1440/11/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

ويرده:-

أولاً:- من أين لك أنَّ مفاد ( بعت ) هو ( نقلت من الآن ) ؟! وإنما مفادها العرفي هو ( نقلت ) فقط أما ( الآن ) فليس جزءاً من مدول ( بعتُ ) ، نعم ظرف صدور البيع هو الآن لا أنَّ ذلك قيد في مدلول ( بعت ) ، ولا ينبغي أن يؤخذ الظرف قيداً في المدلول فإذا قلت لك ذهبت إلى دار فلان فظرف كلامي هو الآن ولكن الآن ليس جزءاً من مدلول ذهبت ، فمدلول ذهبت ليس هو ( ذهبت إلى دار فلان الآن ) بل الآن هو ظرف ، وبعت أيضاً كذلك ليس جزء مدلولها الآن وإنما الآن هو ظرف وبهذا يبطل الوجه الثالث فإن عموده الفقري هو أن مفاد بعت هو ( نقلت الآن ) أما إذا قلنا بأن الآن ليست جزءاً من المدلول فلا يتم هذا الوجه.

ومما يكشف عن ذلك أنه في غير بيع الفضولي لو قال البائع بعت وقال المشتري قبلت فالنقل يحصل من حين الفراغ من عبارة قبلت ، والحال أن القبول تعلق بمفاد بعتُ على ما يقول سيد الرياض والميرزا القمي ، فلو كان مفاد بعت هو بعت من الآن يلزم أن يتحقق النقل والانتقال لا من حين فالراغ من حين القبول بل يلزم أن يتحقق من حين تحقق بعت ، فلو كان بينهما فاصل كخمسة دقائق مثلاً وجوزنا هذا الشيء وقلنا إنَّ الموالاة ليست بشرط فيلزم أن نقول بحصول النقل من حين ( بعتُ ) وليس من حين الفراغ من ( قبلتُ ).

وأيضاً يرد النقض عليهما بالفسخ ، فلو فرض أنه بعد أن تم العقد كان الخيار وقال المشتري فسخت فالفسخ حينئذٍ يتعلق بمفاد ( بعت ) فلو كان مفاد ( بعت ) نقلت من الآن يلزم أن يتحقق الفسخ من حين صدور الايجاب ، فنزيل النقل من حين صدور الايجاب لا من حين صدور الفسخ وهل تلتزم بذلك ؟!!

ثانياً:- إنَّ لازم هذا الوجه أن نفصّل ، فإذا فرض أنَّ المالك قال في الاجازة ( أجزت البيع ) نقول إنه في مثل هذه الحالة على ما ذكره صاحب الرياض يحصل النقل من حين الايجاب ، لأن الاجازة تتعلق بمفاد الايجاب ومفاد الايجاب هو نقلت من الآن ، فيلزم أن يلتزم بالتفصيل بين هذا وبين ما إذا لم يقل أجزت وإنما قال المالك ( رضيت بكون مالي بدلاً عن مال فلان المشاري ) فهو يأت بكلمة العقد كما لم يأتِ بكلمة أجزت حتى نقول إنَّ كلمة أجزت ناظرة إلى مفاد الايجاب ومفاد الايجاب هو النقل الآن وإنما قال ( رضيت بكون مالي بدلاً عن مال فلان ) فحينئذٍ هنا رضيت لم تنظر إلى مفاد الايجاب حتى نقول ، وحيث إنَّ مفاد الايجاب هو النقل من الآن فيلزم أن تحدث الملكية من حين صدور العقد ، فيلزم ان تفصّل هكذا ؟!! من البعيد أن يفصّل فقيه هذا التفصيل.

ولعله بالتأمل توجد ردود أخرى.

وحاول الشيخ الأعظم(قده) أن يرد برد ثالث ورابع:-

الرد الثالث:- إن خطاب ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ إنما يتوجه إلى المتعاقدين وليس إلى غيرهما ، والمالك إنما يصير طرفاً للعقد ويصير عاقداً من حين الاجازة ، حيث في الآن المذكور يتوجه إليه آنذاك خطاب ( أوفوا ) ، فإذا كان خطاب ( أوفوا ) يشمله من حين الاجازة فيلزم أن تحصل الملكية والنقل والانتقال من حين الاجازة لا من حين العقد.

