33/05/10


تحمیل
 الموضوع :- مسألة ( 323 ) / الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة(323 ):- اذا نسي الطواف حتى رجع الى بلده وواقع أهله لزمه بعث هديٍ الى منى ان كان المنسي طواف الحج والى مكة ان كان المنسي طواف العمرة . ويكفي في الهدي أن يكون شاةً.
 هذه المسألة تتمةٌ للمسألة السابقة ، ففي السابقة ذكر(قده) أن من نسي الطواف فعليه أن يتداركه متى ما تذكره واذا رجع الى أهله استناب ، وهذه المسألة تتمة لذاك فيراد أن يقال:- هل يترتب عليه شيء - يعني كفارة - أو أنه يكفيه تدارك الطواف بلا ترتب شيء ؟
 وكان من المناسب فنيّاً عقد مسألةٍ واحدةٍ غايته تُجزأ الى مقاطع وجميع هذه المقاطع ترتبط بهذا المضمون الواحد حتى تتكامل عندنا فكرة موحّدة عن هذه المسألة لا أن نحصل على مضامينها بشكلٍ مبعثرٍ ، وهذه قضية مهمة جداً.
 وعلى أي حال هذه المسألة تنحل الى نقاط ثلاث:-
 النقطة الأولى:- ان من نسي الطواف فعليه - كما ذكرنا - تداركه ، ولكن لو فرض أنه واقع أهله قبل أن يتدارك الطواف فان فرض أنه كان ملتفتا الى أنه بَعدُ لم يأت بالطواف فلا اشكال في ترتّب الكفارة عليه ويكون ذلك على طبق القاعدة لأنه واقع قبل طواف النساء ، وانما الكلام فيما لو كان قد استمر في غفلته ونسيانه فحصل منه ما حصل ؟
 اذن محل الكلام هو هذا وقد اختلفت كلمات الأعلام في ذلك ، فصاحب الشرائع ذكر أنه لا كفارة عليه حيث قال ما نصّه ( الرابعة:- من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى أهله وواقع قيل عليه بدنة والرجوع الى مكة للطواف ، وقيل لا كفارة عليه وهو الأصح ، ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر ) ، وقال في المدارك ( وجوب البدنة اختيار الشيخ في النهاية والمبسوط .... قال ابن ادريس والمصنف وأكثر الأصحاب انما تجب الكفارة بالمواقعة عند الذكر لأن من واقع قبل الذكر حكمه حكم من واقع ناسياً لإحرامه ... ) [1] .
 وعلى أي حال المسألة خلافية ، ووجه ما ذهب اليه المحقق يعني نفي الكفارة اذا كانت قد حصلت المواقعة قبل الالتفات هو التمسك بما دلّ على أن الجاهل والناسي اذا ارتكب شيئاً من محرّمات الاحرام فلا شيء عليه فإنها قاعدة عامة وخرج منها - كما تقدم - بعض الموارد ، ويدل على هذه القاعدة العامة من قبيل صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام ( في المحرم يأتي أهله ناسياً قال لا شيء عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناسٍ ) [2] ، ومورد هذه الرواية هو خصوص من واقع ناسياً ، وهناك بعض الروايات الأخرى التي تعطي قاعدة عامة وأن الجاهل أو الناسي لا شيء عليه
 وعلى أي حال هذا المضمون الخاص أو العام يصير قرينةً ودليلاً على أن من جامع قبل أن يلتفت الى كونه قد ترك الطواف فلا كفارة عليه.
 ويبقى من حقنا أن نتساءل ونقول:- صحيح أنه يوجد عندنا مثل هذا المضمون العام أو الخاص النافي للكفارة في حق الناسي ولكن تقدم عندنا صحيحة علي بن جعفر حيث دلّت على أن من نسي الطواف يتداركه متى ما ذكره واذا واقع فعليه الهدي وهي لم تقيّد بحالة ما اذا كانت المواقعة بعد الالتفات ؟
 ودفاعاً عن أصحاب هذا القول لابد وأن نقول:- ان صحيحة علي بن جعفر ليست صريحة بأن المواقعة قد حصلت حالة الغفلة ومع استمرار الغفلة ، وما دامت ليست صريحة في ذلك فلا يعود لدينا مانعٌ من الأخذ بما دلّ على أن الناسي لو واقع فلا كفارة عليه . هكذا قد يوجّه هذا القول الذي ذهب اليه المحقق وغيره.
