جلسة 108

مفطرات الصوم

وأمّا ما ذكره في المورد الثالث ـ وهو أن وجوب القضاء ليس أثراً للفعل الوجودي، أي ارتكاب المفطرات حتى يرتفع، بل هو أثر لعدم الإتيان بالمأمور به ـ فباعتبار أن الصحيحة وإن كانت ترفع خصوص الأثر المترتب على الفعل الوجودي، فما يترتب على وجود المفطر تدل صحيحة عبد الصمد على أنه مرفوع في حق الجاهل ولا شيء عليه من ناحيته، ولا تعم ما يترتب على عدم الإتيان بالمأمور به رأساً، ولكن نقول: إن وجوب القضاء قد رتب شرعاً على فعل المفطر، فالروايات رتبت على فعل المفطر شيئين: الكفارة وثبوت القضاء، فثبوت القضاء أثر آخر قد ترتب أيضاً على فعل المفطر، فلاحظ روايات القيء التي تقدمت سابقاً حيث قال ـ عليه السلام ـ: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم»...[1]، فوجوب القضاء قد رتب في هذه الصحيحة على فعل المفطر.

ولك أن تصوغ المناقشة بصيغة اُخرى، حيث يقال: نحن إمّا أن نسلم أن وجوب القضاء قد رتب شرعاً على فعل المفطر، أو ننكر ذلك، ولا شق ثالث في البين.

فإن أنكرنا ذلك كان ذلك يعني القصور في المقتضي، بمعنى أنه لا دليل على وجوب القضاء في حق من ارتكب أحد المفطرات، ومن الواضح أن البحث عن وجود المانع وعدمه فرع تمامية المقتضي، فلابدّ أن نفترض في المرحلة السابقة أن من زاول أحد المفطرات يثبت في حقه وجوب القضاء، حتى نأتي ونبحث عن أن الجاهل هل يمكن رفع وجوب القضاء عنه بواسطة صحيحة عبد الصمد أو لا؟ فالبحث عن تمامية صحيحة عبد الصمد وأنها تدل أو لا تدل على رفع القضاء في حق الجاهل فرع تمامية المقتضي في المرحلة السابقة.

وأمّا إذا سلمنا ذلك كما هو المفروض في كلمات المشهور والسيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ حيث تمسكوا بإطلاق أدلة وجوب القضاء فيمن ارتكب أحد المفطرات، فذلك يعني الاعتراف الضمني، بل الصريح بترتب وجوب القضاء شرعاً على فعل أحد المفطرات، ففعل المفطر له أثران على هذا الأساس: أحدهما: الكفارة، والآخر: وجوب القضاء، ومعه فيمكن التمسك بصحيحة عبد الصمد لإثبات كون وجوب القضاء مرتفعاً عن الجاهل.

هذا مضافاً إلى أن من الوجيه أن يُدعى هذه الدعوى التي أشرنا إليها في بعض الأبحاث سابقاً، وهي أن تطبيق الدقة في مقام فهم الروايات والاستفادة منها هل هو أمر وجيه أو لا؟ والذي نراه مناسباً هو التوسط بين الأمرين، بحيث لا تطبق الدقة بشكل يجعل كلام المعصوم ـ عليه السلام ـ مخصوصاً لطبقة معينة تمتاز بالعلم والفطنة بحيث لا يمكن لغير هذه الطبقة فهم كلام المعصوم ـ عليه السلام ـ من جهة، ومن جهة اُخرى لا تترك الدقة بشكل تام بحيث يخرج كلام المعصوم ـ عليه السلام ـ عن الرصانة والاتقان، بل لابدّ أن تطبق الدقة بشكل متوازن.

