32/07/04


تحمیل

ورب قائل يقول:- إن صحيحة حريز ناظرة إلى حالة النسيان وأنها أثبتت في تقليم الظفر كفاً من طعام ولم تثبت مداً ، فهي إذن لا تنافي صحيحة أبي بصير ، فان المدَّ ثابت في غير حالة النسيان - اعني حالة العمد - بينما رواية حريز ناظرة إلى حالة النسيان وأثبتت كف الطعام من باب التخفيف فان الكف اقل من المد ، وعليه فلا تنافي .هكذا قد يخطر إلى الذهن.

والرد عليه واضح:- فانه لو كنّا والجهة الأولى فقط من جهات المنافاة وغضضنا النظر عن الجهتين الأخيرتين أمكن أن يكون ما ذكر وجيهاً ، ولكن بعد اخذ الجهة الثانية والثالثة بعين الاعتبار تبقى المشكلة على حالها ، فانه في الجهة الثانية فرض أن في تقليم خمس أظافر شاة والمفروض أن الحالة حالة نسيان ولابد فيها من التخفيف لا التشديد بينما صحيحة أبي بصير تثبت الشاة في تقليم العشرة إذا كان ذلك عن عمد واختيار ، إذن المنافاة من الجهة الثانية باقية .

 وهكذا من الجهة الثالثة ، فانه قد دلت صحيحة زرارة المتقدمة إن من نتف إبطه أو قلم ظفره وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء - أي في تقليم الظفر - بينما هذه تقول عليه شيء ، إذن موردهما معاً هو تقليم الظفر عن نسيان ، ورواية حريز أثبتت الكفارة بينما صحيحة زرارة نفتها ، وعليه فالمنافاة باقية وبالتالي نحتاج إلى جواب آخر غير هذا الجواب.

وهناك جوابان للتخلص من رواية حريز:-

الجواب الأول:- التمسك بدعوى الهجران ، بتقريب انه لا يوجد عامل بمضمون هذه الرواية حتى مثل الاسكافي والحلبي ، فان رأيهما الذي نقلناه سابقاً لا يتطابق مع مضمون هذه الرواية فلاحظ ، والهجران مسقط لها عن الحجية كما تقدم ، وذلك لبيانين:-

البيان الأول:- لا يبعد حصول الاطمئنان بوجود خلل فيها وإلا لماذا هجرها الجميع ، ولذلك لو فرض انه نقل لنا ناقل خبراً في مجال السياسة مثلاً ورأينا أن الجهات السياسية لم تعر لهذا الخبر أهمية فانه لا يبعد حصول الاطمئنان بوجود خلل فيه ، ومع الاطمئنان ببطلانه كيف يكون حجة.

البيان الثاني:- التمسك بفكرة القصور في المقتضي ، بمعنى إن الدليل المهم على حجية الخبر هو السيرة العقلائية ، ومن المعلوم أن الخبر إذا هجر بين الأصحاب يشك في انعقاد السيرة على العمل به ، وبما أنها دليل لبي لا إطلاق فيه فيقتصر على القدر المتيقن من السيرة وهو ما إذا لم يهجر بين الأصحاب ، وهذا البيان لا يستعين بفكرة الاطمئنان بوجود الخلل بل حتى لو أنكرنا الاطمئنان بالخلل يمكن أن يتمسك بهذا البيان ، وهو أن السيرة نشك بانعقادها للعمل بمثله ، وهذا يكفي في سقوطه عن الحجية.

 إذن رواية حريز ساقطة عن الحجية لهجران الأصحاب لها ، وهذه طريقة سيالة يمكن الاستفادة منها في كل مورد توجد فيه رواية أو روايات ولا عامل بها من الأصحاب ، فانه يمكن التخلص منها من خلال ما اشرنا إليه.

