1440/06/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الرواية الثانية:- رواية محمد بن قيس الواردة في الوليدة ، وهي:- محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن السندي بن محمد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قضى [ أمير المؤمنين ][1] في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ثم قدم سيدها الأول فخصم سيدها الأخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال: خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال: خذ ابنه - يعني الذي باع الوليدة[2] - حتى ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع[3] الا بن قال أبوه: أرسل ابني ، فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه )[4] ، وقد رواها المحمدون الثلاثة في كتبهم.

والكلام تارةً يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-

أما دلالتها:- فهي تدل على صحة بيع الفضولي بالاجازة ، وهذا هو المطلوب اثباته ، وهي تدل على ذلك في موردين ، الأول ( خذ ابنه حتى ينفذ لك ما باعك ) أي ما باعك الابن ، فأنت خذ ابن السيد الأوّل الذي باعك الوليدة وسوف ينفذ والده لك ما باع الابن ، وهذه الدلالة واضحة وصريحة في صحة بيع الوليدة ، لأنَّ الامام عليه السلام قال ( حتى ينفذ ) يعني حتى يجيز بيع ابنه

الثاني:- ذيل الرواة ، حيث قالت ( فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه ).

بل الرواية تدل أيضاً على أنَّ الاجازة كاشفة:- فهي تدل على الصحة بالاجازة ، وكذلك تدل على أنَّ الاجازة كاشفة ، ومن أين نفهم ومن أي تعبير من الرواية نفهم على أنَّ الاجازة كاشفة ؟ إنه من الحكم على أن المشتري بعد أن أجاز أخذ الجارية وابنها هذا إنما يتم بناءً على الكشف ، وأما بناءً على النقل فحينئذٍ صحيح أنه يأخذ الجارية ويأخذ أبنها ولكن حينما يأخذ الابن عليه أن يدفع قيمة البضع لأنه انتفع به فترة حيث حملت هذه الجارية بهذا الابن والمحل ملك الغير بناءً على النقل حيث إنه ملك السيد الأوّل وقد تصرّف فيه المشتري تسعة أشهر فكان من المناسب بناءً على النقل أن يقول الامام عليه السلام ( خذ الجارية وبنها ولكن عليك أن تضمن أيها المشتري قيمة البضع ) والحال أنَّ الرواية لم تحمّل المشتري قيمة البضع وإنما قالت مادام قد أنفذ المالك البيع لك فخذ الجارية وابنها ، وهذا يدل على أنَّ الاجازة كاشفة ، فحينما اجاز المولى الأوّل انكشف أنَّ هذا الوطئ قد وقع من البداية في ملك المشتري الثاني فالنماء يكون له من دون حاجة إلى ضمان قيمة ما استفاده ، لأنَّ هذا ملكه وهو قد استفاد من ملكه.

وربما تسجل بعض الاشكال أو الموهنات على الرواية بعضها ركيك نمرّ على بعضه مرور الكرام وبعضها الآخر لا بأس بها قليلاً:-أما الاشكالات الضعيفة فهي:-

الاشكال الأول:- إنه حينما تحاكم الطرفان إلى الامام عليه السلام قال السيد الأول إنَّ هذا أخذ جاريتي واشتراها من ولدي ، حيث قالت الرواية ( قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال هذ وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال خذ وليدتك وابنها ) ، يعني أنَّ أمير المؤمنين رأساً ومن دون مقدمات ومن دون تحقيق ولا بيّنة قال له خذ الجارية والابن ، والحال أنه من قال إنَّ هذا الشخص صادق في دعواه ، فإنَّ هذه مجرّد دعوى ولابد أن يطلب منه البيّنة ويتأكد من صحة دعواه ولكنه قال له رأساً خذ وليدتك وبنها ، وهذا يسجّل كإشكال على الرواية.

والجواب:- إنَّ الرواية ليست في صدد نقل جميع ملابسات القضية ، فلعل الأمر كان واضحاً ولا يوجد خلاف بين الطرفين في هذه القضية وحينما كان واضحاً حكم أمير المؤمنين عليه السلام بذلك.

فإذاً مادامت الملابسات غير واضحة فلا يمكن أن نحكم بشيء ضدّ الرواية ونجعله موهناً لها.

الاشكال الثاني:- إنَّ الامام عليه السلام قال:- ( خذ وليدتك وابنها ) والحال إنه حتى لو فرض أنَّ الحق كان مع السيد الأوّل لكن من المناسب أن يقال له ( هل تجيز البيع أو تردّه فإن أجزته فالوليدة والابن يصيران للسيد الثاني وإن رددت فلك أخذها ) ، فكان المناسب أن يفصّل هكذا ، لا أنه يقال بضرس قاطع ( خذ الوليدة وابنها ).

