37/03/14


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) هل يجوز قراءة المراثي بالطريقة الغنائية ؟ - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وأمّا الخامس[1] :- فهو لا يدلّ على جواز الغناء إذ لعلّ الحالة التي كانوا يقرأون أو ينشدون بها كانت هي حالة غير غنائية - أي كانت حالة متعارفة - فكيف نثبت آنذاك جواز الغناء في المراثي.

وبكلمة أخرى:- إنّ الحكم المذكور صادر بحو القضيّة الخارجيّة وليس بنحو القضيّة الحقيقيّة والاطلاق إنما يصحّ التمسّك به في القضايا الحقيقيّة دون الخارجيّة ، فلو فرض أن القضية كانت حقيقية كأن الإمام عليه السلام هكذا قال ( ما ينشد به الناس في كل عصر فاقرأوا به وأنشدوا به ) فهنا يصحّ التمسّك بالإطلاق ، وعلى هذا الأساس نقول إنَّ ما ينشد به الناس - أو ما عليه الناس - في بعض العصور يكون بشكلٍ غنائي ومقتضى الاطلاق الجواز لأنّ الإمام عليه السلام قال أنشدوا كما ينشد الناس في كلّ عصرٍ ومقتضى الاطلاق أنّه سواء كان انشادهم بنحوٍ غير غنائي أو بنحوٍ غنائي فهو جائز.

وأمّا إذا كانت خارجيّة كما هو المفروض في الرواية ، يعني أنَّ الإمام عليه السلام كان يشير إلى الإنشاد الذي كان متعارفاً بالعراق أو كان متعارفاً بنحوٍ رقيقٍ فيما بينهم فحينئذٍ هذا لا يمكن أن يتمسّك بإطلاقه إذ الاشارة إلى موضوعٍ خارجيّ وحالةٍ خارجيّةٍ فكيف يتمسك بالإطلاق ؟!!

إذن لا يصحّ التمسّك بهذا البيان حتى بنحو المؤيد مادامت القضيّة خارجيّة ، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق.

وأنا لا أحتاج في مقام المناقشة إلى الجزم بكون القضيّة خارجيّة - والظاهر أنها خارجيّة لأنّ الإمام عليه السلام يشير إلى الواقع الموجود - بل يكفيني أن يكون ذلك احتمالاً وجيهاً فالإطلاق حينئذٍ لا يصحّ التمسّك به.

وأمّا بالنسبة إلى السادس[2] فيردّه:- إنّ التمسّك بذلك وجيهٌ إذا فرض أنّ المورد كان من مصاديق الإعانة على البرّ ، فإذا جزمنا بأنّ المورد من تلك المصاديق فلا بأس بالتمسّك بالإطلاق وحصول المعارضة آنذاك والرجوع إلى الأصل بعد المعارضة.

ولكن من قال إنّ المورد كذلك - يعني أنّي أعينه بواسطة الغناء على البكاء - وهل هذه إعانة على البرّ ؟! فإذا فرض أنّ الغناء كان جائزاً فهذه إعانة على البرّ ، وإذا لم يكن جائزاً فليست هذه من الاعانة على البرّ بل هي إعانة بالوسيلة المحرّمة فيكون محرّماً ، أنّما يكون المورد من الاعانة على البرّ - والتي هي الراحجة والمحبّبة - إذا فرض أنّه ثبت في المرحلة السابقة أنّ الغناء في موارد المراثي جائزٌ فسوف يكون هذا إعانة على البرّ ، ولكن المفروض أنّنا الآن نريد أن نثبت جوازه ، فالمورد إذن يشكّ في كونه مصداقاً لعنوان الإعانة على البرّ والتمّسك بالإطلاق - أو العام - في الشبهة المصداقية لا يجوز.

إذن لا يمكن أن نجعل معارضةً بين الاطلاقين ، فيبقى إطلاق أدلّة حرمة الغناء على حالة من دون معارضة بالإطلاق الآخر لأنّ الإطلاق الآخر لا يصحّ التمسّك به لكون المورد من الشبهة المصداقيّة.

إذن هذا الوجه لا يصحّ التمسّك به حتى على مستوى التأييد ، بل التأييد لا معنى له أصلاً.

وأمّا بالنسبة إلى الوجه السابع[3] :- فقد تقدّمت الإشارة إليه عندما نقلنا رأي السيد الخوئي(قده) ، فإنا ذكرنا في النقطة الثانية من نقاط مسألتنا تحت عنوان ( أنّه هل يشترط في صدق عنوان أو حرمته بطلان المادّة ؟ ) ونقلنا رأي السيد الخوئي(قده) وقلنا إنّه يظهر من كلماته أنّ له ثلاث آراء أحدها هو أنّه إذا كان الكلام كلام حقٍّ فعنوان الغناء لا يصدق ، وكأنما يشترط(قده) في صدق عنوان الغناء عرفاً بطلان المادّة ، وقلنا بأنه تراجع عن هذا الرأي لأنّه ذهب في متن المنهاج إلى حرمة الغناء مطلقاً من دون تفرقةٍ بين بطلان المادّة أو حقّانيتها ، وقد تمسّكنا في مناقشته وردّه بما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب من أنّه لو سمعنا صوتاً من مكانٍ بعيدٍ موجباً للطرب ولكن لبعده لا نميّز ألفاظه فهنا هل نتوقّف عن الحكم بكونه غناءً حتى نتبيّن ألفاظه فإن كانت باطلةً حكمنا بكونه باطلاً ؟!! كلّا بل نحكم بكونه غناءً رأساً فإنه مادام اللحن والطور والكيفيّة موجبةٌ للطرب فنحكم بكونه غناءً من دون توقّفٍ ، هذا ما ذكرناه في مقام الرد على السيد الخوئي والآن نذكره نفسه في الردّ على هذا الوجه.