الجواب الثاني:- انه لو رجعنا إلى كيفية نقل الرواية المذكورة لرأينا أن الشيخ الطوسي (قده) ينقلها بشكلٍ والشيخ الكليني (قده) ينقلها بشكلٍ آخر ، اما الطوسي فنقلها بإسناده ( عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام )

ولو كانت منقولة بهذا الشكل أمكن تصحيح سندها ، بيد إن الشيخ الكليني نقلها هكذا ( عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عمن اخبره عن أبي جعفر عليه السلام )

[1] ، ومتن الرواية واحد لا اختلاف فيه ، وإذا اتضح هذا نضم تلك المقدمة وهي أن من البعيد أن حريز يسأل مرتين مرة بنفسه وأخرى بالواسطة ويكون سؤاله واحداً والجواب واحداً أيضا من دون اختلاف ، أن هذا شيء بعيد ، وبالتالي يحصل الاطمئنان بان النقل واحد وليس متعدد ، وحيث أن النقل الواحد لا يجزم انه لم تتخلله واسطة مجهولة بل يحتمل انه معها فتسقط الرواية عن الاعتبار . وهذا جواب سيّال أيضاً يمكن التمسك به في كل مورد تكون فيه الرواية واحدة سؤالاً وجواباً .

وإذا قال شخص:- انه لا يحصل لي الاطمئنان بالوحدة بل التعدد شيء محتمل.

اجبنا:- صحيح هو شيء محتمل ، ولكن لا نجزم بانعقاد السيرة على الحكم بالتعدد في مثل المورد المذكور الذي يكون احتمال الوحدة فيه احتمالاً وجيهاً ، إذن سلمنا أن لا اطمئنان بالوحدة ، ولكن التعدد أيضاً لا يمكن الحكم به إذ هو يحتاج إلى مثبت ، ومثبته ليس إلا السيرة ولا نجزم بانعقادها على الحكم بالتعدد في مثل هذا المورد.

القضية الثالثة:- توجد عدة فروع في هذه المسألة لا بأس بالإشارة إليها ، وهي نافعة من الجنبة الفنية وان لم تكن كذلك من الجنبة العملية:-

الفرع الأول:- أن السيد الماتن (قده) قيَّد عبارة المتن بالمجلس الواحد حيث قال ما نصه ( وكفارة تقليم أظافير اليد جميعها في مجلس واحد شاة ) فقيَّد ثبوت الشاة بما إذا كان تقليم الأظافر العشر قد حصل في مجلس واحد ، وهذا قد يفهم منه انه لو لم يكن ذلك في مجلس واحد فلا تثبت شاة وان قلم العشرة وإنما تثبت عشرة أمداد .

 ولكن لا نرى وجهاً له فان صحيحة أبي بصير لم تقيّد بذلك ، وإنما دلت على انه لو بلغ العشرة فعليه دم شاة ، اما أن يكون ذلك في مجلس واحد فلم ترد الإشارة إليه في الصحيحة ونص العبارة هكذا ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قص اظفراً من أظافيره وهو محرم ، قال: عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ عشرة فإذا قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة......) انه في هذه العبارة لا يوجد التقييد بالمجلس الواحد ، وأحتمل أنه وقعت خيانة غير مقصودة في التعبير ، فهو أراد أن يبين إنما تثبت شاة في أظافر اليدين في مقابل شاة ثانية في أظافر الرجلين فيما إذا كان تقليم أظافر اليدين في مجلس مستقل وأظافر الرجلين في مجلس مستقل آخر ، اما إذا كانا معاً في مجلس واحد فلا تثبت شاتان بل شاة واحدة ، أن التقييد بالمجلس الواحد لعله من هذه الناحية ، فان كان مقصوده ذلك فهو شيء جيد ، ولكن لابد وان تحسين العبارة حتى لا تكون سبباً للايهام ، وأما إذا كان مقصوده أن الشاة في أصابع اليدين لا تثبت إلا إذا كان تقليم العشرة قد حصل في مجلس واحد في مقابل ما إذا حصل في مجالس متفرقة فانه تثبت عشرة أمداد ، فلا نوافقه على ذلك لخلوّ صحيحة أبي بصير عن التقييد المذكور.

[1] الوسائل 13 163 12 بقية كفارات الإحرام ح3 ، ح5