33-11-15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الشك في السعي / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا وقد يقال:- إن صحيحة زرارة وإن اقتضت أن من شك بعد الخول في الجزء الثاني لا يعتد بشكه - فمن شك في أشواط السعي بعدما دخل في التقصير لا يعتني بشكه وهكذا صحيحة محمد بن مسلم تدل على أن ما مضى يبنى على وقوعه كما هو - ولكن لابد من تخصيص هاتين القاعدتين - أي لا يجوز التمسك بهما في المقام - فإن صحيحة سعيد بن يسار تقول ( من لم يحفظ الستة فلابد من الاعادة ) وعلى هذا الأساس فإذا شك المكلف في أنه أتى بخمسة أشواط أو بسبعة - فانه إذا أتى بخمسة فالمفروض أنه يكون على المروة وإذا أتى بسبعة فالمفروض أنه يكون على المروة أيضاً - ففي مثل هذه الحالة من الشك لا يحرز المكلف أنه أتى بستة أشواط فيلزم أن يحكم فيها بالبطلان والاعادة حتى لو دخل في التقصير فان صحيحة سعيد بن يسار تقول إن السعي له خصوصية فيلزم أن يحرز ستة أشواط وإلّا فلابد من السعي من جديد من دون فرق بين أن تكون قد دخلت في التقصير أم لم تدخل فيه ، وعليه فقاعدة التجاوز التي جاءت في صحيحة زرارة يكون موردها غير باب السعي والشك في أشواطه.
 أما الذي شك في عدد أشواط السعي فمقتضى صحيحة ابن يسار حيث أنه لم يحرز الستة فسعيه يكون باطلاً والحال أن الفقهاء يقولون بأن كل شك في عدد الأشواط حتى لو كان بين الخمسة والسبعة لا يعتني بشكه مادام شكه بعد الدخول في الجزء اللاحق ، وهذا اشكال علمي فكيف الجواب عنه ؟
 والجواب:- إن مورد صحيحة ابن يسار هو من تيقّن أنه فاته بعض الأشواط ثم التفت إلى ذلك ففي هذا المورد قال الامام عليه السلام ( إذا لم يحرز الستة فلابد من الإعادة وإذا أحرزها يأتي بالشوط السابع ) أما مورد كلامنا فهو من شك في عدد الأشواط بعد الدخول في التقصير - أي يحتمل أنه قد أتى بالسعي كاملاً - أما إذا تيقن بالنقيصة فلا يفيده الدخول في التقصير ، فمحل كلامنا هو فيمن شك في عدد الأشواط بحيث يحتمل أنه قد أتى بأشواط السعي كاملاً وهذا ليس مشمولاً لصحيحة سعيد بن يسار فإن موردها هو من جزم بالنقيصة لنسيان بعض الأشواط أما من لم يجزم بفوات بعضها لم يكن مشمولاً لها واذا لم يكن مشمولاً لها فنتمسك بالقاعدة - يعني قاعدة ( كلما شككت في شيء ودخلت في غيره .... ) و ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) - إذن لا يوجد مانع من التمسك بهذه القواعد.
 وبعد اتضاح هذا نقول:- هناك صورتان أو ثلاث يمكن إخراجها عن حريم النزاع ونحكم فيها بالصحة جزماً:-
 الصورة الأولى:- ما إذا جزم المكلف بأنه أتى بسبعة أشواط حتماً ولكنه شك في أنه هل أتى بها واجدة لشرائط الصحة أم لا - يعني يحتمل أنه أدار وجهه في أثناء السعي وسعى مثلاً - فمثل هذه الصورة ينبغي إخراجها عن حريم النزاع ونحكم فيها بالصحة جزماً وذلك لقاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) فان السعي قد مضى وتحقق بجميع أشواطه السبعة.
 الصورة الثانية:- ما إذا فرض أن المكلف شك في عدد الأشواط وقد دخل في الجزء اللاحق - أي التقصير - فهذه ينبغي إخراجها عن حريم النزاع أيضاً وذلك لقاعدة التجاوز ( يا زرارة كل ما شككت فيه ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) بناءً عمومها وليس بقاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ).
 وهناك صورة ثالثة قد يقال ينبغي اخراجها من حريم النزاع أيضاً:- وهي ما إذا اعتبرنا الموالاة بين أشواط السعي باعتبار أنه حينما فاتت الموالاة كأن شككت بعد مضي ساعة أو ساعتين فهنا فات المحل إذ لا يمكن إلحاق بعض الأشواط بما سبق لفرض فوات الموالاة فأيضاً قد يقال فات محل السعي وبالتالي يصدق عنوان ( كل ما مضى ).
