36/12/01


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة,14[1] .
أما بالنسبة إلى الصورة الاولى: (ما اذا اكرهها في الابتداء وفي الاستدامة) وقد ذهب المشهور إلى أن عليه كفارتين وتعزيرين خمسين سوطاً, بل اُدعي على ذلك الاجماع_ ذكر المحقق في المعتبر (لكن علمائنا ادعوا على ذلك اجماع الامامية)[2] (أي اجماعهم على أن على الزوج كفارتين وتعزيرين خمسين سوطاً) _ ولم يُنقل الخلاف _ في تحمل الزوج الكفارة عن الزوجة _ الا عن العماني كما نقل ذلك العلامة في المختلف, والذي يظهر أن العماني انكر هذا الشيء تمسكاً _ على ما قالوا _ بالأصل فأنه قد يرى ما دل على ذلك غير تام, وبأعتبار أن صوم المرأة صحيح فلا موجب لكي يتحمل الزوج عنها الكفارة.
ويجاب عن التمسك بالأصل أن النوبة لا تصل إليه مع وجود الدليل, وسيأتي بيان امكان اثبات الدليل على ذلك.
وأما مسألة أنه لا يفسد صومها فهو اول الكلام وقد تقدم منا التفريق بين مسألة الالجاء (الاجبار) وبين الاكراه الاصطلاحي فهو عبارة عن التوعد بأنزال الضرر بهذا الشخص اذا لم يفعل كذا, وهو يبطل الصوم, وفي المقام يبطل صومها بالجماع الذي اكرهت عليه, وحينئذ يمكن افتراض وجوب الكفارة عليها.
مضافاً إلى أنه لا منافاة بين تعدد الكفارة على الزوج وبين صحة صومها, فلو سلمنا بصحة صومها, فأن ذلك لا ينافي وجوب كفارتين على الزوج لإمكان أن تكون الكفارة الثانية على اكراه الزوجة على الجماع لا على افساد صومها.
ويدل على وجوب كفارتين على الزوج رواية المفضل بن عمر ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أتى امرأته هو صائم وهي صائمة، فقال : إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطا)[3]
ويروي هذه الرواية الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي, والشيخ المفيد يرويها في المقنعة مرسلة, والشيخ الطوسي يرويها بأسناده إلى الشيخ الكليني فترجع إليه, فيبقى لها طريقان طريق الشيخ الكليني وطريق الشيخ الصدوق.
وطريق الشيخ الكليني ذكره بهذا الشكل(محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن عبدالله بن حماد، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله ( عليه السلام )) و هذا الطريق بقطع النظر عن المفضل بن عمر فيه ابراهيم بن اسحاق الاحمر وهو ضعيف وقد نص النجاشي على ذلك.
وطريق الشيخ الصدوق في الفقيه يبدأه بالمفضل بن عمر _كما هي عادته_ وطريق الشيخ الصدوق إلى المفضل بن عمر في المشيخة فيه محمد بن سنان, ولم تثبت وثاقته عندنا, فسند الرواية مخدوش من هذه الجهة.
هذا الكلام بالنسبة إلى سند الرواية, أما الكلام في دلالتها فأنها واضحة الدلالة والقدر المتيقن منها دلالتها على ما اذا كان الاكراه مستمراً .
والذي يمكن أن يقال في المقام هو أن هذا الحكم على خلاف القواعد من جهتين:
الجهة الاولى: أن المرأة مكرهة على الجماع والاكراه وان كان يوجب بطلان الصوم الا أنه لا يوجب الكفارة, فالكفارة يعتبر فيها الاختيار, فهي اساساً لا كفارة عليها فلا معنى لتحمل الزوج الكفارة عنها.
الجهة الثانية: لو تنزلنا وقلنا بوجوب الكفارة عليها, فلا معنى لتحمل الزوج هذه الكفارة عنها فأنه على خلاف القاعدة ويحتاج إلى دليل.