وفيه:- صحيح أن خطاب ( أوفوا ) يتوجه من حين انتساب العقد إلى المالك والانتساب إنما يكون عند الاجازة ، ولكن ما هو متعلّق خطاب ( أوفوا ) ، فصحيح أنه العقد فإنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني بالعقد ولكن المقصود من متى ؟ يحتمل أن متعلّق الأمر بالوفاء من الآن وليس من حين صدور العقد ، فالملكية تصير من الآن ، ويحتمل أيضاً أن متعلّق ( أوفوا ) هو العقد ولكن ليس العقد من الآن وإنما العقد من حين صدوره ، وكلا الاحتمالين وجيه ، والشيخ الأعظم(قده) لم يعالج هذه المشكلة ، وإذا لم تعالجها فسوف لا ننتفع شيئاً ، وهو لم يلتفت إلى معالجتها.

ولو قيل:- إنَّ هذا المناقشة باطلة في نظر الشيخ الأعظم(قده).

فنقول:- عليه أن يذكرها بلسان ( إن قلت ، قلت ).

الرد الرابع:- إنَّ لازم هذه الفكرة التي أفادها صاحب الرياض الكشف الحقيقي ، يعني بتعبير آخر إنه قبل الاجازة لم تكن ملكية من حين العقد إذ لا اجازة فلا توجد ملكية وحينما يجيز حدثت الملكية من حين العقد ، فهي لم تكن من حين العقد إلى حين صدور الاجازة ولو لفترة ساعة مثلاً ، ففي هذا الساعة قبل الاجازة لم تكن الملكية موجودة وبالاجازة على رأي صاحب الرياض تحدث الملكية بعدما لم تكن ، وهذا تغير للواقع عما هو عليه وهو غير ممكن ، نعم يوجد كلام آخر لا بأس به وقد رأيناه في بعض تحقيقات شريف العلماء(قده) هو أنه بالاجازة لا تحدث ملكية وإنما تحدث آثار الملكية من حين العقد واصطلح عليه بالكشف الحكمي ، يعني أنَّ هذا في حكم الكشف وليس كشفاً حقيقةً ، لأنه ليست الملكية هي التي تنكشف وإلا فهذا يصير تبدل الواقع وإنما تحدث آثار الملكية من حين العقد أما نفس الملكية فهي تحث من حين الاجازة ، ويظهر من الشيخ الأعظم(قده) قبول هذا ، ولذلك يقول إنه في المرحلة الأولى الذي نقبله هو النقل ، وإذا تنزلنا عنه فالكشف الحكمي أما الكشف الحقيقي فلا لأنه يلزم تغير الواقع[1] .

ويرده:-

أولاً:- إذا لزم تغير الواقع لو قلنا بعدم ثبوت الملكية أولاً ثم تحث الملكية فالإشكال نفسه يأتي بالنسبة إلى الآثار فإنه قبل الاجازة آثار الملكية ليست ثابتة من حين العقد ، فإنه لا توجد اجازة فكيف تثبت بعد ذلك ؟! ، فتغير الواقع إذا لم يمكن فهو كما لا يمكن بلحاظ الملكية لا يمكن أيضاً بلحاظ الآثار.

ثانياً:- إنَّ الملكية ليس وجوداً حقيقاً وإنما هي أمر اعتبار ويمكن أن يكون الاعتبار ليس بموجود أوّلاً والآن نعتبر تحقق الملكية مما سبق ولا مانع من ذلك ، فالقضايا الفلسفية لا يمكن تطبيقها هنا ، فإنَّ الفلسفة ناظرة إلى الوجودات العينية الحقيقية وليست ناظرة إلى القضايا الاعتبارية.

فما أفاده غريب.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص407.