36/06/21


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 10 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
النقطة الخامسة:- لا يجب إتلافها بل يجوز ادخارها ولكن من دون تعاملٍ عليها.
وقد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبه[1] إلى هذا الحكم ومرّ عليه مرور الكرام فذكر أنّه توجد روايتان قد يستفاد منهما وجوب الاتلاف وختم الحديث بهذا المقدار.
وعلى أيّ حال قد يستدلّ على وجوب إتلاف العملة المزيّفة بالروايتين التاليتين:-
الأولى:- رواية موسى بن بكر الواسطي التي رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن بعض أصحابنا عن سجادة عن موسى بن بكر قال:- ( كنّا عند أبي الحسن عليه السلام وإذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر إلى دينار فإخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش )[2].
والكلام يقع تارةً في سندها وأخرى في دلالتها:-
أمّا من حيث السند:- فقد يقال إنّها ضعيفة من ناحيتين من جهة الإرسال إذ رواها محمد بن يحيى الذي هو الأشعري القمّي - شيخ الكليني والذي يروي عنه الكليني كثيراً وهو من أجلة أصحابنا - عن بعض أصحابنا وهذا إرسال، ومن ناحية أنها مرويّة عن سجادة فإنّ سجادة هو الحسن بن علي بن أبي عثمان وهو لم يذكر بتوثيقٍ بل قال عنه النجاشي ( كوفي ضعّفه أصحابنا ).
هذا ولكن يمكن التغلّب على المشكلة من الناحيتين المذكورتين:- باعتبار أنّ الشيخ الطوسي(قده) رواها عن موسى بن بكر في تهذيبه وبدأ الحديث بموسى بن بكر فقال:- ( موسى بن بكر قال:- كنّا .. )[3]، وحينئذٍ نضمّ إلى ذلك مقدّمة وهي أنّ بدء السند من قبل الشيخ الطوسي بموسى يدلّ على أنّه أخذها من أصله لأنّه التزم في بداية الميشخة فقال كلّ شخص أبدأ السند باسمه فأنا آخذ الرواية من أصله، ثم نضمّ إلى ذلك مقدّمةً أخرى وهي أنّه لو رجعنا إلى الفهرست في ترجمة موسى بن بكر وجدناه يقول ما نصّه:- ( له كتاب أخبرنا ابن أبي جيّد عن ابن الوليد عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن موسى بن بكر )[4]، وهذا طريقٌ لا بأس به ومادام معتبراً فلا مشكلة.
نعم إذا كان هناك مشكلة فهي في أبي جيّد فإنّه لم يذكر بتوثيق، ولكن يمكن التغلّب على المشكلة من ناحيته ببيانين:-
الأوّل:- إنّه من مشايخ الإجازة المعروفين وبناءً على كفاية مثل ذلك في ثبوت التوثيق فحينئذٍ يكون ثقة عند من يبني على ذلك كما نحن نميل إلى ذلك في خصوص المعروفيّة.
الثاني:- إنّه شيخٌ للنجاشي، إضافةً إلى أنّ الشيخ الطوسي والنجاشي يظهر من خلال كتبه أنه يلتزم بأنّه لا يروي إلّا عن ثقة وقد أشرنا إلى ذلك في بعض الموارد، فمثلاً يذكر في ترجمة عليّ بن محمد بن الزبير القرشي أنه:- ( أدركته وكان عُلوّاً ورأيت أصحابنا يغمزونه ويضعفّونه فلم أروِ عنه إلّا بواسطةٍ بيني وبينه )، إنّ هذا التعبير يظهر منه أنّه يتحاشى الشخص الذي ليس بثقة.
إن قلت:- إنّهذا أقصى ما يدلّ عليه هو أنّ من غُمِزّ وضُعِّف لا يروي عنه أمّا من كان مجهول فهو لم يقل إنّي لا أروي عنه فلعلّه يروي عن المجاهيل، فغاية ما تدلّ عليه هذه العبارة هو أنّي لا أروي عمّن ضُعّف أمّا من لم يُضعَّف وكان مجهول الحال فلم يقل لا أروي عنه . إذن لعله يروي عن المجاهيل وبالتالي لعلّ ابن أبي جيّد من المجاهيل فيروي عنه بهذا الاعتبار.
ونجيب على هذا بجوابين:-
الأوّل:- إنّه شيخه ويروي عنه كثيراً فيكف يكون مجهولاً عنده مع طول الصحبة معه ؟!! نعم هذا يصير إذا لم يكن شيخاً له أمّا إذا كان شيخاً له ويروي عنه مراراً فهذا معناه أنّه معاصرٌ له وله صحبةٌ معه ومع الصحبة والمعاصرة كيف يبقى مجهول الحال ؟!! إن هذا احتمال ضعيفٌ لا يعتدّ به.
الثاني:- إنّه لماذا لا يروي عمّن غُمِز وضعّف ؟ لأنّه لا عبرة ولا حجّية لقوله، ومن المعلوم أنّ مجهول الحال أمره من هذه الناحية كذلك، وإذا كانت هناك سلبيّه في الرواية عن بعضٍ فلا فرق بين أن يكون ذلك البعض قد غُمِز أو أنّه مجهولٌ فإنهما بدرجة واحدةٍ من هذه الناحية فبالتالي كلاهما ضعيفٌ وغير معتبر فمن هذه الناحية أيضاً المشكلة مندفعة، وهذا شيء ظريف ولا بأس به، فإذن لا مشكلة من ناحية ابن أبي جيّد.
