17-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وفيه:- إنا نسلّم بالكبرى التي أفادها(قده) - وهي أنه متى ما كان اللسان لسان تناقضٍ فالتعارض يصير مستقراً ولا يمكن لجمع بالحمل على الكراهة - وهي وجدانيّة ولا تحتاج إلى برهانٍ، بيد أنه يمكن أن نناقش في الصغرى بما يلي:-
أوّلاً:- إن فقرة ( لا بأس ) وفقرة ( فيه بأسٌ ) يمكن أن يناقش في كونهما من قبيل المتناقضين اللذين لا يقبلان الجمع بالحمل على الكراهة، فنحن نسلّم بذلك في مثل ( يجوز ) و ( لا يجوز ) فلو فرض أن أحدى الروايتين قالت يجوز تقديم الطواف والثانية قالت لا يجوز فهنا نسلّم أن هذا تناقضاً لا يمكن فيه الجمع العرفي فإن فقرة يجوز صريحة في الجواز وفقرة لا يجوز صريحة في عدم الجواز فكلاهما صريحان في الحكمين المتناقضين فكيف يقبلان الجمع ؟! إن هذا مصداقٌ لتلك الكبرى التي ذكرها، أما مثل ( لا بأس ) و ( فيه بأس ) فليس الأمر كذلك فإن ( لا بأس ) صريح  في الجواز وفقرة ( فيه بأسٌ ) ظاهرٌ وليس صريحاً في الحرمة إذ يوجد احتمال إرادة الكراهة من كلمة ( بأس ) ولكن نقول هو ظاهر في الحرمة . إذن المورد من قبيل الصريح في الجواز والظاهر في عدم الجواز ومثل ذلك ليس من قبيل المتناقضين عرفاً الذي لا يقبل الجمع العرفي.
وثانياً:- إنه لو سلّمنا أن فقرتي ( لا بأس ) و ( فيه بأس ) هما من قبيل المتناقضين - أي من قبيل يجوز ولا يجوز - ولكن يمكن أن يقال إنه لو وردت هاتان الفقرتان مجرّدتين عن الضمائم فيتمّ ما ذكر - بأن هكذا ورد ( لا بأس بتقديم الطواف ) ثم قيل ( في تقديم الطواف بأس ) من دون ضمائم -، أما لو فرض وجود ضمائم كما في موردنا فإن الطائفة الأولى صحيحٌ أنه ورد في بعض رواياتها فقرة ( لا بأس ) من قبيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج لأنه رود في آخرها ( لا بأس ) ولكن بقيّة الروايات وردت فيها إضافة ( سيّان قدّمت أو أخّرت )، إن ضمّ هذا التعبير الثاني إلى التعبير الأوّل سوف يولّد قوّةً في الظهور - يعني في الجواز - فلابد وأن نتعامل مع ملاحظة هذه الضميمة التي تولَّدَ بسببها قوّة في الظهور في الجواز، ومعه يصير المورد من الأقوى ظهوراً مع الظاهر فيؤول الظاهر لحساب الأقوى ظهوراً.
وبالجملة:- في مثل هذه الموارد لابد من ملاحظة الألسنة الأخرى والإضافات الموجودة في بقيّة الروايات فإنها قد تقوّي الظهور فلابد من ملاحظة هذا الظهور الأقوى وأخذه بعين الاعتبار - وواضح أن هذا الكلام يأتي بعد التنزّل عما أجبنا به أوّلاً فإذا بنينا على أنه صريحٌ في الجواز فهذا الكلام لا يأتي ولكن لو أردنا أن نتنزّل ونقول هو ليس بصريحٍ في الجواز وأنهما من قبيل المتناقضين فحينئذٍ نقول إنه بعد ضمّ هذه الضمائم يخرج عن كونه من المتناقضين اللذين لا يقبلان الجمع العرفي -.
