33-12-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 354 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الرواية الرابعة:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف وسعى ولبس ثيابه وأحلّ ونسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات ، قال:- لا بأس به يبني على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره ) [1] .
 وقوله عليه السلام ( نسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات ) يراد منه أنه نسي أن يقصّر حتى أحرم وخرج إلى عرفات فالمشكلة واحدة وهي أنه أحرم للحج قبل أن يقصّر لا أنه توجد مشكلتان وهما أنه لم يقصّر ولم يُحرم للحج بمعنى أنه خرج إلى عرفات من دون إحرام فانه لم يسلط الأضواء على الإحرام للحج كلا بل المشكلة ليست مشكلتين بل هي واحدة إذ لو أنها كانت ثنتين لكان من المناسب أن يؤكد السائل على ذلك والحال أنه أكد على نسيان التقصير ، وعلى أي حال هذا لا يؤثر على ما نريد فانه عليه السلام في مقام الجواب لم يحكم ببطلان عمرة التمتع وإنما حكم بصحتها وأنه يأتي بالحج ، نعم هنا شيء وهو أنه ماذا يراد من قوله ( وطواف الحج على أثره ) يعني على أثر طواف العمرة والحال نحن نعرف أن الذي يأتي بعد طواف العمرة والسعي هو الإحرام للحج والوقوف بعرفات لا طواف الحج ؟ من هنا احتمل بعض كما جاء في هامش بعض طبعات التهذيب أن الصواب ( وإحرام الحج على أثره ) فكلمة ( إحرام ) هي الصحيحة وأما كلمة ( طواف الحج ) فهي تصحيف.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن هذا التأكيد للإشارة إلى أن الحج المذكور لا ينقلب إلى حج إفراد إذ لو كان ينقلب إلى حج إفراد فلا داعي بعد الإتيان بالطواف والسعي إلى الإتيان بطوافٍ آخر بعنوان طواف الحج بل يكفي الطواف والسعي الذي تحقق للعمرة فيصير جزءاً من حج الإفراد فذكر طواف الحج بعد طواف العمرة للتأكيد الزائد على أن حج التمتع يبقى تمتعاً ، وعليه يلزمه أن يأتي بعد ذلك بطواف للحج غير الطواف السابق فإن السابق للعمرة وقوله عليه السلام ( على أثره ) لا يقصد به المباشرة وإنما بمعنى أنه يأتي به بعد ذلك ، وعلى أي حال هذه قضية جانبية ليس من المهم كيفية حلها فانه على أي حال تدل الرواية على أن العمرة المذكورة لا تنقلب إلى حج إفراد وهذا هو مدّعانا ومقصودنا.
 وأما روايتا العامد:-
 الرواية الأولى:- صحيحة أو موثقة أبي بصير ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس عليه متعة - أو وليـس له متعــة - ) [2] .
 الرواية الثانية:- رواية العلاء بن الفضيل ( سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ للحج قبل أن يقصّر ، قال:- بطلت متعته هي حجّة مبتولة [3] ) [4] .
 ولابد أن نقول في مقام تقريب الاستدلال على أنها ناظرة وواردة في حق العامد والحال أنه لم يذكر فيها أنه تعمّد بأنها وإن كانت مطلقة إلا أن حالة النسيان خرجت بالروايات الأربع السابقة فتبقى هاتان الروايتان مختصتين بغير الناسي - أعني العامد - وهو المطلوب وإلّا فهي ليست واردة في خصوص العامد.
 وباتضاح الروايات نعود إلى مسلتنا والكلام تارةً يقع بالنسبة إلى العامد وأخرى يقع بالنسبة إلى الناسي.
 حكم العامد:-
 أما بالنسبة إلى العامد فقد نقل صاحب المدارك(قده) [5] قولين فيه:-
 القول الأول:- وهو للشيخ وجمع من الأصحاب وهو أن العمل ينقلب إلى حج إفراد ، وعليه يكون إكماله بعنوان حج الإفراد ، ولم تسلط الأضواء على أن ذلك يجزي عن حج الاسلام أو أن عليه أن يأتي بحج الاسلام في السنة الأخرى ؟ وهكذا لم تسلط الأضواء على أن الإحرام الصحيح هو الأول أو هو الثاني ؟ فكيف يكون الأول الحال أنه عليه السلام قال بطلت عمرته وكيف يكون الثاني والحال أنه ليس مأموراً به وهكذا لم تسلط الأضواء على أن العمرة المفردة بعد حج الإفراد هل هي لازمة أو لا أو يكفيه الإتيان بحج الإفراد من دون حاجة إلى عمرة مفردة بعد ذلك ؟ وأيضاً ما هو حكم الجاهل فهل هو كحكم الناسي أو كالعامد ؟ وعلى أي حال الرأي الأول في المسألة ما أشرنا إليه.
 القول الثاني:- وهو لابن ادريس فانه حكم بأن عمرة التمتع باطلة والعمل باطل لا أنه ينقلب إلى حج إفراد وبالتالي عليه الحج في السنة الثانية إن كان حجه حج الاسلام ، وكأنه تمسك بمقتضى القاعدة وترك ظاهر الروايتين.
