1440/03/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم الضيف

 

كان الكلام في الروايات التي استدل بها على كراهة صوم الضيف بدون إذن مضيفه، وذكرنا الرواية الأولى منها - وهي ما رواه الفضيل بن يسار – و كنا بصدد ذكر القرائن التي قد تدل على الكراهة فيها و وصل الكلام إلى القرينة الثانية.

 

القرينة الثانية: ان تعليل الإمام (عليه السلام) [1] يناسب الكراهة، بإعتبار أن صوم الضيف من دون إذنه إذا كان يستلزم منه تلف الطعام وفساده فيمكن أن يقال أن النهي عن صومه يكون تحريمياً، لأن صومه يستلزم حراماً وهو فساد الطعام و تلفه،

لكن الأمر ليس هكذا ولا توجد ملازمة بين صومه بدون إذنهم و بين إفساد الطعام، كما إذا أخبرهم بصومه، أو كان يعلم بعدم تقديمهم الطعام له، أو غيرهما من صور عدم إستلزام الصوم إفساد الطعام. فلا يمكن حمل النهي على أنه تحريمي بل هو تنزيهي، وحينئذ المقصود من تعليل الإمام (عليه السلام) هو إحتمال فساد الطعام فيما إذا صام من دون إذنهم، ومن الواضح أن دفع هذا الإحتمال ليس واجباً ولا يلزم منه إرتكاب حرام.

 

القرينة الثالثة: قوله (عليه السلام) في ذيلها: (ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا باذن الضيف) يناسب كراهة صوم الضيف من دون إذن المضيف، إذ لا إشكال في عدم حرمة صوم المضيف من دون إذن الضيف، لعدم قائل بها أصلاً، فبقرينة وحدة السياق نستكشف أن الفقرة الأولى أيضاً لا يراد منها الحرمة.

 

وفيها: عدم حجية وحدة السياق عند كثير من العلماء، كالسيد الخوئي (قدس سره) حيث صرح في موارد عديدة بعدم حجيتها فاذا ورد حكمان في سياق واحد ولكن لا يمكن الإلتزام بأحدهما يبقى الحكم الثاني على حاله، كما إذا قيل: (إغتسل للجنابة والجمعة) الظاهرتين في الوجوب، ودل الدليل على عدم وجوب غسل الجمعة، فيبقى غسل الجنابة على ظاهره وهو الوجوب، و وحدة السياق لا تقتضي حمله على الإستحباب فيقال في محل الكلام أن (لا ينبغي) ظاهرة في الحرمة[2] في كلتا الفقرتين، ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الظهور في الفقرة الثانية لعدم القول بها، فتبقى هي ظاهرة في الحرمة في الفقرة الأولى، ولا موجب لرفع اليد عنها لوحدة السياق.

و من العجيب أن السيد الخوئي تمسك بالسياق في المقام[3]

 

فتبين مما سبق تمامية القرينة الثانية فقط دون الأولى والثالثة، ولأجلها الرواية تكون ظاهرة في الكراهة.

الرواية الثانية : الشيخ الصدوق باسناده عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم ،(عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا باذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا باذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا عاصيا ، وكان الولد عاقا)[4]

ذكر السيد الخوئي (قد) ان الرواية نقلها الصدوق في الفقيه باسناده عن نشيط بن صالح وليس له طريق إليه في المشيخة، ولذا لا يمكن الاعتماد عليها في الفقيه، لكنه ذكرها في العلل بطريق معتبر كما نقل صاحب الوسائل حيث قال ( ورواه في (العلل ) عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن هلال ، عن مروك بن عبيد ، عن نشيط بن صالح مثله ، إلا أنه قال : ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلى تطوعا إلا باذن أبويه وأمرهما .)[5]

وذكر السيد الخوئي (قد) ان هذا الطريق معتبر وليس فيه كلام الا من جهة احمد بن هلال، ثم قال انه وان كان منحرفاً عقائدياً لكن ذلك لا ينافي الوثاقة، والدليل على وثاقته قول النجاشي بانه صالح الرواية.