وثالثاً:- لو تنزّلنا وقلنا إن ضمّ الضمائم لا يجدي بل هما من المتناقضين فنقول:- نحن نسلّم بالتناقض لو كانت المساحة في كلا اللسانين واحدة وكلاهما يدلّان بالمنطوق كما لو قيل ( لابأس بتقديم الطواف ) ثم قيل ( في تقديم الطواف بأس )، إن المساحة واحدة، يعني أنهما معاً ناظران إلى تقديم الطواف في هذا المقدار من المساحة وذاك بالمنطوق يقول لا بأس وهذا بالمنطوق يقول فيه بأس فهنا يحصل التناقض، أما لو فرض أن المساحة لم تكن واحدة وكانت دلالة أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم فتطبيق قانون التناقض عليهما أمرٌ مشكلٌ، والمقام كذلك فإن الطائفة الأولى ورد فيها أن الطواف قبل الذهاب إلى منى لا بأس به بينما الطائفة الثانية قالت إنه لا بأس للشيخ الكبير وغيره من ذوي العذر فهي إذن ناظرة إلى أصحاب الأعذار، فالمساحة إذن اختلفت فذاك ناظرٌ إلى أنه لا بأس بتقديم الطواف على منى من دون أن تكون المساحة ضيّقة أما هذا فمساحته ضيّقة وهي أنه لا بأس لصاحب العذر بالتقديم والمفروض أن دلالة هذا الثاني بالمفهوم لأن نفي البأس عن صاحب العذر يدلّ على وجود البأس في حق غير المعذور، ففي مثل هذه الحالة من قال إنه يحصل تناقض بينهما بينما كانت دلالة أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم والمفروض أن المساحة ليست واحدة ؟! إنه يمكن التأمّل من هذه الناحية.
والخلاصة من كل هذا:- إنه اتضح أن الجمع بالحمل على الكراهة شيءٌ وجيهٌ ولو لأجل ما ذكرناه أوّلاً - أعني أن نفي البأس صريحٌ بالجواز وإثبات البأس ظاهرٌ في الحرمة فيصير المورد من الصريح والظاهر ولا تعارض مستقر بينهما حينئذٍ -.
ولكن لو تنزّلنا وقلنا أنه يوجد بينهما تناقض فننتقل إلى الاحتمال الثالث وهو أن يقول بأن التعارض بينهما مستقرٌّ ولكن نرجّح الطائفة الثانية المانعة باعتبار موافقتها للسنّة وأعني القطعيّة - ولعلّه في بعض كلماته لم يقيّد بالقطعيّة -.
وعلى أي حال ذكر السيد الخوئي(قد) هذا الاحتمال وتبنّاه وقال إن التعارض مستقرّ ولكن أقدّم الطائفة الثانية لموافقتها للسنّة القطعيّة.
أما أن التعارض مستقرّ بينهما فلأن هذا هو المفروض - يعني لا يمكن الجمع بالتقييد ولا بالحمل على الكراهة -، وأما أن الثانية موافقة للسنّة القطعية فذلك باعتبار وجود رواياتٍ كثيرةٍ تدلّ على أن رتبة طواف الحج متأخرة على عرفات وذكر(قده) أربعة مجموعات من الأخبار في مجال إثبات أنه توجد سنّة قطعيّة على أن رتبة الطواف متأخرة:-
المجموعة الأولى:- الأخبار البيانية التي حكت حجّ النبي صلى الله عليه وآله فإنها ذكرت أنه أتى بطواف الحجّ بعد أعمال منى وليس قبل الموقف بعرفات.