 وهو شيء وجيه لو فرض أن صحيحة علي بن جعفر لا دلالة فيها على ما ذكر - أي على أن المواقعة قد حصلت حالة الغفلة - ولكن يمكن أن ندعي أنها تدل على ذلك غايته انها ليست صريحة في ذلك ، ولكن لا تلزم الصراحة بل يكفي الظهور فان الحجيّة ليست ثابتةً لخصوص الدلالة الصريحة بل الدلالة الظاهرة حجّة أيضاً ، واذا تم هذا الظهور فيصير مخصّصاً لذلك العموم وأن من واقع ناسياً قبل الطواف لا كفارة عليه ، فنستثني من ذلك هذا المورد - أي من نسي الطواف حتى رجع الى أهله وواقع - فيصير من قبيل العام والخاص وان كان الخاص لا صراحة فيه اذ يكفي الظهور فلنقرأ الرواية اذ هي قالت:- ( عن علي بن جعفر سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال:- يبعث بهدي ، ان تركه في حج ....... ) أي حتى قدم وهو ناسٍ وواقع النساء وهو ناسٍ.
 اذن هي واضحة الدلالة في أن المواقعة قد حصلت حالة الغفلة والنسيان فتصير مخصّصة لما دلَّ على أنه قبل الطواف لا كفارة على الناسي ، فهذا بمثابة العموم ونقول ( الّا من وصل الى أهله والتفت الى أنه لم يأت بالطواف ) .
 فالمناسب اذاً هو ثبوت الكفارة رغم أنه ناسٍ ، وهذا من الموارد الخمسة أو الستة المستثناة التي ذكرت سابقاً فمن المناسب أن يكون هذا المورد مذكوراً معها.
 النقطة الثانية:- الى أين ترسل الكفارة ؟ فهل يكفي أن يذبحها في بلده ؟
 والجواب:- ان صحيحة علي بن جعفر قالت يبعث الهدي في الحج ان كان المنسي طواف الحج وفي العمرة ان كان المنسي طواف العمرة ، حيث قال عليه السلام ( ان كان تركه في حج بعث به في حج ، وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ) ولم تبيّن المكان ، فالرواية لم تصرّح ولم تذكر المكان.
 ولكن يمكن أن نقول:- هي لم تذكر ذلك من باب وضوح المطلب والّا فلو كان الطواف المنسي هو طواف العمرة فما معنى أن يبعث به في العمرة ؟ انه لا معنى لذلك الّا أن يبعثه الى مكّة فان العمرة ليس فيها لا مكّة فلابد وأن يكون الارسال الى مكّة ، وأما اذا كان في الحج فيرسله في الحج يعني يرسله الى منى والّا اذا كان مكّة أيضاً فلا داعي الى هذا التفصيل.
 اذن لا يبعد أن يكون الأمر كما فهم الفقهاء فان هذا فهم فقهائي لا أنه شيء قد أشارت اليه الرواية ، وهو فهم جيد ومناسب . هذا من حيث المكان.
 أما من حيث الزمان فهل يلزم ارساله في وقت العمرة أو يكفي الإرسال في أي وقت كان ؟
 والجواب:- حيث أن العمرة لا وقت لها - أعني العمرة المفردة - فلازم ذلك أن لا تكون هناك خصوصية للزمان فيكفي الارسال في أي وقتٍ كان وان كان الاحتياط لمن هو الارسال الى مكّة في وقت الحج ان كان المنسي طواف الحج وفي أشهر الحج ان كان المنسي طواف العمرة فان الإرسال في ذلك احتياط في محلّه وان قلنا أنه لا حاجة اليه.
