1440/01/14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 56 ) – المكاسب المحرّمة.

مسألة ( 56 ):- لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد سواء أعلم حصوله بعد ذلك كما إذا قال بعتك إذا هل الهلال أم جهل حصوله كما لو قال بعتك إذا ولد لي ولد ذكر ، ولا على أمرٍ مجهول الحصول حال العقد كما إذا قال بعتك إذا كان اليوم يوم الجمعة مع جهله بذلك أما مع علمه به فالوجه الجواز.

..........................................................................................................

هذه المسألة ترتبط بقضية التعليق في العقود وأن تعليق العقد جائز أو مبطل له ، وقد ذكر أنه توجد أربع صور في ثلاث منها يحكم بالبطلان وفي واحدة يحكم بالصحة ، والوجه في ذلك إن العليق تارة يكون على أمر استقبالي وأخرى على أمر حالي فعلي وعلى التقدير الأول تارة يكون ذلك الأمر الاستقبالي معلوم الحصول حتماً كما إذا قال بعتك إذا هل الهلال في هذه الليلة أو في هذا اليوم فحتماً سوف يهل الهلال ، وأخرى يكون أمراً استقبالياً ولكن ليس معلوم الحصول كما إذا قال بعتك إذا رزقني الله ولداً ذكراً ، وأما إذا كان التعليق على أمر حالي فعليّ[1] وهذا له حالتان أيضاً ، فتارة يكون هذا الأمر الفعلي أعلم بحصوله كما إذا قلت بعتك إن كان هذا اليوم يوم الجمعة وأنا أعلم أنه يوم الجمعة و، وأخرى يفرض أني أجهل بكونه يوم الجمعة فأقول له بعتك إن كان هذا اليوم هو يوم الجمعة ، فإذن صارت الصور أربع صورتان للتعليق على الأمر الاستقبالي وصورتان للتعليق على الأمر الفعلي ، والصور الثلاث الأول التعليق فيها مبطل للعقد ، وأما الصورة الرابعة فالتعليق فيها ليس بمضر.

والصور الثلاث هي التعليق على أمر استقبالي ومعلوم الحصول والثانية التعليق على أمر استقبالي مجهول الحصول والصورة الثالثة العليق على أمر فعلي وأنا لا أعلم أنه حاصل أو فلا فالمناسب البطلان في هذه الصور الثلاث ، والوجه في ذلك بإيجاز هو أنه في هذه الصور يوجد تعليق للعقد على شرط غير معلوم الحصول والعليق مبطل للعقد ، وهذا بخلافه في الصورة الأخيرة فهنا لا يوجد تعليق فلا يبطل العقد ، هذا توضيح المسألة.

وقبل أن نذكر الدليل على بطلان العقد بالتعليق نذكر أموراً جانبية ثلاثة:-

الأمر الأول:- إنَّ الدليل المهم في المسألة هو الاجماع وإلا فلا يوجد نصّ في البين.

إن قلت:- هذا ظريف ولكن من أين جزمت بأنه لا يوجد نصّ والحال أننا نعرف أنَّ الروايات كثيرة ، وهل قرأت كل الروايات من أوّلها إلى آخرها حتى تجزم بعدم وجود نصّ في المسألة ؟

قلت:- إنَّ الفقهية يحصل له الاطمئنان إن لم نقل بحصول القطع بعدم وجود نصّ في المسألة وذلك لأمرين:-

الأول:- إنَّ روايات باب الشروط أو روايات باب العقود محصورة في كتاب التجارة ولا نحتمل أنها موجودة في كتاب الديات أو القصاص أو الإرث أو غير ذلك ، فلو كانت موجودة لجعلها أصحاب الحديث في كتاب التجارة وكتاب التجارة محصور فالقطع بذلك سهل.