المجموعة الثانية:- ما ورد في حق النساء، كصحيحة سعيد الأعرج التي أمر الإمام فيها سعيد بالإفاضة بالنساء من المشعر الحرام بعد أن يقفْنَ قليلاً ثم قال:- ( إن لم يكن عليهنَّ ذبحٌ فليأخذن من شعورهنَّ ويقصّرن من أظفارهنَّ ثم يمضينَ إلى مكّة في وجوههنَّ ويطفنَ بالبيت ويسعينَ بين الصفا والمروة )، إن في هذه الرواية وما شاكلها أمر عليه السلام بأن يؤتى بالطواف بعد أعمال منى فنستفيد من ذلك أن رتبة الطواف متأخرة.
المجموعة الثالثة:- ما ورد في المسألة المتقدمة من أن زيارة  البيت - وزيارة البيت كناية عن الطواف والسعي - وأن الأفضل أن تكون في اليوم العاشر وإلا ففي اليوم الحادي عشر وإلا ففي أيام التشريق، وهذا معناه أن رتبة طواف الحجّ متأخرة وليست متقدّمة.
المجموعة الرابعة:- ما دلّ على عدم جواز تقديم طواف فالحجّ على أعمال منى - يعني قبل الذبح أو التقصير أو الرمي - .
إنه من هذه الروايات استفاد(قده) مطلباً مشتركاً يشكّل عنوان السنّة القطعيّة، وعلى هذا الأساس نرجّح الطائفة الثانية التي دلّت على أنه لا يجوز التقديم إلا لذوي الأعذار، والنتيجة من كلّ هذا هي أنه لا يجوز التقديم إلا لصاحب العذر، وعلى هذا الأساس أفتى(قده).
وفيه:- إن أصل الكبرى التي أفادها - يعني أنه عند التعارض المستقر نرجّح بالسنّة القطعيّة - شيء وجيه وقد أشرنا إلى ذلك أكثر من مرّة، إلا أن الكلام في الصغرى فهل توجد سنّة قطعيّة تدلّ على عدم جواز تقديم طواف الحج على الموقف بعرفات ؟ إنه يشكل ذلك، وذلك:-
أما المجموعة الأولى:- فإن غاية ما تدلّ عليه هو الرجحان أما الرجحان الزومي فهو أوّل الكلام، فصحيح أن المسلمون معه صلى الله عليه وآله أخّروا الطواف أما أن هذا إلزاميٌّ أو أنه أفضلّ ؟ إنه لا يمكن أن نستفيد منها اللزوم.
هذا مضافاً إلى أن يقال:- إن الروايات البيانية قد دلّت على أن حجّ النبي صلى الله عليه وآله كان قِراناً ولم يكن تمتّعاً ولذلك هو قد أمر المسلمين بأن يتحلّلوا ويجعلوا الطواف والسعي عمرة تمتعٍ وقال أنا لو كنت مثلكم لفعلت مثل ما فعلتم ولكنّي قد سقت الهدي، فحجّه كان حجّ قران وحجّ القران خارج عن محلّ الكلام فهو يجوز فيه تقديم الطواف بلا كلام.
وأما المجوعة الثانية فإنه يمكن أن يقال:- إن هذا خارجٌ عن محلّ الكلام فإن المفروض أنهنَّ لم يأتينَ بالطواف مسبقاً ومن لم يأتِ بالطواف مسبقاً فوظيفته الترتيب بأن يأتي بطواف فالحجّ بعد أعمال منى ونحن كلامنا فيمن يريد أن يقدّمه من البداية والمفروض في هذه الطائفة تقول إن النساء لم يقدّمن فإذا لم يقدّمنَ فيكون الترتيب في حقّهنَّ - يعني الاتيان بطواف الحجّ بعد أعمال منى - شيئاً وجيهاً ولا كلام فيه.
وأما المجموعة الثالثة والرابعة:- فنفس الشيء يأتي فيهما فإن المفروض فيهنَّ عدم تقديم طواف الحجّ على الوقوف بعرفات فالاستشهاد بمثل هذه الروايات شيءٌ لا ينفع وبالتالي يكون إثبات وجود سنّة قطعيّة حتى تكون مرجّحاً أمرٌ مشكل.