قد يقال بإمكان الاستدلال على هذا الحكم بالإجماع المدعى أو بدعوى جابرية عمل المشهور لرواية المفضل بن عمر.
وهذان المستندان لهما ثمرة عملية فإذا كان المستند هو الاجماع فهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن, وهو صورة الاكراه في الابتداء والاستدامة, فلا يشمل صورة الاكراه في الابتداء دون الاستدامة.
بينما اذا كان المستند هو الرواية بعد تصحيحها سنداً, فأنها تشمل بأطلاقها جميع صور الاكراه سواء كان الاكراه في الابتداء والاستدامة أو في الابتداء دون الاستدامة.
وتتميم المستند الثاني تابع للأيمان بكبرى الجابرية (فهل أن عمل المشهور بالرواية يجبر ضعف سندها؟ أو لا ؟) مضافاً إلى الايمان بالصغرى( أي أن المشهور استند في فتواه إلى هذه الرواية) وكل منهما غير ثابت عندنا.
أما دعوى الاجماع
فقد يقال لأول وهلة بأنه اجماع مدركي, لأن الحكم بهذا الترتيب مع كونه مخالفاً للقاعدة لا مستند له الا رواية المفضل بن عمر, لكن يمكن التأمل في هذا الكلام لأستبعاد استناد المجمعين إلى هذه الرواية اليتيمة, خصوصاً بعد كون الاجماع في محل الكلام ليس اجماعاً عادياً, وإنما هو اجماع ادعاه علمائنا قبل المحقق, ومثل هذا الاجماع من المستبعد أن يكون مستنداً إلى هذه الرواية التي هي إما غير تامة سنداً أو على الاقل انها غير واضحة السند, فأستناد المجمعين _ الذين يمثلون الطبقة المتقدمة وعلى اختلاف مشاربهم ومدارسهم واماكن تواجدهم _ لهذه الرواية لا يخلو من بعد, خصوصاً لمثل هذه الرواية التي يغمز فيها الشيخ الصدوق عندما ينقلها في الفقيه فيقول (لم أجد [ شيئا في ] ذلك في شيء من الأصول وإنما تفرد بروايته علي بن إبراهيم بن هاشم)[4] وذكر (علي بن ابراهيم اشتباهاً) وقد بين ذلك الاشتباه المحقق فنقل عن الشيخ الصدوق بأنه لم ينقلها الا المفضل بن عمر, وهذا هو الصحيح فعلي بن ابراهيم ليس موجوداً في طريق الشيخ الصدوق, فالموجود فيه هو المفضل بن عمر.
وحينئذ يقال بأن مستند المجمعين لابد أن يكون شيئاً آخر واضح الدلالة على هذا الحكم ويكون امراً ثابتاً عندهم وبهذا يكون الاجماع اجماعاً تعبدياً لا مدركياً.
المحقق يؤيد هذا الكلام في المعتبر فيقول بعد أن ذكر هذه الرواية يقول (لكن علماؤنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية، ومع ظهور القول بها، ونسبة الفتوى إلى الأئمة يجب العمل بها. ولنا : نسبة الفتوى إلى الأئمة عليهم السلام، باشتهارها بين ناقلي مذهبهم، كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم مذاهبهم) [5]
وشاهدنا في هذا القول ما ذكره (رحمه الله) من تعبير ناقلي مذهب الائمة اتفقوا على هذه الفتوى ومن هنا يعلم أن هذا هو رأي المعصوم عليه السلام, وهكذا اجماع بهذه الشكل وبهذه السعة وبهذه الاهمية وبهذا القدم من المستبعد جداً أن يكون مستنداً إلى هذه الرواية التي يقول الشيخ الصدوق لم اجدها في شيء من الاصول وإنما تفرد في روايتها المفضل بن عمر.
تبقى مسألة تقييد الحكم بشهر رمضان كما قيد في المتن, لكنه غير موجود في الرواية, نعم لو كان المستند للحكم هو الاجماع _كما هو الظاهر_ فالقدر المتيقن منه هو شهر رمضان, لكن قد يقال بأنه حتى لو كان المستند هو الرواية فأنها مختصة بشهر رمضان بأعتبار أن ذلك يفهم من سياق الرواية , حيث ذكرت الكفارة والتعزير.