والجواب:- لعل الامام عليه السلام فهم من الأجواء أنَّ السيد الأوّل رافض البيع من البداية ويريد وليدته ، فالإمام عليه فهم أن السيد الأول أنه يرفض الاجازة أشد الرفض فلذلك لم يفصّل له.

الاشكال الثالث:- إنَّ الامام عليه السلام علّم المشتري الثاني الوسيلة والطريقة للتغلب على المولى الأوّل وذلك بأن يأخذ ابنه الذي باعه الجارية حتى تصير وسيلة ضغط على المولى الأول كي يجيز بيع ابنه وتنتهي القضية في صالح المشتري ، والامام عليه السلام ليس وظيفته بيان وسائل الضغط والطرق التي يمكن بواسطتها الضغط على المولى الأوّل.

والجواب:- صحيح أنه ليس بواجب عليه ، ولكن لو بيّنه له فهذا لا مشكلة فيه ، فالبيان ليس محرّماً ، نعم هو ليس بواجب ولكنه جائز.

ولعله توجد موهنات أخرى ولكن نكتفي بهذا المقدار.

 

وأما الاشكال التي لا بأس بها:- فهي ثلاثة:-

الاشكال الأول:- وهذا الاشكال على مسلك الشيخ الأعظم(قده) فإنه يرى أنَّ الاجازة بعد الردّ لا تجدي شيئاً لأنَّ العقد قد انفصم وانقطع ، والاشكال وهو أنَّ مورد الاجازة في الرواية هو بعد الرد ، يعني المولى الأول ردّ أوّلاً ثم بعد ذلك أجاز والاجازة بعد الردّ لا تجدي شيئاً.

وقد يقال:- من اين استكشفت أنَّ الاجازة في المقام قد حصلت بعد الردّ والردّ تحقق أوّلاً ؟

قلت:- نذكر لذلك أربع مؤشرات لتحقق الردّ قبل الاجازة:-

الأول:- نفس الخصومة ، فإنَّ المولى الأوّل جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وخاصم المولى الثاني ونفس الخصومة تدل على أنه رافض للعقد الذي صدر من ابنه ، وإلا لو كان راضياً به ولم يردّه فلماذا هذه الخصومة ؟!

الثاني:- إنَّ المولى الأولى اخذ الوليدة وابنها ، يعني أنَّ الامام عليه السلام حينما حكم له أخذ الوليدة وابنها وهذا دال على ردّ العقد الصادر من الابن وإلا إذا لم يردّه لكان لا يأخذ الوليدة وابنها بل يدفعهما إلى المولى الثاني فأخذ الوليدة وابنها يدل بوضوح على ردّ العقد الذي صدر من الابن ، فالاجازة التي حصلت بعد وسيلة الضغط هي قد حصلت بعد الردّ بعدما أخذ الوليدة وابنها ، وهذا ردّ للعقد ، والاجازة قد صدت بعد العقد.

الثالث:- إنَّ الامام عليه السلام حكم للمولى الأوّل وقال ( خذ وليدتك وابنها ) بشكلٍ مطلق ، ولم يقل له ( إن لم تُجِز ) ، وحكم الامام عليه السلام بشكلٍ مطلق يدل على أنَّه فهم الردّ من المولى الأوّل ، وإلا لو كانت الأجواء تساعد على عدم الردّ لما كان يقول له بنحوٍ مطلق ( خذ وليدتك وابنها ).

الاشكال الرابع:- مناشدة المولى الثاني للإمام عليه السلام حيث قال له:- ( فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال خذ وليدتك وابنها فناشده المشتري ) ، يعني أنَّ المشتري ناشد الامام عليه السلام ونفس المناشدة يدل على أنَّ المولى الأول قد ردّ البيع وأما إذا لم يرد وكان يريد أن يجيز لم تكن هناك حاجة إلى المناشدة.

هذه مؤشرات اربعة على أنه قد تحقق الرد قبل الاجازة فالاجازة التي صدرت هي بعد الردّ ، وحيث إنها لا تنفع فهذا موهنٌ للرواية.

 


[1] هذه ما هو موجود في الكافي أما على نقل الشيخ الطوسي فلم توجد عبارة ( أمير المؤمنين ).
[2] الأنسب ان تكون هذه العبارة من الراوي.
[3] أي المشتري.
[4] وسال الشيعة، العاملي، ج21، ص203، ابواب نكاح العبيد والاماء، ب88، ح1، ط آل البيت.