اللهم إلا أن يقول قائل دفاعاً:- إنّه إذا فرض أنّ الصوت لا نميّز ألفاظه ومضامينه فلا يشترط في صدق الغناء بطلان المادّة بل يحكم العرف بكونه غناءً ، وأمّا إذا كان قريباً منّا وكانت المضامين حقّة فهنا لا يصدق عنوان الغناء والعرف لا يقول بأنّ هذا غناءً ، فنفرّق بين هاتين الحالتين.

وإذا فصلّنا هكذا فما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من الردّ على هذا الوجه لا يكون صالحاً ، بل يكون مرفوضاً؛ إذ يمكن لصاحب هذا الوجه المفروض أنّ يقول إنَّ الألفاظ لا تميّز وإذا لم تميّز الألفاظ فالصحيح هنا أنّ العرف يحكم بكونه غناءً أمّا إذا كان الصوت قريباً فلا يحكم بكونه غناءً مادام العرف قد لاحظ أنّ المضامين ضامينٌ حقّة.

أقول:- إنَّ هذا الاحتمال بعيدٌ جداً في حدّ نفسه ، وهو موهونٌ.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّه لا موجب لاستثناء المراثي من حرمة الغناء ، وإذا لم نفت بذلك - أي بتعميم الحرمة - فلا أقل من الاحتياط الوجوبي بالترك ، باعتبار أنّ الكيفية الغنائية لا تتلاءم مع ذكر مصاب أهل البيت عليهم السلام ، بل قد يعدّ ذلك هتكاً واستهانةٍ بعظمة المصاب وعظمة صاحبه.

إن قلت:- إنّ الذي يقرأ لم بقصد الاهانة ؟

قلت:- إنّ عنوان الإهانة لا يتوقّف على القصد ، كما لو فرض أنّ شخصاً يمدّ رجله القرآن الكريم تحتها أو أمامها ويقول إنّي لم أقصد الإهانة بلّ مددتها لأجل أنّها متعبة ، فهنا تصدق الإهانة قصد ذلك أم لم يقصد.

إذن توجد بعض العناوين لا يتوقّف تحقّقها على القصد ، وعلى هذا الأساس يصدق عنوان الإهانة.

ومن هنا ينبغي الالتفات إلى مسألة:- وهي أنّه عندما نريد الصلاة في الحضرة المباركة يكون في التقدّم على القبر الطاهر في الصلاة نحوٌ من الإهانة ، فلو فرض أنّ شخصاً قال إنّي لم أقصد الإهانة ، فنقول له:- إنك حتى إذا لم تقصدها فهي إهانة.

الاستثناء الثاني:- الحُداء ، وهو صوتٌ يرجّع فيه للسير بالإبل.

وقد وقع الكلام في أنّه يستثنى من حرمة الغناء أو لا ؟

وقد ذكر صاحب الجواهر(قده) أنّ جماعة استثنوه من ذلك حيث ذكر أنه:- ( استثناه المحقّق في باب الشهادات والفاضل والشهيد والخراساني ، بل ربما قيل إنّه المشهور )[4] .

إذن ربما يدّعى وجود شهرةٍ على استثنائه.

ولكنّ قبل أن نتعرّض إلى أنّه مستثنىً أو لا لابد وأن نعرف هل أنّه من مقولة الغناء حتى يحتاج إلى استثناء أو أنّه شيءٌ آخر غير الغناء ؟

يمكن أن يقال:- هو ليس من جنس الغناء ومقولته ، وبناءً على هذا لا يكون جوازه من باب التخصيص والاستثناء وإنما من باب التخصّص ، فإنّه خارجٌ من الغناء تخصّصاً لا أنّه خارج من الحكم تخصيصاً.

وهذا احتمال وجيهٌ وقد ابرزه صاحب الجواهر(قده) حيث ذكر ما نصّه:- ( ربما ادّعي أنّ الحُداء قسيم للغناء بشهادة العرف وحينئذٍ يكون خارجاً عن الموضوع لا عن الحكم ، ولا بأس به )[5] .


[1] وهو قوله عليه السلام لأبي هارون ( أنشدني كما تنشدون ... ).
[2] أعني المعارضة بين اطلاق دليل حرمة الغناء واطلاق ما دل على رجحان التعاون على البرّ.
[3] وهو أن الغناء لا يصدق في المراثي.