وعلى كل حال _ بناءً على ما هو الصحيح_ من المستند هو الاجماع لابد أن تكون الفتوى مختصة بخصوص شهر رمضان.
الصورة الثالثة: ما اذا طاوعته في الابتداء لا في الاستدامة. كما في قول الماتن (وأما إذا طاوعته في الابتداء....)[6]وحكمها حكم الصورة الثانية(ما اذا طاوعته في الابتداء والاستدامة), على كل منهما الكفارة والتعزير على القول به.
ولا نحتاج في ذلك إلى دليل خاص بل تدل عليه الادلة العامة الدالة على أن من افطر متعمداً فعليه كفارة, والافطار المتعمد يصدق على كل منهما فمقتضى اطلاق ادلة الكفارة وجوبها على كل منهما.
والفرق بين الصورة الثالثة والصورة الثانية هو لحوق الإكراه في الصورة الثالثة وهو لا يؤثر, لصدق الادلة العامة لها وانها افطرت متعمدة فتجب عليها الكفارة, بل يمكن الاستدلال برواية المفضل على فرض تمامية سندها فأنها تقول (وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة) فتشمل هذه الصورة ولم تشترط الرواية الاستمرار بالمطاوعة لكي تختص بالصورة الثانية (صورة المطاوعة ابتداءً واستدامةً).
الصورة الرابعة:ما اذا اكرهها في الابتداء وطاوعته في الاستدامة. كما في قول الماتن (وإن أكرهها في الابتداء ثم طاوعته في الأثناء...)[7]وفي حكمها قولان:
القول الاول: (وهو الذي اختاره السيد الماتن) أن عليها كفارة وعليه كفارة وعلى كل منهما تعزير على القول به.
القول الثاني: الذي ذكره السيد الماتن بعنوان احتياط اسحبابي, وهو أنه عليها كفارتان وعليها كفارة.
ويستدل للقول الاول بأمرين:
الاول: أن هذا هو مقتضى القواعد الاولية بأعتبار اطلاق ما دل على ترتب الكفارة على الافطار العمدي وهكذا في التعزير على القول به, فالأدلة تقول من افطر متعمداً في نهار شهر رمضان تجب عليه الكفارة, وهذه المرأة افطرت متعمدة في شهر رمضان وان كانت اكرهت على ذلك في البداية, ولا دليل على تحمل الزوج عنها تلك الكفارة.
وهذا الدليل مبني على امرين:
الاول: الالتزام بطرح الرواية السابقة (رواية المفضل بن عمر) وأما اذا صح سندها وامكن العمل بها فأنها تكون دليلاً على تحمل الزوج الكفارة عنها والتعزير كذلك على القول به, كما هو الحال في الصورة الاولى (ما اذا اكرهها واستمر الاكراه), وذلك لأن هذه الرواية تقول (إن كان استكرهها فعليه كفارتان) وهو يشمل هذه الصورة (الرابعة).
قد يقال بأن المراد (إن كان استكرهها فعليه كفارتان) حالة الاستمرار إلى الاخر.
فيجاب أن لا دليل على ذلك, فالرواية تشمل من اكرهها في البداية بلا تجوز ولا عناية.
الثاني: مسألة الالتزام بأن هذا الجماع الذي صدر في حال الاكراه لا يفسد صومها لكي يقال بأنه اذا طاوعته بعد ذلك يترتب عليها الكفارة لأنه يكون افطاراً للصوم الصحيح, أما اذا قلنا بأن الجماع عن اكراه يوجب فساد الصوم, فلا يترتب على مطاوعتها بعد ذلك شيء لأنه لا معنى للإفطار بعد الافطار فأن صومها قد فسد بالإكراه والمطاوعة لا تحقق افطاراً جديداً ليقال بأنها افسدت صومها متعمدةً فعليها الكفارة.