33/05/01


تحمیل
 الموضوع :- مسألة ( 317 ) / الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الشك يبن الستة والسبعة:- قد ذكر في هذا المجال صاحب المدارك [1] وهكذا صاحب الجواهر [2] أن المشهور بين الأصحاب بطلان الطواف ، ولكن خالف في ذلك أعلام ثلاثة وهم علي بن بابويه وبن الجنيد وأبو الصلاح فذهبوا الى أنه يبني على الأقل - يعني على الستة - ويأتي بشوط أخر ويكمل بذلك سبعة أشواط ، والى هذا ذهب صاحب المدارك نفسه.
 وهناك عبارة للشيخ المفيد(قده) ربما يظهر منها ذلك أي أنه يبني على الأقل أيضاً - كما قال الأعلام الثلاثة ونصُّ عبارته ( من طاف بالبيت فلم يدر ستاً طاف أم سبعاً فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنه طاف سبعاً ) وبيت القصيد هو عبارة ( فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنه طاف ) فهي تلتئم مع رأي المشهور ورأي الأعلام الثلاثة كما هو واضح ، فان فسرنا الطواف الآخر بالشوط كان ذلك رأي الأعلام الثلاثة ، وان فسرناه بالأسبوع الكامل كان رأي المشهور ، والأمر سهل وليس بمهم.
 وعلى أي حال ان المسألة محل خلاف بين الاعلام.
 والمناسب هو رأي المشهور:- وذلك لروايات متعددة تدل على وجوب الاعادة:-
 منها:- صحيحة الحلبي المتقدمة ( عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل لم يدرِ ستة طاف أو سبعة ، قال:- يستقبل ) وقلنا أن ( يستقبل ) هي بمعنى ( يعيد ).
 ومنها:- صحيحة معاوية بن عمار ( سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ، قال:- يستقبل ) وهذا المقدار نقله الشيخ الطوسي(قده) كما ذكرنا سابقاً ، وتوجد تكملة نقلها الشيخ الكليني(قده) وهي ( قلت:- ففاته ذلك ، قال:- ليس عليه شيء ) ودلالتها واضحة أيضاً على أنه يستقبل ، والجملة الخبرية في مقام الانشاء تفيد الالزام كما قرأنا خلافاً للشيخ النراقي(قده).
 ومنها:- صحيحة محمد بن مسلم فإنها دلت على المضمون المذكور أيضاً [3] ، وذكرنا سابقاً أنه نقلها عن الشيخ الطوسي(قده) بسنده الى موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيابة ، وتقدم هناك أيضاً أن عبد الرحمن بن سيابة لم تثبت وثاقته ، ولكن كما قال صاحب المنتقى ( ان الصواب هو عبد الرحمن بن نجران ) الذي هو من ثقاة أصحابنا وذكرنا قرينة على ذلك كما تقدم ولا نكرر.
 اذن المناسب هو رأي المشهور لهذه الروايات الثلاث فإنها تدل بوضوح على لزوم الاعادة والاستقبال من جديد.
 هذا وفي المقابل قد يستدل بما يلي:-
 الأول:- انه قد ورد في بعض هذه الروايات المتقدمة التـي قالـت ( يستقبل ) تكمـلـة وذيـل وهـو ( قلت :- ففاته ذلك ، قال:- ليس عليه شيء ) فان هذا الذيل يدل على أن الاعادة ليست لازمة اذ لو كان الطواف باطلاً كيف حكم الامام عليه السلام بالصحة وأنه ليس عليه شيء لو فاته - أي لو انتهى من الطواف وذهب الى بلده أو مكان آخر - بل المناسب هو البطلان ؟!! وحيث أن الامام عليه السلام قال ( ليس عليه شيء ) فهذا يدل على أن الحكم بالاستقبال أو الاعادة ليس الزامياً وانما هو استحبابيٌ ، أي يثبت أن الروايات الأخرى التي دلت على لزوم الاعادة محمولة على الاستحباب بقرينة مثل هذه الرواية وما شاكلها.
