36/12/20


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة,18[1] .

الدليل الثالث: رواية أبي بصير (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار ، فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال)[2]

ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة مثله ، إلا أنه قال : بعد زوال الشمس. وطريقه إلى سماعة تام, وهو (وما كان فيه عن سماعة بن مهران فقد رويته عن أبي رضي الله عنه - عن علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى العامري ، عن سماعة بن مهران)[3] ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله.

فالرواية معتبرة سنداًويشكل على الاستدلال بهذه الرواية أن التعبير الوارد فيها بكلمة (لا ينبغي) وفيها بحث طويل في انها ظاهرة في التحريم؟ أم لا؟

فقد يقال بأن معنى (لا ينبغي) عدم المناسبة كما في قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }[4] أي لا يناسبه ذلك, وقد يكون مراد الامام عليه السلام (لا ينبغي له أن يكرهها) أن هذا العمل ليس مناسباً له بأعتباره انساناً مسلماً ملتزماً بالأحكام الشرعية, والظاهر أن عدم المناسبة اعم من التحريم, فالمكروه لا يناسب المسلم بنحوٍ من الانحاء, فهي من قبيل مادة الأمر على القول بأنها موضوعة لمطلق الطلب حيث انها يمكن أن تطبق على الوجوب والاستحباب, ولا يمكن أن نستظهر منها الوجوب من دون قرينةٍ, وكذلك (لا ينبغي) في المقام, وحينئذ لا يمكن الاستدلال بها على التحريم, بل فهم جمع من الفقهاء من قول (لا ينبغي) الكراهة.

ومن هنا تكون النتيجة التي نصل اليها بحسب الصناعة عدم وجود دليل واضح على تحريم اكراه الزوجة الصائمة على الجماع وان كان ذلك مفسداً لصومها, وبالرغم من ذلك فالاحتياط الوجوبي متعين في المقام بأعتبار أن المشهور _خصوصاً المتأخرين منهم_ ذهب إلى الحرمة, وان التعبير في الرسائل العملية ليس بالحرمة وإنما ب ( كان اثماً) ويمكن أن يفسر بما هو أعم من التحريم, فالإثم الذي يترتب عليه العقاب اعم من التحريم, ففي بعض الموارد يترتب استحقاق العقاب(والاثم) من دون تحريم كما في باب التجري , فالتعبير المناسب هو ما ذكره المتأخرون (كان اثماً) لأنه لا يبعد أن يكون اثماً لكن اثبات التحريم مشكل.

 

الحكم الثالث: وهو قوله (وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة إشكال)[5]

وفرق هذا الحكم عما سبق(الاول) هو أن المقاربة في السابق كانت محرمة عليها (بغض النظر عن الاكراه), أما في المقام فلا حرمة عليها لأنها نائمة ولا حرمة على الزوج لأنه ليس صائماً, وحينئذ ينحصر وجه التحريم في المقام بدعوى مبغوضية الفعل للشارع حتى اذا صدر بلا اختيار ولا ارادة, فيقال بأن الفعل يحرم على الزوج لأنه سيوجد ما هو مبغوض للشارع.

واستشكل في جواز ا لمقاربة (كما ذكر ذلك السيد الماتن) وقد علق على ذلك السيد الحكيم (قد) في المستمسك (يبتني على ثبوت الحق وعدمه في المقام ، نظير ما تقدم في الاكراه)[6] .

والظاهر عدم حدوث ما يرفع الحق الثابت للزوج في حال عدم كونها صائمة, فلا الزوج يرتكب حراماً في ذلك ولا المقاربة توجب فساد الصوم _ بخلاف الاكراه حيث يوجب فساد الصوم_ ولا يحرم عليها ذلك لأنها نائمة.

وأما مسألة مبغوضية الفعل فأن هذه دعوى عهدتها على مدعيها, لعدم وضوح أن ذلك في كل حرام وقد تقدم أن اهتمام الشارع في بعض المحرمات_ كقتل النفس المحترمة _ يظهر منه عدم رضاه بتحققها وحصولها بأي شكل من الاشكال.

ونحن لا نتكلم في المقام عن المصلحة والمفسدة لكي يقال بأن وجود المصلحة أو المفسدة في الفعل ليس له علاقة بصدور الفعل عن اختيار أو صدوره عن عدم اختيار, لأن كل من المصلحة أو المفسدة امر تكويني وهو موجود في الفعل على حل حال, وهو ليس منوطاً بأن يكون الفعل اختيارياً للمكلف فشرب الخمر فيه مفسدة سواء صدر عن اختيار أو لا عن اختيار.

