جلسة 94

مفطرات الصوم

وفيه: إنّ المفطر ليس عنوان الطعام والشراب على إطلاقه، فإنّ صحيحة محمد بن مسلم [1] لا يراد من الطعام والشراب فيها مطلق ما يرتبط بهما، وإلاّ يلزم مفطرية شم الطعام والنظر إليه أيضاً؛ لأنّ مقتضى حذف المتعلّق تعميم المفطرية لمثل ذلك، بل يلزم مفطرية تزريق الإبرة وصب الدواء من خلال القطرة في العين أو في الأذن، والحال أنّه ـ قدّس سرّه ـ لا يرى المفطرية فيما ذُكر، فلو كان الممنوع مطلق الطعام والشراب وإن لم يصدق عنوان الأكل والشرب لزم الحكم بالمفطرية في ذلك أيضاً.

ومن الغريب أنّه ـ قدّس سرّه ـ قد ذكر [2] في المفطر التاسع ما نصّه: نعم إذا فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق كما يحكى عن بعض أهل زماننا فلا يبعد صدق الأكل والشرب حينئذٍ فيفطر به كما هو كذلك إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف. وهذا يدل على أنّ الموجب للمفطرية هو خصوص عنوان الأكل والشرب، وإلاّ فلماذا التعليل بقوله: فلا يبعد صدق الأكل والشرب حينئذٍ فيفطر به؟ بل من اللازم الحكم بالمفطرية حتى إذا لم يصدق ذلك؛ لأنّ المفطر هو عنوان الطعام والشراب سواء صدق عنوان الأكل والشرب أم لم يصدق، فتعليله المذكور في هذه العبارة واضح في أنّ المفطر خصوص عنوان الأكل والشرب.

وبالجملة: صحيحة محمد بن مسلم لا يراد منها العموم جزماً، ويتعيّن ـ بعد عدم إرادة العموم ـ كون المراد منها خصوص الأكل والشرب تمسّكاً بأحد الوجوه التالية:

الأول: التمسّك بقرينة مناسبات الحكم والموضوع.

الثاني: التمسّك بفكرة القدر المتيقّن، حيث إنّه بعد ما فُرض عدم إرادة العموم يصير ذلك المتعلّق المحذوف مجملاً، وعند الإجمال يلزم التمسّك بالقدر المتيقّن، وليس هو إلاّ عنوان الأكل والشرب.

الثالث: التمسّك بصحيحة محمد بن مسلم بعد ضمّها إلى قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[3] ، فيكون المقصود منها خصوص الأكل والشرب بقرينة الآية الكريمة.

وعلى أي حال العموم ليس بمقصود.

هذا كلّه في مناقشة الجواب الحَلَّي الذي أشار إليه قدّس سرّه.

وأما ما ذكره في مقام النقض فيمكن دفعه بأنّ ذلك منوط بنظر العرف، ففي المرّة الأولى حيث تحقّق الاستهلاك لا يرى العرف صدق عنوان الأكل والشرب، ولكن إذا تكرر الفعل المذكور مراراً بحيث تناول الصائم كمية معتداً بها فإنّ العرف حينئذٍ يرى صدق العنوان المذكور.

وإذا قيل: إنّه في المرّة الأولى إذا لم يصدق العنوان المذكور لأجل فرض الاستهلاك فيلزم عدم صدقه في المرّات البعدية أيضاً، لفرض تحقق الاستهلاك أيضاً في كلّ مرّة.

قلنا: إنّه لو كانت المسألة راجعة إلى العقل والموازين العقلية فحينئذٍ يتمّ ما ذُكر، فيقال: ما دام لا يصدق الأكل في المرة الأولى لفرض الاستهلاك فيلزم أن يكون الأمر كذلك في بقية المرّات، ولكن المرجع في أمثال ذلك ليس هو العقل والدقة العقلية وإنّما هو العرف، وهو يرى أنّ الكمية إذا ازدادت فسوف يصدق عنوان الأكل، بخلاف ما إذا قلّت وفُرض الاستهلاك فإنّه لا يرى ذلك، فالمسألة راجعة إلى العرف وبعد اطلاعه على التناول المكرر وأنّ المقدار قد بلغ ما يعتد به فيرى آنذاك صدق عنوان الأكل.

النقطة الخامسة: يجوز لأحد الزوجين مصّ لسان الآخر، ولا يفرق في الجواز بين حالة وجود الرطوبة على اللسان وعدمه، وإن كان الأحوط في حالة وجود الرطوبة الاجتناب والحكم بالمفطرية. وعليه يقع البحث في محورين:

المحور الأول: إثبات جواز مصّ اللسان في الجملة.

ويمكن الاستدلال له بثلاثة أدلّة على نحو الترتب:

الأول: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الرجل الصائم يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال: «لا بأس» [4].

الثاني: إطلاق صحيحة محمد بن مسلم [5]، إذ هي تدل على أنّ غير الخصال الثلاث لا يضرّ بما في ذلك مصّ اللسان.

الثالث: أصل البراءة، حيث نشك هل يشترط في الصوم عدم المصّ فتجري البراءة عن الشرطية.

وبكلمة أخرى: يجب على الصائم مجموعة من التروك ونحن نشك هل تعلق الوجوب أيضاً بترك المص أو لا، فتجري البراءة عن الوجوب الزائد المذكور.

هذا كلّه في المحور الأوّل.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الحكم المذكور لا يختصّ بمصّ لسان الزوجة، بل يعمّ لسان غيرها أيضاً حتى لو فرض حرمة ذلك، كحالة مصّ لسان المرأة الأجنبية، فإنّ ذلك وإن كان محرماً ولكنّه لا يوجب المفطرية للأدلّة الثلاثة المتقدمة.

وقد يقول قائل: إنّ صحيحة علي بن جعفر لا يمكن الاستدلال بها في المقام؛ لاحتمال انصراف المرأة إلى الزوجة.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنّه حتى مع الانصراف يمكن التمسك بها وذلك بعد الجزم بعدم الخصوصية من هذه الناحية.

المحور الثاني: إثبات جواز المصّ حتى في حالة الرطوبة.

ويمكن الاستدلال عليه بإطلاق صحيحة علي بن جعفر أو ترك الاستفصال في جواب الإمام، فإنّه ـ عليه السلام ـ أجاب بالجواز من دون أن يقيّد بحالة عدم وجود الرطوبة خصوصاً وإنّ وجود الرطوبة حالة متعارفة.

مضافاً إلى ذلك يمكن التمسّك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم، بل أصل البراءة أيضاً بعد فرض أنّ الرطوبة لا يصدق عليها عنوان الشرب، فمَنْ تناول الماء يصدق أنّه شرب، وأمّا الرطوبة الخالية من الماء فلا يصدق بلحاظها ذلك، ولا أقل من الشك، والشك يكفي لإجراء أصل البراءة.

نعم، مَنْ جزم بصدق عنوان الشرب على الحالة المذكورة لا يصح له التمسك بأصل البراءة، ولا بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم، وينحصر الأمر بالتمسك بإطلاق صحيحة علي بن جعفر، فإنّ إطلاقها ـ كما ذكرنا ـ شامل لحالة الرطوبة خصوصاً بعد كونها حالة متعارفة. ومن خلال هذا يتضح أيضاً وجه الاحتياط في المسألة.

___________________________

[1] وسائل الشيعة 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.

[2] منهاج الصالحين 1: 267 كتاب الصوم، المفطرات، المفطر التاسع.

[3] البقرة: 187.

[4] وسائل الشيعة 10: 102، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب34، ح3.

[5] وسائل الشيعة 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.