 وحينما وصل المحقق في الشرائع إلى هذه المسالة نقل هذين الرأيين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر حيث قال:- ( وإن فعل ذلك عامداً قيل بطلت عمرته وصارت حجته مبتولة وقيل بقي على إحرامه الأول وكان الثاني باطلاً ، والأول هو المروي ) وعلق صاحب المدارك(قده) بقوله:- ( ويظهر من المصنف التردد وهو في محله ) ، هذا بالنسبة إلى روايات المسألة والاقوال فيها.
 وذكر السيد الخوئي(قده) [6] أن رواية العلاء بن الفضيل - أي الرواية الثانية - هي واضحة في أن العمل ينقلب إلى حج إفراد لأنه عليه السلام أجاب هكذا:- ( بطلت متعته هي حجة مبتولة ) إذن هي واضحة الدلالة على رأي المشهور ، ولكن سندها ضعيف بمحمد بن سنان ، فالمهم إذن هي الرواية الأولى وإن حاول صاحب المدارك(قده) أن يناقش في سندها باعتبار اسحاق بن عمار فانه فطحي وهو يبني في بعض مواضع المدارك على أن الرواية الحجّة هي الرواية الصحيحة دون الموثقة فبهذا الاعتبار حكم بضعف سند الرواية الأولى أيضاً ، ولكن هذا رأي خاص به وحيث أن الصحيح حجية الموثق فالرواية سنداً لا اشكال فيها وإنما المشكلة في دلالتها باعتبار أنها قالت هكذا:- ( المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له أو عليه متعة ) ولم يقل عليه السلام ( إن حجته تنقلب إلى الإفراد ) وإنما قال ( ليس له متعة وليس له أن يقصّر ) فيستفاد منها بطلان عمرة التمتع أما الانقلاب إلى حج الإفراد فلا يستفاد منها ذلك .
 ثم قال(قده):- هذا ولكن يمكن أن نستفيد منها رأي المشهور - أي الانقلاب إلى حج الافراد - وذلك بأن يقال:- إنه عليه السلام حكم بأنه ( ليس له أن يقصّر ) والحكم بأنه ليس له أن يقصّر يكشف عن صحة الإحرام الثاني إذ لو كان الإحرام الثاني باطلاً والمفروض أن الأول باطل أيضاً لأنه عليه السلام قال ( ليس له متعة ) فإذا كان الثاني باطلاً فكيف حكم عليه السلام بأنه ليس له أن يقصِّر بل المناسب أن يحكم بأنه له حق التقصير لأنه ليس بمحرم لأن الإحرام الأول بطل لحكمه عليه السلام بأنه ليس له متعة والإحرام الثاني باطل أيضاً ، إذن حكم الامام عليه السلام بأنه ليس له أن يقصّر يكشف عن أن الإحرام الثاني صحيح وإذا كان الإحرام الثاني صحيح فلابد وأن يكون حجّة مفردة ولا يمكن أن يكون تمتعاً لفرض بطلان عمرة التمتع فيتعين أن يكون حجّه قد انقلب إلى إفراد.
 هذا مضافاً إلى أنه عليه السلام لم يحكم ببطلان الإحرام الثاني - أي لم يقل بأن الإحرام الثاني باطل - وإنما حكم ببطلان الإحرام الأول إذ قال ( ليس له متعة ) وأما الإحرام الثاني فسكت عنه ونفس السكوت عنه فيه دلالة على الإمضاء والصحة وإلّا لنبّه عليه . إذن الإحرام الثاني صحيح بقرينتين وبيانين وما دام الإحرام الثاني صحيحاً فلازمه انقلاب العمل إلى حجّة إفراد إذ لا يمكن أن يبقى حجّ تمتع لفرض بطلان عمرة التمتع . إذن بهذا البيان أثبت(قده) أن العمل ينقلب إلى حج إفراد لأجل الحكم بصحة الإحرام الثاني وبطلان عمرة التمتع . ثم قال(قده) ويلزمه أن يأتي بعمرة مفردة بعد أن يكمل حجّة الإفراد.
 ثم تعرض(قده) إلى شيء آخر وهو أنه هل يجزيه عن حجّة الاسلام ؟ مال (قده) إلى ذلك باعتبار أنه عليه السلام سكت عن لزوم الإتيان بالحجّ في السنة الثانية وهذا يكشف عن عدم الحاجة إلى الإتيان بحجّ آخر في السنة الثانية ويكون حج الإفراد مجزياً عن حجة الاسلام التمتعية وبالتالي يصير هذا من الموارد التي يجزي فيها حج الإفراد عن حج التمتع غير مسألة الحائض والمضطر ....
 ثم قال(قده):- والأحوط الإتيان بالحج في السنة الثانية إذا كان مستقراً في ذمته ، وأما إذا كانت الأولى ليس بحجة الاسلام فلا حاجة إلى الاعادة.


[1] المصدر السابق ح2.
[2] الوسائل 12 412 54 من أبواب الاحرام ح5.
[3] أي حجة إفراد ، ومبتول باعتبار أنه ليس مقروناً بعمرة التمتع.
[4] المصدر السابق ح4.
[5] المدارك 7- 281.
[6] المعتمد 5 114.