ولكن كلامنا ليس في المصلحة والمفسدة وإنما في المبغوضية, أي أن الفعل مبغوض للشارع وهل أن المبغوضية تتحقق حتى وان صدر الفعل من المكلف بلا اختيار؟ أو لا؟

اذا قسنا المولى الحقيقي بالمولى العرفي يكون الجواب هو الاول, لأن مبغوضية المولى العرفي للفعل تكون منوطة بمقدار تضرره به, فالمولى يكره الفعل الذي يتضرر به سواء صدر من المكلف عن اختيار أو عن اضطرار.

لكن المولى الحقيقي ليس كذلك فالمعيار في كراهيته للفعل ليس تضرره بالفعل لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من اطاعه, و إنما الميزان في كراهيته للفعل هو تمرد العبد وخروجه عن مراسم العبودية.

وكلا الملاكين _تضرر المولى من المعصية وتمرد العبد_ غير متحققين في محل كلامنا, أما الملاك الاول فلأنه غير وارد في مقام المولى الحقيقي وأما الملاك الثاني فلم يتحقق التمرد على المولى لأن الزوجة نائمة ولم تكن في مقام التمرد, ولا توجد الملاكات الاخرى للمبغوضية كما في قتل النفس المحترمة وامثالها, وحينئذ لا وجه لجعل هذا الفعل مبغوضاً للشارع ومن هنا يظهر أن الاشكال الذي ذكره السيد الماتن في جواز المقاربة غير تام, لأن حق الزوج ثابت في المقام وحينئذ لابد من الالتزام بجواز المقاربة, وبالرغم من ذلك فالاحتياط في محله في المقام.

قال الماتن

( مسألة 19 ) : (من عجز عن الخصال الثلاث في كفارة مثل شهر رمضان تخير بين أن يصوم ثمانية عشر يوما أو يتصدق بما يطيق ولو عجز أتى بالممكن منهما وإن لم يقدر على شيء منهما استغفر الله ولو مرة بدلا عن الكفارة وإن تمكن بعد ذلك منها أتى بها)[7]

والكلام يقع في حال العجز عن جميع الخصال لا عن احداها لأنه تنتقل وظيفته إلى احد الفردين الاخرين, ومن هنا يظهر أن بعض الروايات وكذلك كلمات بعض الفقهاء كما في الشرائع وغيرها, التي يظهر منها غير ذلك لابد من تقييدها بما اذا عجز عن جميع الخصال كما في صحيحة عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا ، قال : يتصدق بقدر ما يطيق)[8] .

ولا اشكال في الانتقال إلى الوظيفة الاخرى في الكفارة سواء كانت الكفارة مخيرة أم مرتبة وقد صرح بذلك في الكفارة المرتبة(أن لم يتمكن من العتق يجب عليه صوم شهرين متتابعين وان لم يتمكن من ذلك يجب عليه اطعام ستين مسكيناً)

وهناك خلاف في حكم من عجز عن الخصال الثلاث بعد أن وجبت عليه الكفارة وفي المسألة اقوال:

القول الاول: وجوب صوم ثمانية عشر يوماً كما عن المفيد والسيد المرتضى وابن ادريس الحلي.

القول الثاني: وجوب التصدق بما يطيق كما عن الاسكافي والصدوق وصاحبي المدارك والذخيرة من المتأخرين.

القول الثالث: وجوب الاول_ أي أن يصوم ثمانية عشر يوماً_ ومع العجز عنه يجب الثاني_ يتصدق بما يطيق_ كما عن العلامة في بعض كتبه.

القول الرابع: يتخير بينهما _صوم ثمانية عشر يوماً وبين التصدق بما يطيق واختاره السيد الماتن والعلامة في المختلف والشهيدين في الدروس والمسالك.

ولم يُذكر الجمع بين القولين _صوم ثمانية عشر يوماً والتصدق بما يطيق_ كقول مع أنه احد المحتملات في المسألة وذهب إليه بعضهم.

إذن المحتملات في المقام خمسة ولعل الاقوال خمسة ايضاً ومنشأ هذا الاختلاف هو اختلاف الروايات.