه أن يشتريه بل هو موجود عند صاحبه الأول ، فالمعاطاة إذن لا يمكن تحققها مع هذا الشخص الذي طلب منه الشراء لأنَّ الثوب ليس عنده بل هو موجود عند صاحبه الأصلي .

فإذن لعل الامام عليه السلام عبّر عن ايجاب البيع بالكلام من باب أنَّ المورد لا يمكن فيه تحقق ايجاب البيع بالمعاطاة لخصوصيةٍ في المورد ، فإذن لا يمكن أن نقول إنَّ الرواية عبّرت عن ايجاب البيع بالكلام وهذا يدل على أنَّ إيجاب البيع لا يمكن أن يقع إلا باللفظ دون المعاطاة.

ثانياً:- من قال إنَّ المقصود من الكلام هو ايجاب البيع فإنَّ هذا لا نسلم به ؟! بل لعل المقصود من الكلام هو المقاولة فاحذف كلمة ( الكلام ) وضع بدلها كلمة ( المقاولة ) فيقصد الامام عليه السلام من الكلام المقاولة لا إيجاب البيع ، فيريد أن يقول ( إنما تحلّل المقاولة - يعني إذا لم تشتمل المقاولة على إيجابك - وتحرّم المقاولة - يعني إذا كانت مستعملة على ايجاب البيع - ) ، فعبّر الامام عليه السلام بالكلام ويقصد من ذلك المقاولة وعملية الاتفاق بين الطرفين فيقول المقاولة محلّلة إذا لم يقع فيها إيجاب ومحرّمة إذا وقع فيها إيجاب.

ومن حقك أن تسأل وتقول:- ما هو المبرّر لأن يعبّر الامام عليه السلام عن المقاولة بالكلام فما هو المجوّز وما هي المناسبة في ذلك ؟

نقول:- المناسبة هي أنَّ المقاولة عادةً تقع بالألفاظ ، فعبّر بالكلام من باب أنَّ المقاولة بين الطرفين عادةً تتحقق بالكلام.

إذن هذا التقريب لا يمكن الاعتماد عليه لهذين التعليقين.

ولو سلّمنا دلالة الرواية وتنازلنا عن هذين الردين مع ذلك هذه الفقرة بتقريبها الثاني لا تصلح أن تكون ردّاً على سيرة العقلاء ، والوجه في ذلك ما أشرنا إليه أكثر من مرة ، من أنَّ السيرة حيث إنها أمر مستحكم فتحتاج إلى ردع بقوتها ، أما أن يذكر الامام عليه السلام كلاماً من قبيل ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) وهو حمّال وجوه وذكر رواية واحدة وأيضاً هي حمّالة وجوه فهذا لا يصلح كردع عن السيرة ، فإنَّ السيرة على المعاطاة حيث أنها مستحكمة فلا ينفع في ردّها رواية واحدة وتلك الرواية أيضاً هي حمالة وجوه واحتمالات متعددة.

هذا كلّه بالنسبة إلى الردع عن السيرة بحديث ( إنما يحلل الكلام ويحرّم الكلام ).

وأما الروايات الخاصة:- فقد الشيخ الأعظم(قده) ذكر ثلاث روايات ، ولكن أحسن رواية تذكر في هذا المجال هي ما رواه يحيى بن الحجاج[2] قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال لي اشتر هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا ، قال: لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها )[3] .

وتقريب الدلالة:- قال الشيخ الأعظم(قده) إنَّ محل الشاهد هو عبارة ( ولا تواجبه البيع ) فإنَّ المقصود من ذلك اللفظي ولا يصدق على المعاطاة فإن المعاطاة لا يشملها عنوان ( لا تواجبه البيع ) ، وحصر الايجاب بالإيجاب اللفظي يدل على أنَّ المعاطاة باطلة ، فإذن هذه الرواية يستفاد منها ابتداءً بطلان المعاطاة ، قال ما نصّه:- ( فإنَّ الظاهر أن المراد من مواجبة البيع ليس مجرّد اعطاء العين للمشتري )[4] ، فالمواجبة لا تصدق على المعاطاة فإنه بمجرّد الفعل لا تصدق المواجبة وإنما تصدق باللفظ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ مواجبة البيع لا تصح بالعفل وإنما تنحصر بالألفاظ.

ويرده:-

أوّلاً:- نقول ليس من البعيد إنَّ المقصود من المواجبة هو أنه لا ينبغي أن تتحقق المعاملة والبيع قبل أن تشتري ، فالمقصود من المواجبة الكناية عن البيع ، فأنت لا تبع قبل أن تشتري ، وحينئذٍ يشمل الاثنين معاً ، ولا معنى لتخصيصه بخصوص البيع اللفظي بل يشمل المعاطاة أيضاً ، فالشيخ الأعظم(قده) تمسك بالمعنى المطابقي للمواجبة ، أما إذا قلنا بأنَّ المقصود من المواجبة هو تحقيق البيع - يعني لا تبع قبل أن تشتري - فحينئذٍ يشمل الاثنين.

ثانياً:- إنَّ أقصى ما تدل عليه الرواية هو جواز المعاملة باللفظ ولا تدل على الحصر وأنه لا يصح بالمعاطاة وإنما يصح في البيع اللفظي فقط ، وكلا وإنما من باب كونه الطريق المتداول بينهم عبّر بذلك ، فغاية ما تدل عليه هو أنَّ البيع لا ينحصر بالمواجبة اللفظية فإنَّ الرواية ليس فيها دلالة على الحصر.

وقد تقول:- لماذا لا نطبّق هنا الجواب السيّال الذي ذكرناه أكثر من مرة ، من أنه حيث إنَّ السيرة أمر مستحكم فالردع عنها لابد أن يكون بقدرها ؟

والجواب:- إنَّ هذا شيء وجيه إذا أردنا أن نستعين بهذه الرواية للردع عن السيرة ، أما إذا جعلناها دليلاً مستقلاً معارضاً لكل ما يدل على صحة المعاطاة لا خصوص السيرة فحينئذٍ يكون دليلاً مستقلاً وليس دليلاً رادعاً عن السيرة بعنوانها حتى يكون الردع بقوّة المردوع عنه.


[1] والذي في مورد الرواية هو الثوب.
[2] وقد رواها الشيخ الطوسي ولعل سندها لا بأس به.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص52، أبواب احكام العقود، ب8، ح3، ط آل البيت.
[4] كتاب المكاسب، الأنصاري، الأنصاري، ج2، ص65.