1439/10/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

التداعي:- والسؤال المطروح: هو أنه متى يكون المورد من التداعي الذي حكمه التحالف ، فهل المدار على مصبّ الدعوى أو علي شيء آخر ؟

بادئ ذي بدء يخطر إلى الذهن أنّ اللازم النظر إلى مصبّ الدعوى ، فلو فرض أنَّ شخصين اختلفا في أنَّ هذا الذي دفع هو هبة أو صلح إنَّ مصبّ الدعوى هو عنوان الهبة والصلح فربما يقال هذا يصير من باب التداعي لأنَّ هذا يدّعي الهبة وبالتالي ينكر الصلح وذاك يدعي الصلح وبالتالي ينكر الهبة ، فكلٌّ منهما يدعي شيئاً وينكر ما يذكره الآخر فيصير الورد من باب التداعي ، فالمدار إذا كان على ملاحظة مصبّ الدعوى كيف يدّعي هذا وكيف يدّعي ذاك فإذا كان هذا يدّعي عنواناً وذاك يدّعي عنواناً مغايراً يصير المورد من باب التداعي ، وقد صار إلى ذلك غير واحد من الأعلام كصاحب الجواهر(قده) والسيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى.

وهناك احتمال آخر ، وهو أنَّ ننظر إلى الغرض وليس إلى مصب الدعوى ، يعني بعبارة أخرى أنَّ الذي يدّعي الهبة غرضه أنه يريد أن يقول هذا الذي حصل هو عقد جائز فلي حق الرجوع بينما الذي يدعي الصلح غرضه أنَّ ما صدر لازم فليس هناك حق الرجوع ، وإذا نظرنا إلى الغرض لا يصير المورد من باب التداعي بل يصير من باب المدّعي والمنكر ، لأنَّ من يدّعي اللزوم هو قوله موافق للحجة والآخر الذي يدعي الهبة يعني الذي يدعي الجواز قوله مخالف للحجة وقصدنا من الحجة هنا هو استصحاب بقاء الملك بعد الفسخ والذي قوله مخالف للحجة كما قلنا يصير مدّعياً والمخالف يصير مدّعاً عليه فلا يصير المورد من باب التداعي إذا نظرنا إلى عالم الغرض بخلاف مما إذا نظرنا إلى نفس مصبّ الدعوى ، فعلى هذا الأساس بعض الأعلام ادّعى أنَّ المدار على مصب الدعوى من دون أن يلاحظ الغرض ومنهم صاحب الجوهر ونصّ عبارته:- ( قد يقال عن المتجه التحالف إذا فرض كون مصبّ الدعوى منهما في تشخيص العقد الذي هو سبب الشغل )[1] ، فقد يقال إنه ذكره بعنوان ( يمكن أن نقول ) ، يعني نتبناه نعم هو لم يجزم به بضرسٍ قاطع ولكنه ذكره بعنوان ( يمكن أن نقول ) ، وأما السيد اليزدي فقال:- ( مسألة2:- لا يخفى أنه قد يختلف صدق المدعي والمنكر بحسب مصبّ الدعوى مثلاً إذا اختلفا في أنه باعه كذا أو وهبه إياه فإن لم يكن نظرهما إلا إلى تعيين أن الواقع هو البيع أو الهبة يكون كل منهما مدعياً ومنكرا )[2] ، فعبارته واضحة في أنه ينظر إلى مصبّ الدعوى لا أنه ينظر إلى الغرض بينما على الاحتمال الثاني المدار على الغرض ، فعلى هذا الأساس في مسألة الاختلاف في الصلح والهبة إذا كان المدار على الغرض يكون المورد من باب المدعي والمنكر لأنه ذكرا الصلح والهبة من باب الطريقية إلى اللزوم والجواز ، أما إذا قلنا عن المدار على مصب الدعوى فيصير المورد من باب التداعي.

