36/11/24


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

هذا وقد يقال:- إنّ المناسب هو الفصيل بين أصل قصد التصوير وبين قصد تصوير الحيوان.

فإذا لم يقصد التصوير أبداً كمن أمسك القلم ولم يكن قاصداً التصوير بأن كان قاصداً رسم بعض الخطوط العاديّة ولكن اتفاقاً حصلت صورة من هذه الخطوط - كصورة حيوان - ففي مثل هذه الحالة لا حرمة في حقّه؛ إذ لا يصدق عنوان ( صوّر ) أو ( مثّل ) أو ما شاكل ذلك لأنّه لم يقصد أصل التصوير.

وإذا كان قاصداً للتصوير ولكنّه لم يكن قاصداً لتصوير الحيوان - بناءً على حرمة تصوير ذي الروح فقط - ففي مثل هذه الحالة مادام هو قد قصد التصوير فيصدق عليه أنه ( صوّر ) و ( مثّل ) لأنه قاصدٌ لذلك ويبقى اعتبار قصد الحصّة الخاصّة - أي قصد تصوير الحيوان - يشكّ في اعتباره فيُنفى بإطلاق الأدلّة فإنها مطلقةٌ من هذه الناحية بعد فرض صدق عنوان التصوير.

ولا يشكل ويقال:- لماذا لم تتمسّك بالاطلاق في الحالة الأولى ؟

فالجواب واضحٌ:- وهو أنّه لا يصدق عنوان التصوير من دون قصد التصوير ، أمّا هنا فيصدق عنوان التصوير ، فالزائد نشكّ في اعتباره - وهو اعتبار قصد تصوير الحيوان - فننفيه حينئذٍ بإطلاق الأدلّة.

وهل هذا التفصيل وجيه ؟

والجواب:- يظهر أنّه لا بأس به بادئ ذي بدءٍ ، ولكن يمكن أن يقال:- إنّ هذا التفصيل مرفوضٌ من الزاوية المقصودة في البحث ، فإنّ المقصود في بحثنا هو ملاحظة أنّ هذا الشخص مخالفٌ للحرمة وبالتالي يستحقّ العقاب أو لا ؟ فكلامنا في العقوبة ، وأمّا أنَّ عنوان ( صوّر ) صادقٌ أو ليس بصادقٍ ، أمّا ملاحظة هذا وحده من دون أن نأخذه طريقاً إلى إستحقاق العقوبة فهو عقيمٌ وبلا فائدة ، وإذا كنّا نلاحظه فنحن نلاحظه من باب كونه طريقاً إلى استحقاق العقوبة.

وفي مقامنا نقول:-

إنّه في الحالة الأولى:- إذا لم يكن الشخص قاصداً للتصوير فإنّه لا يستحقّ العقوبة آنذاك لأنّه لم يقصد المخالفة ولم يقصد التصوير ، ولا يهم أنّه يصدق عنوان التصوير أو لا ، فإثبات أنّه لا يصدق عنوان التصوير عرفاً قد نسلّمه ولكنّه إثباتٌ لشيءٍ لا نفع فيه؛ إذ بالتالي ما دام الشخص لم يقصد أصل التصوير فلا يستحقّ العقوبة سواء فرض أنّه صدق عنوان التصوير أم لم يصدق.

وهكذا الحال في الحالة الثانية:- فإنّه قيل فيها يصدق عنوان ( صوّر ) و ( مثّل ) لأنّه قاصدٌ لأصل التصوير.

ونحن نعلّق ونقول:- هل هو قاصدٌ لتصوير الحيوان أو هو قاصدٌ لأصل التصوير ؟

إنّ المحرّم على ما فرضنا هو تصوير الحيوان ، أما أصل التصوير فليس حراماً ، فبالتالي هو لم يقصد إرتكاب الحرام - أي تصوير الحيوان - فلا يستحقّ العقوبة سواء صدق عنوان التصوير أم لم يصدق.

إذن اتضح أنّ هذا التفصيل لا وجه له للنكتة التي أشرت إليها ، فإنه مادام لم يقصد أصل التصوير - هذا في الحالة الأولى - ، أو لم يقصد تصوير الحيوان - هذا في الحالة الثانية - فهو ليس قاصداً لارتكاب الحرام فلا يستحقّ العقوبة ، والبحث عن أنّه يصدق عرفاً عنوان ( صوّر ) أو لا يصدق لا ينفع شيئاً لأنّ المفروض أنّ هذا الشخص لم يقصد الحرام في كلتا الحالتين فلا استحقاق للعقوبة.

وقد يقال كما قال السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب[1] :- حيث ذكر أنّ من لم يقصد تصوير الحيوان وإنما قصد رسم شيءٍ آخر أو إيجاده كالطائرة ولكنه يدري أنّ رسمها يساوي رسم الحيوان لأنّ شكلها كشكل الحيوان فهل يكفي هذا في صدق أنّه صوّر الحيوان بعد الالتفات أنّه يعلم بأنّ صورة هذه الطائرة شبيهة بالحيوان ولكنّه ليس قاصداً رسم الحيوان وإنما قصد رسم الطائرة ؟ أو أنّه يريد أن يصنع طائرةً ولا يريد أن يصنع حيواناً ففي مثل هذه الحالة هل تثبت الحرمة ؟

هنا قال السيد اليزدي(قده):- إنّه مدامت تعلم أنّ المرسوم يشابه الحيوان الطائر ففي مثل الحالة يصدق أنك صوّرت الحيوان الطائر وإن لم تكن قاصداً لكنّك تعلم أنّ هذا المرسوم يشابه صورة الطائر ، فالبتالي هو يشابه صورة الطائر وهذا يكفي في صدق أنّك صوّرت الحيوان الطائر.