 وهذا المطلب ينبغي أن نسلط الاضواء عليه أيضاً:- وهو أن الكفارة يكفي ذبحها في البلد الّا في بعض الموارد وأحد هذه الموارد المستثناة هو هذا المورد.
 يبقى شيء لم يشر اليه السيد الماتن ولا الفقهاء ولعله لم يذكر لوضوحه:- وهو أن صحيحة علي بن جعفر قالت ( يبعث بالهدي ) فهل يكفي بعث الهدي من دون ذبحٍ أو لا ؟
 والجواب:- اذا أردنا أن نتعامل مع الألفاظ فلازمه أنه يكفي بعث الهدي الى منى أو الى مكّة من دون حاجةٍ الى ذبحه لأن الرواية لم تأمر بالذبح ، ولكن نفهم من الخارج أن ارسال الهدي وحده لا يحتمل أن يكون هو المقصود بل لابد وأن يكون هو الارسال مع الذبح كما هو واضح . اذن المخصص المذكور مخصّص خارجي وهو وضوح المطلب.
 النقطة الثالثة:- ماذا يلزم أن يكون في الهدي ؟ فهل يلزم أن يكون بدنة أو يكفي أن يكون أيّ حيوان ولو كان طيراً أو دجاجةً ؟
 والجواب:- ان كلمة ( الهدي ) لا تطلق عادةً على الطيور وما شاكلها ولا أقل من الشك وهو يكفي لعدم الاجزاء لأن المطلوب هو الهدي ونشك في صدق الهدي على ذلك والقدر المتيقن هو الشاة فما زاد من البقرة والبدنة وما شاكل ذلك ، ولكن حيث أنه عبّر بـ( الهدي ) فنتمسك بالإطلاق فتكفي الشاة وان كانت صغيرةً فإنها يصدق عليها عنوان ( الهدي ).
 ولكن ذكر بعض الفقهاء أنه يلزم أن يكون الهدي بدنة كما قرأنا ذلك في اختيار الشيخ الطوسي في النهاية والمبسوط فان المدارك نقل عنه أنه تجب بدنة ، ولعل مدرك ذلك ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر حيث عبّر هكذا ( فبدنة في عمرة ).
 ولكن حيث أن الرواية ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن فيؤخذ بإطلاق كلمة ( الهدي ) . نعم اذا كانت الرواية صحيحة فيصير المورد من المطلق والمقيد ، فصحيحة علي بن جعفر ذكرت الهدي بقولٍ مطلق فيصير هذا النقل بمثابة المقيّد ، ولكن هذا يتم لو فرض تعدد الرواية فتصير احداهما مقيدة للأخرى ، أما اذا فرض الجزم بوحدة الروايتين غايته اختلفت كيفية النقل - اذ كلتاهما عن علي بن جعفر فواحدة عبرت بالهدي والأخرى عبرت بالبدنة - فلا يصير المورد من المطلق والمقيد - اذ لا توجد روايتان - بل يصير المورد من الشك في الصادر - أي لا نعلم أن الصادر من الامام هل هو لفظة هدي أو لفظة بدنة - وحيث لا معين لأحد النقلين على الآخر - هذا اذا فرضنا وحدة الروايتين مع صحة السند - فنرجع الى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة من الكلفة الزائدة ، يعني نعلم بأنه يجب شيء أما هل يتعين أن يكون بدنة أو يكفي مطلق الهدي ؟ فالجامع معلوم الوجوب ويشك في الخصوصية فتنفى بالبراءة ، والنتيجة أنه تكفي الشاة بلا حاجة الى الأخذ بالأصل العملي لما أشرنا اليه من أن صحيحة علي بن جعفر عبرّت بـالهدي والرواية المعبّرة بالبدنة ضعيفة من حيث السند.


[1] المدارك 8 182.
[2] الوسائل 13 109 2 من كفارات الاستمتاع ح7.