 وقبل أن نعلّق على هذا الوجه نشير الى هذه القضية وهي:- لو فرض بطلان الطواف ولزوم الاعادة - أي أن الشك بين الستة والسبعة مبطل - فهل يمكن أن يحكم الامام عليه السلام بأن الشخص لو ذهب وفارق المكان وفاته الطواف فيكتفي بما أتى به ؟ فهل هذا وجيه ثبوتاً وواقعاً أو لا ؟
 ذكر صاحب الجواهر(قده) [4] أنه لا يمكن ذلك وادعى الاجماع على أنه لو كان باطلاً لزم التدارك حتى لو فاته ولا يحتمل الاكتفاء بالباطل حيث قال ( ضرورة كون المتَّجه حينئذٍ [5] جريان حكم تارك الطواف عليه لأن الفرض فساد ما وقع منه بالشك في أثنائه ....... بل يمكن دعوى الاجماع ) فهو لم يتقبل ثبوتاً أنه مع فرض الحكم بالبطلان يكتفى بالطواف عند فواته ، فلابد من توجيه هذه الروايات المشتملة على الذيل الذكور بشكل وآخر.
 والمناسب ما ذكره صاحب الحدائق [6] وصاحب المدارك [7] من أنه لا محذور في أن يكتفي الشارع ثبوتاً بالباطل بعد فوات المحل فانه لا مانع من ذلك فان الأمور كلها بيد الله عز وجل . هذه قضية ثبوتية أحببنا الاشارة اليها.
 وبعد أن اتضح هذا المطلب نقول في باب التعليق على هذا الوجه:-
 أولاً:- ما المانع من الالتزام ببطلان الطواف - كما ذهب اليه المشهور - ولكن بفوات الطواف والانتهاء من محلّه يحكم بعدم لزوم اعادته فانه لا محذور في ذلك طبقاً لما ذكرناه خلافاً لصاحب الجواهر ، وعليه فلا يكون هذا الذيل - أعني ( قلت ففاته ، قال:- ليس عليه شيء ) - دالاً على عدم بطلان الطواف ، بل نلتزم بأنه باطل ما دام هو بَعدُ في المحل فتلزمه الاعادة ولكن اذا فارق المحل وفات فالشارع تساهل في حقه وحكم بعدم لزوم الاعادة.
 وثانياً:- ذكرنا فيما سبق أن هذا الذيل يحتمل فيه بوجاهةٍ أنه اشارة الى قضية أخرى وهي أن الشك بين الستة والسبعة قد طرأ بعد ما فاته - أي بعد أن انتهى من الطواف وفرغ ودخل في عمل آخر ثم شك في أنه طاف ستة أو سبعة - فأجاب عليه السلام بأنه ما دام الشك بعد الفوات فلا شيء عليه ، ان هذا احتمال وجيه . اذن لا يمكن لأصحاب الرأي الثاني التمسك بهذه الرواية لأجل هذين التعليقين.
 الوجه الثاني:- صحيحة منصور بن حازم بنقل الشيخ الكليني(قده) فانه جاء فيها ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدرِ ستة طاف أم سبعة ، قال:- فليعد طوافه ، قلت:- ففاته ، قال:- ما أرى عليه شيئاً والاعادة أحب اليَّ وأفضل ) فـان التعبيـر بقولـه ( والاعادة أحب اليَّ وأفضل ) يدل على أن الشك بين الستة والسبعة لا يبطل الطواف والا فكيف قال عليه السلام ( والاعادة أحب اليَّ وافضل ) . اذن هذه الرواية دالة على عدم البطلان وأفضلية الاعادة ، وبالتالي نحمل بقية الروايات على ذلك.