والمناسب أن يكون المدار على الغرض ، وإلا فالنظر إلى مصبّ الدعوى بقطع النظر عن الغرض نزاع غير عقلائي ومضحك للثكلى ، وغير نافع ، بل القاضي من المناسب أن يرفض مثل هذه الدعوى لأنها دعوى لا تسمن ولا تغني من جوع ، نظير ما لو اختلف شخصان في أن مساحة العراق كم هي وأحدهما يقول كذا والآخر يقول كذا ، أو مساحة قارة استراليا كم هي ، فهل هذا النزاع لا يقبله القاضي لأنه نزاع غير مثمر ، وهنا أيضاً إذا نظرنا إلى مصبّ الدعوى من دون أن ننظر إلى الغرض يكون النزاع غير مثمر وغير نافع ، فحتى لو فرض الآن أنه هبة أو صلح فبالتالي ماذا ينفع ؟ إنه لابد أن تجيب بسرعة وتقول إذا كان هبة فيجوز لي الرجوع ، وهذا معناه أنك نظرت إلى الغرض ، فعلى هذا الأساس لابد من النظر إلى الغرض وإذا لم ننظر إلى الغرض يصير النزاع غير مجدٍ وبالتالي يكون المناسب رفض مثل هذه الدعوى.

فإذن الميزان هو النظر إلى الغرض.

بل حتى لو تنزّلنا وسلّمنا أنَّ المدار على مصبّ الدعوى وليس على ملاحظة الغرض لكن في خصوص مثال الصح والهبة يمكن أن نقول إنه رغم اختلاف المصب لكنه لا يصير من باب التداعي لخصوصية فيه ، وهي أن نقول إنَّ الشرع رتَّب على الهبة جواز الرجوع - إذا لم تكن لذي رحم - فإذا شككنا أنه هبة أو ليس بهبة فنقول الأصل أنه ليس بهبة لأنه لا يوجد مثبت لعنوان الهبة فإذا نفيا الهبة فيترتب عليه أنَّ الحكم الشرعي المترتب على الهبة وهو جواز الرجوع سوف ينتفي ، وأما الصح فهل له أثر شرعي وهو عدم جواز الرجوع ؟ يعني هل الشارع جعل أثراً للصلح وهو عدم جواز الرجوع ؟ كلا ، فإنَّ الصلح لم يرتب عليه الشارع عدم جواز الرجوع وإنما الشرع رتّب جواز الرجوع على موارد وعناوين وأما ما سوى ذلك فيبقى تحت الأصل الأولي وهو عدم جواز الرجوع واللزوم ، إذن الشرع لم يرتب على عنوان الصلح بما هو عنوان صلح عدم جواز الرجوع حتى إذا نفيناه تكون النتيجة هي جواز الرجوع ، كلا فإنَّ عدم جواز الرجوع ليس أثراً للصلح حتى إذا نفينا الصلح يثبت جواز الرجوع ، فإذن محط الأثر هو أحد من هذين العنوانين ، وهذه نكتة فقهية في خصوص المورد.

فإذن جواز الرجوع رتبه الشرع على عنوان الهبة لا أكثر ، أما الصلح فلم يرتب عليه عدم جواز الرجوع ، نعم نحن نعرف أنه بالتالي الذي لم يرتب عليه الشارع جواز الرجوع يبقى تحت الأصل الأولي ولكن لا بعنوان أنه صلح بل بعنوان أنه عقد لم يستثنَ بالدليل ، فالأصل هنا يجري في جانب أحد الطرفين وهو الهبة فننفي الهبة يعني بالتالي ننفي جواز الرجوع من دون أن يجري الأصل في الطرف الثاني ، فعلى هذا الأساس صار المورد من باب المدّعي والمنكر حتى إذا نظرنا إلى عنوان العقد المتنازع فهي ، يعني بالتالي لا فرق بين أن ننظر إلى الغرض أو ننظر إلى مصبّ الدعوى ولكن في هذا المثال ولا نقول في كل مثال وإنما هذا يحتاج إلى ملاحظة بقية الموارد للنكتة التي أشرنا إليها.

وبهذا نفرغ من الحكم الأوّل من الأحكام الثلاثة التي اشتملت عليها هذه المسألة.