33/05/17


تحمیل
 الموضوع :- مسألة ( 326 ) / الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثاني:- انه ورد في صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( المريض المغلوب والمغمى عليه يُرمى عنه ويطاف به ) [1] فانه يستفاد من هذه الصحيحة وما كان بمضمونها أن الحكم المذكور - وأنه يطاف به - هو حكم خاص بحالة الضرورة - أي بكون الشخص مريضاً مغلوباً عليه أو يكون مثل المغمى عليه - فانه في هاتين الحالتين وما شاكلهما يثبت الحكم المذكور وأنه يطاف به ، ويفهم من ذلك أنه اذا لم يكن الشخص كذلك فلا يجوز له أن يطاف به.
 اذن حالة الطواف به حالة خاصة بالعاجز ، ومن الواضح ان راكب العربة اذا لم يكن أمر الوقوف والحركة راجعاً اليه فيصدق أنه طيف به فتدل الرواية أنه لا يكفي مادام ليس مريضاً أو مغمىً عليه . اذن عدم جواز ركوب العربة للشخص المختار هو مما تقتضيه القاعدة ، مضافاً الى الرواية المذكورة.
 ان قلت:- ان هذا تمسك بمفهوم الوصف أو اللقب أو ما شاكل ذلك وقد قرأنا في علم الأصول أن الوصف لا مفهوم له.
 قلت:- صحيح أن هذا قرأناه في علم الأصول ولكن في علم الفقه علينا أن نلاحظ ظهور الكلام ولا ينبغي أن يقيدنا ما قرأناه في علم الأصول ، فاذا استظهرنا من الرواية ثبوت المفهوم قلنا بثبوته حتى لو كان ذلك من قبيل مفهوم الوصف أو غيره وهذا شيء غير مهم ، فالمهم أن نستظهر عرفاً ثبوت المفهوم ، وهنا حيث نستظهر ذلك فيكفينا حينئذ ذلك بلا توقف ، وهذه قضية مهمة ينبغي ملاحظتها ، فالفقيه في علم الفقه ينبغي أن يكون متحرراً من القيود ولكن بمعنى أنه اذا كان ظاهر الرواية شيئاً معيّناً فيأخذ بذلك الظهور وان كانت الصناعة الأصولية قد لا تساعد على ذلك فانه ليس شيئاً مهماً.
 وقد تقول:- عندي أدلة على أن ركوب العربة للإنسان المختار غير المعذور جائز في الطواف وهي ثلاثة:-
 الدليل الأول:- التمسك بما ورد في السعي ، فانه سوف يأتي انشاء الله تعالى في باب السعي بأنه يجوز للشخص أن يكون راكباً أثناء السعي لدلالة بعض الروايات على ذلك من قبيل صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكباً ، قال:- لا بأس والمشي افضل ) [2] فإنها دلّت بوضوح على جواز السعي راكباً.
 ويمكن أن نقرِّب هذا المضمون بتقريبين ليدلّ على جواز الركوب في الحالة الاختيارية:-
 التقريب الأول:- أن يقال:- ان الراكب على الدابّة قد لا يكون هو السائق لها وانما يكون السائق هو شخص آخر فان هذه قضية متعارفة والامام عليه السلام سكت من هذه الناحية ولم يقل ( نعم يجوز راكباً بشرط أن يكون هو السائق لا أن يكون السائق شخصاً آخر ) فسكوته يدلّ على أنه يجوز أن يكون السائق شخصاً آخر ، وبهذا يثبت مطلوبنا ، يعني أن الانسان في الحالة الاختيارية يجوز له أن يركب الدابة ويكون أمر سيرها ووقوفها راجعاً الى الغير وليس راجعاً الى نفسه.
 التقريب الثاني:- أن يقال:- ان الراكب قد يكون متعدداً ، بمعنى أنه قد يركب على الدابة اثنان والسائق يكون أحدهما والآخر لا يكون سائقاً وحيث أن الامام سكت عن هذه الحالة ولم يقل ( نعم يجوز بشرط أن لا يكون الراكب متعدداً والا صح الطواف من خصوص الراكب الذي يكون هو سائقاً ولا يصح من الثاني الذي لا يكون سائقاً ) فسكوت عن التقييد المذكور يدلّ على أن هذه الحالة جائزة من دون اشكال.
 اذن بهذين التقريبين سوف يثبت أن ركوب الدابّة في الحالة الاختيارية أمر جائز حتى وان كان أمر الوقوف والسير ليس راجعاً اليه بل يكون راجعاً الى غيره .
 ومورد الرواية وان كان هو الراكب - يعني الراكب للدابة - اذ الراكب في ذلك الزمان يكون راكباً عادة للدابة وليس لمثل هذه العربات التي اخترعت جديداً ولكن لا نحتمل الخصوصية من هذه الناحية ، واذا ثبت هذا في السعي يثبت في الطواف أيضاً .