 وإنما الكلام في غير هذا الصور الثلاث كما لو فرض أن المكلف خرج من المسعى وذهب ليستريح فشك في عدد الأشواط ولمّا يأتي بالتقصير فهل يصدق في مثل هذه الحالة عنوان ( كل ما مضى ) حتى نطبق القاعدة أو لا ؟ وهذا نزاع صغروي منشأه هـو أنـه هــل يصـدق عنـوان ( مضى ) أو لا ؟
 فإذا لم يخرج من المسعى فلا يصدق ( مضى ) كما أن الموالاة لم تفت بعدُ ، أما إذا خرج من المسعى فقد يكون هناك مجال للقول بأن ( مضى ) يصدق فنطبق قاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) وقد ذهب بعض الأعلام إلى الحكم بالصحة وعدم الاعتناء بالشك وقد نقل صاحب الجواهر(قده) ذلك عن بعضٍ ويظهر منه الميل إليه فبعدما ذكر قول المحقق - من لم يحصّل عدد سعيه .. - قال:- ( بمعنى أنه شك فيه وهو في الأثناء ) ثم قال ( إن التقييد بكون الشك في الأثناء قد ذكره جماعة من جهة عدم العبرة بالشك بعد الفراغ ) [1] ، فهو إذن قد نسب إلى جماعة أنهم يرون هذا بعد المضي فحينئذ إذا كان في الأثناء فقاعدة المضي لا يمكن تطبيقها أما بعدما فرغ منه فلا عبرة بالشك حينئذٍ وهو لم يعلّق على ذلك فيظهر منه الميل إليه ، وصرح الشيخ النائيني(قده) بكفاية الخروج من المسعى حيث قال:- ( ولو شك في عدد الأشواط أو البدء في الصفا استأنف إن كان في الأثناء ولا يلتفت لو كان بعد الفراغ والانصراف عن المسعى ) [2] ، وعبارته واضحة في أنه إذا انصرف عن المسعى بأن خرج فدخل إلى المسجد أو خرج إلى الخارج فعلى هذا الأساس قد انصرف من المسعى فلا يعتدّ بشكّة من دون تقييد بما إذا قصّر.
 هذا ويمكن أن يقال:- إن عنوان ( مضى ) يصدق في حالتين:-
 الأولى:- ما إذا مضى الشيء حقيقةً كمن أتى بسبعة أشواط وشكّ في صحة بعضها فانه يصدق عنوان ( مضى ) حقيقة لأنه أتى بسبعة أشواط جزماً فعنوان ( مضى ) صادق من دون ريب.
 الثانية:- أن يفوت المحل ، فانه لأجل فوات المحل يمكن أن يصدق عنوان ( مضى ) فالسعي مضى باعتبار مضي محلّه كما لو فرضنا أنه دخل في الجزء اللاحق أو فاتت الموالاة.
 وأما إذا لم يمضِ الشيء حقيقة ولم يمض محلّه فهنا هل يصدق عنوان ( مضى ) ؟! والجواب:- إن ذلك محل تأمل.
 وقد تقول:- نعم يصدق عنوان ( مضى ) فإن العرف يقول لمن خرج من المسعى ( مضى سعيك ) وعلية فلا موجب للتوقف بعدم الاعتناء بالشك.
 والجواب:- إن هذا المضي مضيّ تخيّلي إذ من المحتمل أنه لم يمضِ بأن أتى بستة أشواط أو بخمسة فانه لو أتى بخمسة أو بستة لا يصدق ( مضى السعي ) إذ هو ناقصٌ فكيف تقول ( مضى ) ، كما لا يصدق ( مضى محلّه ) إذ المفروض أن المحلّ موجود ولم يدخل في الجزء اللاحق بعدُ ، فالمضي المذكور مضيّ اعتقادي تخيّلي تصوري أي يتصور أنه مضى ولو نُبِّه العرف على ذلك لقال إني مشتبه ، فهو إذن نظرٌ عرفي تسامحي لا عبرة به وإنما العبرة به لو فرض أنه حتى لو نبّهناه لبقي مصرّاً وهو يقول ( أنه يصدق عرفاً بنظري ) أما إذا ألفِت نظره وبُيِّن له بأن ( مضى ) إنما يصدق في الحالتين المذكورتين فلا يحكم بالصدق بمجرد أن هناك اعتقاد وتخيّل للمضي إذ أن هذا يمكن التشكيك في كونه مضياً ، وما دمنا نشك في كونه مضيّاً ويكفينا الشك فلا يمكن التمسك آنذاك بقاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) فان التمسك بالحكم فرع إحراز موضوعه والمفروض أن الموضوع هنا لم نحرزه فلا يجوز التمسك بعموم الحكم في هذه الحالة ، فهذه القاعدة لا يمكن التمسك بها وتبقى قاعدة ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) هي المحكّمة بلا منازع.


[1] الجواهر 19 438.
[2] دليل الناسك 295.