 وفيه ما أشرنا اليه قبل قليل:-
 أولاً:- من المحتمل أن يكون الحكم هو البطلان ولكن اذا فات الطواف تساهل الشارع وحكم بعدم وجوب الاعادة كما أشرنا اليه في التعليق الأول ، فقوله عليه السلام ( الاعادة أحب الي وأفضل ) يعني ( بعد أن فارق المحل ).
 وثانياً:- يرد ما أشرنا اليه في العليق الثاني من وجاهة كون المقصود هو أن الشك قد طرأ بعد مفارقة المحل لا قبل مفارقته.
 نعم قد يشكل ويقال:- هذا وجيه لو نظرنا الى الرواية بالنقل المذكور ، ولكن الشيخ الطوسي(قده) قد نقلها بنقل آخر وهو ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- اني طفت فلم أدرِ ستةً طفت أم سبعةً فطفت طوافاً آخر ، فقال:- هلّا استأنفت ، قلت:- طفت وذهبت ، قال:- ليس عليك شيء ) فانه بناءً على هذا النقل لا يأتي التعليق الثاني باعتبار أنا كنا نقول فيه انه من الوجيه أن يكون الشك شكاً بعد فوات المحل وهذا لا يلتئم مع هذا النقل لأن منصور قال ( اني طفت فلم أدر أستة طفت أم سبعة ... فطفت طوافاً آخر ) أي ( أني أتيت بشوط أخر ) وهذا معناه أن الشك ثابتٌ قبل فوات المحل لا بعده فلا يأتي التعليق الثاني ، هكذا اشكلنا فيما سبق.
 ولكن يرده ما أشرنا اليه فيما سبق أيضاً:- وهو أن هذه الزيادة - أي ( فطفت طوافاً آخر ) - ليست ثابتة في نقل الشيخ الكليني(قده) وما دامت ليست ثابتةً فنضم الى ذلك مقدمة أخرى وهي أنه من البعيد تعدد الروايتين ، أي أن منصور قد سأل الامام الصادق عليه السلام مرتين عن قضية واحدة مرة يشتمل فيها السؤال على هذه الزيادة ومرة لا يشتمل عليها فان الانسان العرفي يسأل عن القضية مرة واحدة عادةً ، نعم قد يسأل هذا الامام ثم يسأل من الامام الثاني عن نفس القضية ولكن هذا شيء ضعيف أيضاً ، وعليه فاحتمال تعدد الرواية شيء بعيد ، فالصادر واحد وحيث أنا لا نعلم بأنه يشتمل على هذه الزيادة أو لا فلا يعود هذا قرينة صالحة أمام ما ذكرناه في التعليق الثاني ، وهو شيء ظريف ينبغي الالتفات اليه.
 الوجه الثالث:- صحيحة رفاعة حيث رود فيها أنه يبني على يقينه ونصُّها هكذا ( عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة ، قال:- يبني على يقينه ) وذكرنا هناك أن صاحب المدارك فسَّر اليقين بالأقل - أي يبني على الستة - وبذلك يثبت ما أراد.
 نعم هناك تفسير آخر أشرنا اليه وهو أن المقصود أنه يبني على الاعادة ليحصل له اليقين ببراءة الذمة ، وهذا احتمال ذكره السيد الخوئي(قده) كما أشار اليه صاحب الجواهر [8] .
 ولكن هذا الاحتمال خـلاف الظـاهـر فـانـه يلـزم أن نفسِّـر كلمـة ( يبني ) بمعنى ( يُحصِّـل ) أي ( يحصِّل اليقين ) وهذا شيء بعيد ، وحينئذ يتعين الاحتمال الأول الذي أفاده صاحب المدارك ، فكيف الجواب ؟


[1] المدارك 8 179.
[2] الجواهر 19 381.
[3] الوسائل 13 361 33 من ابواب الطواف ح1.
[4] الجواهر 19 383 .
[5] أي حين ما كان باطلا وفارق الطواف.
[6] الحدائق 16 234 .
[7] المدارك 8 181.
[8] الجواهر 19 382.