 هكذا قد تقرب دلالة هذه الرواية على جواز الطواف في العربة في الحالة الاختيارية وان لم يكن أمر العربة راجعاً اليه - أي الى الراكب -.
 وهو شيء وجيه بشرط أن نجزم بعدم الفرق بين الطواف وبين السعي ، فان جُزِم بذلك فالتعدي الى الطواف شيءٌ وجيهٌ والّا فالأمر مشكل ، وحيث أن الجزم قد يكون صعباً فالمناسب الاقتصار على مورد الرواية وهو السعي.
 الدليل الثاني:- انه ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد طاف على دابته ، فقد ورد في صحيحة الكاهلي ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- طاف رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقته العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه [3] ويقبّل المِحْجَن ) [4] ، بتقريب أن النبي صلى الله عليه وآله قد لا يكون هو السائق بل يكون السائق شخصاً آخر وعلى هذا الاساس يكون أمر الحركة والوقوف بيد الغير - أعني السائق - وليس بيد الراكب وبذلك يثبت المطلوب وأن العربة يجوز الركوب فيها في الحالات الاختيارية وان كان الراكب فيها ليس مختاراً في أمر الحركة والوقوف.
 والجواب:- ان هذه الرواية تحكي قضية شخصية وقصة في واقعة - ان صح التعبير - فلا يمكن أن يستفاد من ذلك الاطلاق اذ لعل النبي كان هو السائق بحيث هو يوقف الدابَّة وهو يحركها ، وهنا في مثل هذه الحالة لا يجوز التمسك بالإطلاق - أي لا يجوز التمسك بالإطلاق في الروايات التي تحكي قصية وقصة في واقعة - وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة.
 الدليل الثالث:- صحيحة معاوية ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تُحمل في محمل فتستلم الحَجَر وتطوف بالبيت من غير مرض ولا علَّة ، فقال:- اني لأكره لها ذلك ، وأما أن تُحمل فتستلم الحَجَر كراهة - كراهية - الزحام فلا بأس به ، حتى اذا استلمت طافت ماشيةً ) [5] .
 والجواب:- ان مورد الاستشهاد اما هو صدر الرواية أعني ( تُحمل في محمل فتستلم الحَجَر وتطوف بالبيت من غير مرضٍ ولا علَّةٍ ) يعني أن المرأة تركب المحمل من غير مرض ولا علّة ثم في البداية تستلم الحَجَر اذ يستحب في بداية الطواف استلام الحّجّر ثم بعد ذلك تطوف بالبيت وهي محمولة في المحمل من غير مرضٍ ولا علّةٍ والامام عليه السلام قال ( اني لأكره لها ذلك ) ولم يقل ( انه لا يجوز ) فيثبت بهذا جواز الطواف في المحمل من غير مرض ولا علّة غايته في حق المرأة ، فاذا جزمنا بعدم الخصوصية لها تعدينا الى الرجل والا اقتصرنا على موردها فيثبت نصف المطلوب وان المرأة في الحالات الاعتيادية يجوز لها أن تطوف في المحمل.
 والجواب عليه واضح:- فان التعبير بالكراهة لا يُقصَد منه خصوص الكراهة المصطلحة وانما هو تعبير شامل للاثنين معاً - أي للكراهة المصطلحة وللحرمة - وعليه فلا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية الجواز بحيث نرفع اليد عن مقتضى القاعدة بعد اجمال التعبير من هذه الناحية فيبقى مقتضى القاعدة بلا معارض ولا منافٍ.
 وما اذا كان المدرك هو الذيل ، أعني قوله عليه السلام ( وأما أن تحمل كراهة الزحام فلا بأس به حتى اذا استلمت طافت ماشية ).
 فالجواب واضح ايضاً:- فان غاية ما تدل عليه هو أن المرأة لأجل أن تستلم الحَجَر يجوز لها أن تركب المحمل وبعد ذلك تواصل الطواف ماشيةً ما دام لا زحام يؤثر عليها فهي على عكس المطلوب أدل.
 اذن من خلال هذا اتضح أن القاعدة تقتضي في حق الانسان الطبيعي المختار عدم جواز ركوب العربة اذا لم يكن أمرها وقوفاً وحركةً بيده.
 ومنه يتضح أنه لا يجوز أن يحمله الغير في ما يسمونه بـ(خشب خشب ) ما دام مختاراً ويستطيع الطواف بنفسه مشياً.


[1] الوسائل 13 389 47 من ابواب الطواف ح1.
[2] الوسائل 13 496 16 من ابواب السعي ح2.
[3] المحجن هو العصا التي في رأسها اعوجاج.
[4] الوسائل 13 441 81 من ابواب الطواف ح1، وعلى منوالها ما جاء في الحديث2.
[5] المصدر السابق ح4.