01-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 415 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
العنوان الثاني:- ما يتحلّل به من النساء.
ذكرنا أنه لا إشكال في أنه إذا أحرم المكلّف حرمت عليه النساء ولكن لا بجميع الأنحاء حتى النظر بل يحرم عليه من النساء خمسة أشياء قد ذكرناها وهذه قضية مسلّمة، كما لا إشكال في أنه الوطء تتوقف حليته على طواف النساء فإذا أتى الحاج بطواف النساء حلّ له الوطء، إنما الكلام في الأربعة الباقية من المحرمات فهل تحلّ هذه بالحلق والتقصير أو تبقى مسترّة إلى أن يؤتى بطواف النساء ؟ هذا هو المطلب الذي نريد أن نبحثه، والسيد الماتن(قده) في ذيل المسألة التي بأيدينا تعرّض إلى هذه القضيّة، وقد وبيّنا قضيّتين فنيّتين ولا نكرر.
ثم قلنا إن هذا المطلب لم نره في كلمات القدماء بشكلٍ عام وإنما تعرّض إليه العلامة وتبعه الفاضل الأصفهاني صاحب كاشف اللثام، ونص عبارته:- ( - وإنما يحرم يتركه[1]الوطء[2] - وما في حكمه من التقبيل والنظر واللمس بشهوة -  دون العقد - وإن كان حرم بالإحرام لإطلاق الأخبار والفتاوى بإحلاله ممّا[3] قبله من كلّ ما أحرم منه إلا النساء، والمفهوم منه الاستمتاع بهنَّ لا العقد عليهنَّ . ويحتمل قوياً حرمة العقد كما قطع به الشهيد للاستصحاب )[4]، وحاصل ما أفاده(قده) هو:- أن العلامة فصّل بين الوطء فهو تبقى حرمته مستمرّة إلى طواف النساء وهكذا بقيّة الاستمتاعات غير العقد وأما العقد على النساء فحرمته تزول قبل طواف النساء، وما هو الوجه في ارتفاع حرمة العقد قبل طواف النساء ؟ ذكر الفاضل الأصفهاني الدليل على ذلك حيث قال:- إنه لو رجعنا إلى صحيحة معاوية - الأولى أو الثانية - وجدنا الإمام عليه السلام :- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء )، يعني تبقى حرمة النساء، وما المقصود من النساء ؟ إن المفهوم من ذلك يعني الاستمتاع من وطءٍ وما شاكله دون العقد فإن العقد ليس هو المفهوم من كلمة النساء . إذن هذا هو سبب التفصيل بين العقد وبين غيره من الاستمتاعات فالعقد حرمته تزول قبل طواف النساء وأما الوطء وبقيّة الاستمتاعات فتبقى بمقتضى هذه الصحيحة إلى ما بعد طواف النساء . هكذا ذكر العلمان.
ثم نقل عن الشهيد الأول(قده) أنه قال:- إنه حتى العقد تبقى حرمته إلى أن يتحقّق طواف النساء حيث إنه نشكّ في المفهوم من كلمة النساء هل هو شاملٌ للعقد أو لا فنستصحب بقاء الحرمة.
وأما صاحب الجواهر(قده) فلم يذكر شيئاً أزيد مما نقله العلّامة والفاضل الأصفهاني حيث قال:- ( وذكر في القواعد وشرحها للفاضل الأصفهاني ...... ) [5] ثم نقل كامل العبارة، وتعبيره هذا يدلّ على أن هذا المطلب ليس موجوداً في غير القواعد وشرحها.
والخلاصة من كل هذا:- أنه فصّل بما أشرنا إليه - أي بين العقد وبين بقيّة الاستمتاعات -.
وتبنّى السيد الماتن(قده) هذا التفصيل أيضاً - يعني أنه قال إن العقد جائزٌ قبل طواف النساء أما بقيّة الاستمتاعات فتبقى حرمتها إلى ما بعد طواف النساء - بل ما في ثنايا كلامه بل في المناسك مال إلى أن الوطء فقط تبقى حرمته إلى ما بعد طواف النساء وأما العقد وبقيّة الاستمتاعات فكلّها تجوز قبل طواف النساء لأنه قال في العبارة هكذا:- ( والظاهر جواز القعد له بعد طوافه وسعيه ولكن لا يجوز له شيء من الاستمتاعات المتقدّمة على الأحوط وإن كان الأظهر اختصاص التحريم بالجماع ) . إذن هو فصّل بين الجماع فيتوقف على طواف النساء وبين غيره فيجوز قبله.