أقول:- إنَّ لازم كلامه هذا سوف يصير صنع طائرات التي من هذا القبيل حرام ، اللهم إلا أن نثبت الجواز من حيث الضرورة والاصطرار ، وإلا لولا ذلك فلا يجوز حينئذٍ.

وهل هذا صحيحٌ أو لا ؟

والجواب:- إنَّه مادام لم يقصد رسم الطائر فعرفاً يصدق عليه أنّه رسم مايشبه صورة الطائر لا أنه رسم طائراً وأوجد طائراً ، ولذلك لا يقال عرفاً أنَّ هذا أوجد طائراً ، نعم هو أوجد ما يشبه الطائر لا أنه أوجد حيواناً طائراً ، والحكم منصبٌّ على إيجاد الطائر أو رسم نفس الطائر لا ما يشبهه ، فالعرف هنا يرى مدخليّةً للقصد في هذه الحالة فيقول صحيحٌ أنت قاصد الرسم ولكن في الحقيقة لم تقصد رسم الحيوان بل قصدت رسم الطائرة فلا يصدق عليك أنّك رسمت الحيوان الطائر بل يصدق عليك أنّك رسمت شيئاً يشبه الحيوان الطائر ، والدليل إنما دلّ على حرمة رسم نفس الطائر لا ما يشبهه ، ولذلك لا موجب للحرمة من هذه الناحية.

والنتيجة من كلامنا في هذا الأمر:- هي أنّ قصد أصل التصوير وقصد رسم الحيوان معتبرٌ في استحقاق العقوبة ، ومن دون ذلك لا يستحقّ العقوبة للنكتة التي أشرنا إليها إذ لا عقوبة على غير القاصد ، وأمّا بالنسبة إلى من كان قاصداً لرسم شيءٍ يشبه الحيوان الطائر لا أنّه كان قاصداً له فهنا يمكن أن يقال بأنَّ الحق مع الشيخ الأعظم(قده) وهو أنّ القصد معتبرٌ وبالتالي لا يصدق عليه أنّه رسم الطائر بل رسم ما يشبهه فلا حرمة في حقّه أيضاً ، وما أفاده السيد اليزدي(قده) لا يكفي في إثبات الحرمة.

الأمر السادس:- لو فرض أنّ شخصاً أكره غيره على رسم الحيوان ، فالحرمة على المـُكرَة ليس موجودةٌ جزماً ، ولكن هل الحرمة ثابتة في حقّ المـُكرِه أو لا ؟

والجواب:- قال السيد اليزدي(قده) في حاشيته على العروة[2] إنّ المكرِه يُنسَب إليه التصوير ويستحقّ العقوبة إذ يقال هو الذي رسم.

وأضاف حالةً ثانيةً:- وهي أنّه لو قال الوالد للطفل - الذي ليست عنده إرادة واختيار - ( ارسم صورة الحيوان هذه ) فهنا أيضاً يُنسَب الرسم إلى الوالد لأنّ صاحب الإرادة هو الوالد وأمّا الطفل فلضعف إرادته لا ينتسب إليه الفعل ، فالإثم إذن موجودٌ في حقّ المــُكرِه أو هذا الوالد.

وذهب السيد الخميني(قده) في مكاسب المحرمة[3] إلى أنّ المدار على المباشرة:- فمن باشر التصوير يصدق عليه أنّه صوّر ، أمّا من لم يباشر فلا يصدق عليه ذلك ، وعلى هذا الأساس نلتزم بأنّ المعامل التي تصنع الدمى ، فإنه توجد مكائن تصنعها ودور العامل هو أن يوصل السك الكهربائي مثلاً والآلة هي التي تصنع الدمى ، فهنا يمكن أن نقول بأنَّ هذا العامل لا حرمة في حقّه لأنّه ليس بمباشرٍ ، نعم هو أوجد الدمى - أوجد الحيوان - ولكن لا يصدق عليه أنّه ( صوّر ) أو ( مثّل ) والأدلّة أخذت عنوان صوّر - وهذا قد ذكرنا فيما سبق بمناسبة -.

ونظير هذا صاحب المطبعة ، فهو حينما يشغّل آلة الطباعة وتخرج الكتب فهل يقال بإن هذا كتب كتاباً ؟ كلّا بل يقال هو قد أوجد الكتب لا أنّه كتب كتباً ، وإنما ( كتب ) يصدق على من مارس الكتابة بيده أمّا من لم يمارسها فهو قد أوجد الكتاب لا أنّه كتبه ، والأدلّة أخذت عنوان ( صوّر ) و (مثّل ) ولم تأخذ عنوان إيجاد الصورة ، فإذن لا حرمة في حقّه.

نعم لو فرض أنّا استفدنا من الأدلّة مبغوضية وجود الصورة والدمية بأيّ شكلٍ من الأشكال - كما يقال في الزنا فإنّ الشارع يبغض وجوده وكذلك الحال بالنسبة إلى الخمر - فنعم لا يجوز إيصال السلك حينئذٍ لأنّه سوف تتحقّق الدمية والحال أنّ الشارع يبغض وجودها بأيّ شكلٍ من الأشكال ، ولكن استفادة ذلك من الأدلّة شيءٌ صعبٌ ولذلك جوّزنا بقاء الدمية - يعني أنَّ الدمية بعد صنعها لا بأس بإبقائها - وإنما الحرام هو صنعها ، فهذا نستفيد منه أنّ مطلق وجودها ليس مبغوضاً.

إذن هذا فارقٌ بين السيد اليزدي وبين السيد الخميني.


[1] الحاشية على المكاسب، اليزدي، ص19.
[2] الحاشية على العروة، اليزدي، ص20.
[3] المكاسب المحرمة، الخميني، ج1، ص269.