وفي مقامنا نقول: إن المتشرعة، بل العلماء يرون أن وجوب القضاء أثر لفعل المفطر، حيث نجد في الرسائل العملية يعبرون: بأن من ارتكب مفطراً وجب عليه القضاء والكفارة، وهذا استعمال مقبول لدى الجميع. نعم، إذا أردنا أن نعمل الدقة الفائقة فالمناسب عدم نسبة وجوب القضاء لفعل المفطر، وإنما لترك المأمور به، غايته ينسب لفعل المفطر بالمسامحة والمجاز، إذ لازم فعل المفطر عدم تحقق المأمور به، فينسب وجوب القضاء إلى فعل المفطر بهذا الاعتبار، وهذا تدقيق فائق لا ينبغي إعماله في مقام الاستنباط، فمتى ما صح لدى المتشرعة نسبة وجوب القضاء إلى فعل المفطر بنحو الحقيقة كفى ذلك لتطبيق صحيحة عبد الصمد عليه، ومن ثمة رفع وجوب القضاء في حالات ارتكاب المفطر عن جهل بالحكم.

ثم إنه من خلال هذا يتضح التأمل فيما ذكره ـ قدّس سرّه ـ بالنسبة إلى حديث الرفع، حيث يقال: إن الحديث المذكور يمكن تطبيقه فيما إذا ضحك المصلي في صلاته اضطراراً أو إكراهاً، وهكذا في سائر الأمثلة التي هي من هذا القبيل لنفس ما أشرنا إليه من الوجهين وهما:

الأول: أن وجوب الإعادة أو القضاء مُرتب في الروايات على فعل المنافي، وإن كان بحسب الدقة هو أثر لعدم الإتيان بالمأمور به، ويكفي لتطبيق الحديث كون الروايات نفسها قد طبقت وجوب الإعادة أو القضاء على فعل المنافي، ففي صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» [2]، فرتب وجوب الإعادة على فعل المنافي وهو الزيادة، والحال أن المناسب على رأي السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ ألاّ يعبر كذلك، وإنما يعبر: من ترك المأمور به فعليه الإعادة.

الثاني: أن إعمال الدقة لابدّ أن يكون بشكل متوازن كما أشرنا إليه [3].

ومن خلال هذا كله اتضح أن صحيحة عبد الصمد لا مانع من التمسك بإطلاقها لنفي وجوب القضاء في حق الجاهل، لكن هل يرتفع وجوب القضاء عن مطلق الجاهل بما في ذلك القاصر والمقصر والبسيط المركب؟

نعم، المناسب عدم الفرق بين القاصر والمقصر، فكلاهما يصدق عليه ركب أمراً بجهالة. نعم، ينبغي تخصيصه بالجاهل المركب الذي يعتقد بأن هذا جائز له وليس ممنوعاً منه في الشرع، أمّا الجاهل البسيط ـ وهو المتردد الشاك ـ فلا يبعد انصراف الصحيحة عنه، حيث لا يصدق عليه عرفاً أنه ركب أمراً بجهالة، فإن الجهالة عرفاً تصدق على من يرتكب الشيء باعتقاد جوازه، وأمّا المتردد فلا يصدق أنه ارتكبه بجهالة. نعم، منطقياً قد يصدق عليه ذلك، ولكن المدار في تطبيق النصوص الشرعية على الصدق العرفي وليس على الصدق المنطقي، فالصحيحة إذاً خاصة بالجاهل المركب من دون فرق بين القاصر والمقصر، وهل تعم الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع معاً أو تختص بالجاهل بالحكم؟

____________________________

[1] الوسائل 10: 87، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب29، ح3.

[2] الوسائل 8: 231، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب19، ح2.

[3] وبهذا وفينا بالوعد الذي وعدنا به سابقاً، حيث ذكرنا عند البحث في بداية النقطة الاُولى عند التعرض للناسي أنه هل يمكن التمسك بحديث الرفع لرفع القضاء عن الناسي؟ وقلنا: إن ذلك يأتي التحدث عنه فيما بعد إن شاء الله تعالى، ومقصودنا الإشارة إلى هذا الموضع.