الثاني:- إنَّ فقهاءنا منذ القدم وإلى زماننا هذا غربلوا الروايا غربلة قوية فلا يوجد شيء إلا وبحثوا فيه وفتشوا عنه فلو كانت هناك رواية تتدل على أنَّ التعليق في العقد مبطل ، فمن البعيد أنَّ كل هذه الانظار غفلت عنها فهذا بحساب الاحتمال ضعيف جداً وهم في صدد التفتيش عن مدرك ، ولذلك وقعوا في حيص وبيص ، فالنتيجة قد اتفقوا عليها وهي أنَّ التعليق لا يجوز ولكن احتاروا في المدرك كما سنلاحظ ولكن من هنا وهناك وليس من الروايات فلا توجد رواية ، فإذاً هذا يوجب الاطمئنان للفقيه بأنه لا يوجد مدرك روائي حتماً.

الأمر الثاني:- ذكر غير واحد من الفقهاء أنَّ العمدة في المدرك في مسألتنا هو الاجماع ، كما صرح الشيخ الأعظم والنائيني غيرهما بذلك ، قال الشيخ الأعظم(قده):- ( ثم إنك قد عرفت أنَّ العمدة في المسألة هو الاجماع )[2] ، وقال الشيخ النائيني(قده):- ( لا يخفى أن بطلان العقد بالتعليق ...... ليس إلا من جهة الاجماع أو لعدم صدق عناوين العقود والايقاعات عليه وإلا فلم ينهض دليل آخر من العقل والنقل )[3] .

فإذن الدليل المهم هو الاجماع كما سوف نلاحظ وإذا كان الدليل المهم هو الاجماع فحيث إنَّ هذا الاجماع وأمثاله لو تحقق حقاً فهو محتمل المدرك لأنه توجد مدارك محتملة أخرى سوف نذكرها فصار هذا الاجماع محتمل المدرك وإذا صار محتمل المدرك فيسقط عن الحجية ، لأنَّ الاجماع عندنا إنما يكون حجة فيما إذا كان كاشفاً عن رأي العصوم يداً بيد ، ومع احتمال المدرك هذه الكاشفية الجزمية سوف تزول ، ومعه يسقط الاجماع عن الاعتبار، نعم القدماء عندهم حالة تساهل فيتمسكون بالاجماع ولكن هذه قضية ثانية ، ولكن مثل السيد الخوئي فمثل هكذا اجماع يناقش فيه ، وقد ناقش بالفعل في التنقيح في شرح المكاسب فقال هذا الاجماع محتمل المدرك حيث قال:- ( المانع الأول الاجماع المدّعى في المقام ولكنه لا يمكن الاعتماد عليه لأنه لا يفيد القطع برأي المعصوم عليه السلام خصوصاً بعد التعليلات المذكورة في كلماتهم )[4] .

فإذن هو فنّد وضعضع هذا الاجماع.

ولكن نقول:- صحيح إنَّ السيد الخوئي لا يأخذ بالاجماع ويضعّفه ولا يفتي على طبقه ولكنه يصير إلى الاحتياط ، فإن عادته هي هذه ، وهي نعم العادة.

وقال أيضاً في نهاية بحثه عن هذا الموضوع:- ( فالمتحصل من جميع ذلك أن التنجيز غير معتبر في العقود وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي .... )[5] .

فإذن السيد الخوئي على مسلكه ومبانيه المناسب في مسألتنا لابد أن يصير إلى الاحتياط والحال أنه في منهاج الصالحين أفتى بضرسٍ قاطع ، فإنه على مبانيه حيث أنَّ الاجماع هو المدرك المهم عنده أيضاً وهو لا يعتبر الاجماع لاحتمال مدركيته فمن المناسب المصير إلى الاحتياط والحال أنه في عبارة المنهاج يوجد عنده جزم بعدم صحة العقد في الصور الثلاث الأولى.


[1] والسيد المان في العبارة لم يعبر ( أما إذا كان أمراً استقبالياً ...... وأما إذا كان الأمر فعليا ً) فكان الأنسب أن يعبر هكذا لأن عبارة فيها شيء من الخفاء.