والكلام يقع مرّة في العقد وإثبات أنه يجوز قبل طواف النساء، وأخرى في بقيّة الاستمتاعات وأنها تجوز أيضاً.
أما بالنسبة إلى العقد فاستدلّ على ذلك بدليلين:-
الدليل الأول:- نفس الدليل الذي أشار إليه صاحب كشف اللثام، يعني أنه قال إن صحيحة معاوية قالت:- ( فإذا حلق أو قصّر أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى أحلّ من كلّ شيءٍ إلّا النساء ) فالمفهوم من كلمة النساء ما سوى العقد،، ونصّ عبارته هي:- ( عن المتفاهم من النساء هو الاستمتاع بهنَّ ) يعني غير العقد فالوطء وبقيّة الاستمتاعات كلّها داخلة دون العقد فالعقد خارجٌ وهو جائزٌ قبل طواف النساء بمقتضى هذه العبارة.
ثم قال(قده) بعد ذلك:- ولو شككنا وتردّد الأمر بين أن يكون المفهوم من النساء خصوص الاستمتاعات غير العقد أو ما يشمل العقد فالنتيجة أيضاً هي في صالحنا لأنه مع الشك نشك هل يحرم العقد مع التردّد في أن كلمة النساء يقصد منها العقد أو لا ؟ ومع التردّد نشك بالتالي في حرمة العقد قبل طواف النساء والأصل هو البراءة.
فإن قلت:- إن الاستصحاب يقتضي بقاء الحرمة لأنه قبلاً بمجرد الإحرام حَرُم العقد والآن نشك هل حرمة العقد زالت أو لا فنستصحب بقاء حرم العقد.
قلت:- هذا استصحابٌ في شبهةٍ حكميّةٍ - أي في حكمٍ كليّ - ونحن نرفضه، فالأصل المتعيّن جريانه في المقام هو البراءة.
الدليل الثاني:- لو سلّمنا أن كلمة النساء شاملة لجميع تلك الأنحاء بما في ذلك العقد ولكن توجد رواية تدلّ على أن المتوقّف على طواف النساء فقط وفقط هو الوطء دون العقد، فأنا عندي رواية بل روايتان:-
الأولى:- صحيحة الفضلاء[6] عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( المرأة إذا قدمت مكّة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة[7] وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت[8] واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة[9] ثم خرجت إلى منى فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحجّ ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيءٍ يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر[10]حلّ لها فراش زوجها )[11]، إنها دلّت بوضوح على أن الذي يتوقّف على طواف النساء هو فراش الزوج وفراش الزوج يقصد منه الوطء فقط أو بقيّة الاستمتاعات - وليس ببعيد -، أما العقد فليس هو مصداقاً لفراش زوجها . فإذن هذه الصحيحة دالّة بوضوح على أن العقد تزول حرمته قبل طواف النساء.
الثانية:- صحيحة الحلبي المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال:- لا بأس أنا ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقرب النساء والطيب)[12]، إنه عليه السلام قال لا تقرب النساء قبل طواف الحجّ وهذا التعبير يختص أيضاً بما سوى العقد فإن العقد ليس قُرباً من النساء.
إذن هاتان الروايتان تقيّدان الإطلاق - لو كان هناك -إطلاق - في كلمة النساء الواردة في صحيحتي الحلبي . هكذا ذكر(قده) ولأجله فصّل بين العقد وغيره.


[1]  أي بترك طواف النساء يترتب عليه حرمة الوطء.
[2]  هذه عبارة القواعد.
[3]  هكذا ورد في كشف اللثام بيد أن الوارد في عبارة الجواهر التي تنقل ما في كشف اللثام هو ( بما ).
[6]  هذا مصطلح من الفقهاء لأن هذه الرواية قد وراها عن الامام عن مثل زرارة ومحمد بن مسلم وبريد من هؤلاء العظام فنجعل لهم عنواناً جامعاً مثل تعبير الفضلاء فهذا تعبير متداول بين الفقهاء.
[7]  يعني وتمت عمرتها بعد التقصير.
[8]  يعني غسل الاحرام.
[9]  يعني تؤخر طواف العمرة وهذا من أحد الموارد التي يجوز فيها تأخير طواف العمرة.
[10]  أي طواف النساء.