والظاهر ان الكلام في سندها ليس منحصراً باحمد بن هلال اذ السند المذكور في العلل هو (أبي رحمه الله قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد عن أحمد ابن هلال ، عن متروك بن عبيد ، عن نشيط بن صالح ، عن الحكم بياع الكرابيس) [6]

وفي السند (الحكم بياع الكرابيس)[7] وهو مجهول، ولعله (قده) اكتفى بما في الوسائل الذي يوحي بان ما في العلل هو نفس ما في الفقيه.

الطريق الثالث: للرواية هو ما ذكره الكليني (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ نَشِيطِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ)[8]

ومن هنا تكون الرواية معتبرة بهذا السند لأن الصحيح في احمد بن هلال التفصيل بين روايته قبل الانحراف فتقبل وبين روايته بعد الانحراف فلا تقبل ، والسر في ذلك ثبوت وثاقته قبل الانحراف، وثبوت عدمها بعده، والشاهد على ثبوتها قبل الانحراف مضافاً إلى قول النجاشي المتقدم _انه من اعلام الطائفة_ ما قال عنه الشيخ في الفهرست و هو قوله و قد روى اكثر اصول اصحابنا و ما ذكره الكشي في حقه ( وكان رواة اصحابنا في العراق لقوه وكتبوا عنه وانكروا ما ورد في مذمته) وهذا الانكار يكشف عن انهم يرونه شخصاً جليلاً، و قد ذكر العلامة في الخلاصة (وتوقف ابن الغضائري في حديثه الا في ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و محمد بن ابي عمير من نوادره وقد سمع هذين الكتابين جل اصحاب الحديث واعتمدوه فيهما.)

فيبدو ان وثاقته واعتماد الاصحاب عليه لا اشكال فيه قبل الانحراف.

اما عدم الوثاقة بعد الانحراف فلأن السبب في انحرافه هو الحسد وحب المال والجاه، ومن كان كذلك وباع دينه بدنياه لا يمكن الاعتماد عليه.

ويمكن معرفة الرواية عنه بعد الانحراف أو قبله بلحاظ الراوي عنه فإن كان من اجلاء الاصحاب فهذا يعني روايته عن قبل الانحراف لأستبعاد الرواية عنه من قبل الاجلاء بعد ما صدر في حقه من الذموم الكثيرة حتى عُبر عنه في بعض المكاتبات انه الشيخ المتصنع، وفي اخرى انه اتبع هواه وانه يداخل في امرهم بلا إذن منهم، واسلوب الائمة عليه السلام في حالة من هذا القبيل الاكثار من الذم واللعن ليترسخ في اذهان الشيعة للابتعاد عنه ولذا نستبعد جداً بعد صدور هذه الذموم ان يقترب منه الشيعة فضلاً عن الرواية عنه من قبل الرواة المعروفين، والراوي عنه في هذه الرواية هو محمد بن احمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة الذي وصفه الشيخ بانه جليل القدر كثير الرواية، والمعروف ان كتابه كان في زمانه كالكافي في زماننا في كونه مرجعاً لطلاب الحديث، ومن المستبعد ان يروي مثل هذا الشخص عن احمد بن هلال بعد انحرافه.

ومن هنا تكون الرواية تامة سنداً بطريق الكليني.


[1] و هو قوله (عليه السلام): (... لئلا يعملوا له الشيء فيفسد، ...).
[2] أما إذا قلنا أنها غير ظاهرة في الحرمة -كما هو مقتضى القرينة الأولى التي تقدمت في البحث السابق- فلا نحتاج إلى وحدة السياق، لإفادتها الكراهة حينئذ في كلتا الفقرتين. فالقرينة الثالثة مبنية على ظهور (لا ينبغي) في الحرمة.
[3] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص٣٢٢.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص530، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب10، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص530، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب10، ح3، ط آل البيت.
[6] علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص385.
[7] ذكر احد الاخوة بعد الدرس لسماحة الشيخ ان الملقب ببياع الكرابيس هو هشام بن الحكم كما ورد في ترجمته واخبره سماحة الشيخ بانه سيراجع ذلك.
[8] الكافي، الكليني، ج4، ص151.