وأما أبن الوليد وهو محمد بن الحسن بن الوليد لا مشكلة فيه، وهكذا الصفّار وإبراهيم بن هاشم وكذلك ابن أبي عمير، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.
بهذا اتّضح أنّ ضعف الطريق من ناحية سجادة والإرسال يمكن التغلّب عليه من خلال طريق الشيخ الطوسي(قده) فلا مشكلة.
ولكن تبقى المشكلة من ناحية موسى بن بكر الواسطي فإنه لم يذكر بتوثيقٍ أيضاً، فهل هناك طريق لإثبات وثاقته ؟
إنّه من يبني على صحّة أسانيد كامل الزيارات وتفسير القمّي فلا مشكلة لديه إذ أنّ الرجل قد ورد هناك، وإنما الكلام فيمن لم يبنِ على ذلك فقد يتمسّك لإثبات وثاقته بالرواية التي نقلها الكشّي في ترجمة موسى بن بكر:- ( قال:- أرسل إلي أبو الحسن عليه السلام فأتيته فقال لي:- مالي أراك مصفرّاً ؟ وقال:- ألم آمرك بأكل لحمٍ ؟ قال فقلت:- ما أكلت غيره منذ أمرتني، فقال:- كيف تأكله ؟ قلت:- طبيخاً، قال:- كله كباباً، فأكلت فأرسل إليّ بعد جمعة فإذا الدم قد عاد في وجهي فقال لي:- نعم، ثم قال لي:- يخفّ عليك أن نرسلك في بعض حوائجنا ؟ فقلت:- أنا عبدك فمرني بما شئت فوجّهَنَي في بعض حوائجه إلى الشام )[5] وقد رواها الكافي[6] أيضاً.
والسند في الكشّي هكذا:- ( حمدويه بن نصير قال حدثنا يعقوب بن يزيد عنة محمد بن سنان عن موسى بن بكر الواسطي )، وحمدويه بن نصير من ثقاتنا وكذلك يعقوب بن يزيد ومحمد بن سنان على كلام فيه ولكن يمكن أن نقول بوثاقته، وعلى هذا الأساس قد يقال بأنّ الرواية جيّدة.
وأمّا تقريب دلالتها على وثاقة الرجل فيكون وذلك لأحد بيانين:-
الأوّل:- اهتمام الإمام عليه السلام به ومتابعته له فيه دلالة على وثاقته، والأمر إليك.
الثاني:- أن يقال إنّ الامام عليه السلام قد أرسله إلى بعض حوائجه فإذا لم يكن ثقة فكيف يرسله ؟!! فهذا الشخص إذا لم تكن عنده ملكة الصدق ويحتمل أنّه يكذب في الحديث فكيف يُسكَنُ إليه في هذا المجال ؟!!
ولكن المشكلة أنّ الراوي لهذه الرواية هو نفس الواسطي فلعله هو الذي اختلق كلّ هذه القضية.
إذن من هذه الناحية لا يمكن الاستناد إليها إلا إذا حصل لك الاطمئنان فتقول بأنّ مثل بيانه لهكذا خصوصيّاتٍ ونكاتٍ يبعد أن تكون مختلقة . فإذن الرواية لا يمكن الاعتماد عليها لأنّ الراوي لها هو نفس الواسطي، وهذه قضيّة ينبغي التفات إليها فإنّ بعض الروايات التي تذكر لإثبات توثيق بعض الأشخاص هو أنّ نفس الشخص الذي يراد توثيقه هو الراوي لها وهذا لا ينفع.
نعم إنَّ البعض يبني على انسداد باب العلم في التوثيقات كالسيد المامقاني(قده) في تنقيح المقال فيبني على هكذا رواية حيث يصير إلى حجيّة الظن، ولذلك كلّ ما يوجب الظن بالوثاقة يأخذ به وهذا يوجب الظن بالوثاقة فحينئذٍ نأخذ به، ولكن هذا المسلك مرفوض.
نعم هناك طريقان لإثبات وثاقة الرجل المذكور:-
الأوّل:- أن يقال بأنّه هذا ممّن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير بناءً على أنّ وراية أحد المشايخ الثلاثة عن شخصٍ يكون ثقة، فبناءً على تماميّة هذه الكبرى يكون هذا طريقاً لإثبات وثاقته.
وقد تسأل وتقول:- من أين لك أن ابن أبي عمير أو صفوان مثلاً قد روى عنه ؟
قلت:- هو طريق الشيخ(قده) في الفهرست والذي ذكرناه قبل قليل حيث كان يقول:- ( له كتاب أخبرنا ابن ابي جيد عن ابن الوليد عن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن موسى بن بكر ) - وواضحٌ أنه حينما تأتي لنا بطريقٍ فلابد وأن يكون الطريق صحيحاً إذ لو لم يكن صحيحاً إلى ابن أبي عمير فلعل أحدهم قد كذب واختلق هذا الطريق- وهذا طريق معتبر.