37/04/01


تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.
الأمر الثاني: صورة عدم المراعاة مع العجز عنها كما في الاعمى والمحبوس.
فهل يستفاد من الروايات وجوب القضاء مع ترك المراعاة للعجز عنها وتبين الخلاف كما هو الحال فيما لو ترك المراعاة مع القدرة عليها؟؟
فالمنسوب إلى المشهور نفي القضاء وانه يَفهم من الروايات اختصاصها بالقادر وعدم شمولها للعاجز, بل في بعض الكتب الاستدلالية نفي وجدان الخلاف فيها, بينما ذهب جماعة إلى وجوب القضاء وانه لا فرق بين القادر وبين العاجز, والظاهر أن هذا الخلاف ناشئ من اختلافهم في فهم الروايات وهل فيها اطلاق يشمل العاجز؟؟ أو انها مختصة بصورة القدرة؟
والظاهر أن المشهور _على فرض صحة النسبة إليه_ يرى اختصاص الروايات بالقادر, ويطبق مقتضى القاعدة التي يؤمن بها على العاجز, والقاعدة هي الاصل _كما تقدم_ وعدم وجوب القضاء ولذا نفى القضاء عن العاجز, في حين اصحاب الرأي الاخر يرون اطلاق الروايات وشمولها للعاجز فتكون دليلاً على وجوب القضاء عليه.
وعلى كل حال لابد من ملاحظة نصوص الباب لنرى مدى صدق دعوى اختصاص هذه الروايات بالقادر _ بالتبادر أو بالانصراف_ كما ذكروا, أو أن الدعوى المقابلة هي الاصح أي أن الروايات مطلقة ومقتضى الاطلاق شمولها للقادر والعاجز.
اولاً: موثقة سماعة وتقريب اطلاقها للعاجز يكون بدعوى اطلاق التعليل المذكور في ذيلها (لآنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة) فهو مطلق يشمل العاجز, فالعاجز ايضاً اكل قبل النظر فهو وان كان عاجزاً عن النظر الا أن الرواية تشمل عدم النظر مطلقاً سواء مع القدرة عليه أو مع العجز عنه, وهذا نظير قول من صلى قبل أن يتوضأ فصلاته باطلة فأن الذي يفهم منها شرطية الوضوء في الصلاة ولا تختص بالقادر على الوضوء بل تشمل العاجز عن الوضوء فتكون صلاته باطلة ايضاً, فما في المقام كأنه يفهم منها قضية شرطية أي أن الشرط في عدم وجوب القضاء هو أن ينظر ثم يأكل فإذا اكل قبل أن ينظر وجب عليه القضاء, فالأعمى والمحبوس يصدق عليه أنه اكل قبل أن ينظر فيجب عليه القضاء.
لكن الظاهر أن هذا من الصعب الالتزام به لأنه خلاف ظاهر الرواية لأن موردها كما يظهر من صدرها هو القادر على النظر فهي تقول (قال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه) فالرواية تقول بأن هذا الشخص القادر على النظر اذا اكل قبل النظر يجب عليه القضاء واذا اكل بعد النظر لا يجب عليه القضاء إذن هي عندما تدل على وجوب القضاء تدل على ذلك على شخص قادر على النظر لم ينظر واكل قبل أن ينظر وحينئذ كيف يمكن تعميمه إلى شخص غير قادر على النظر؟؟ كما لو كان هناك مانع يمنع من أن يراعي وينظر, وحينئذ لا يستفاد من الرواية حكم العاجز, وأما التعليل في ذيل الرواية (لآنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة) فأن الضمير في (لأنه) يعود إلى ما تقدم أي إلى القادر الذي فُرض في صدر الرواية وحينئذ لا يمكن الاستفادة من هذا التعليل الا بهذه الحدود ولا يمكن تعميمه إلى غيره, ولا يمكن الاستفادة من الرواية أن العلة في وجوب القضاء هي مطلق الاكل قبل النظر, ولا اقل من اننا نشك في شمول الرواية للعاجز.
ثانياً: قد يقرب شمول صحيحة معاوية بن عمار للعاجز بهذا الشكل _ صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : آمر الجارية ( أن تنظر طلع الفجر أم لا) فتقول : لم يطلع بعد، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال : اقضه، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء)[1]_ أن يقال أن المستفاد من ذيل الرواية (أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء) حصر نفي القضاء بما اذا نظر بنفسه, فلا يجب عليه القضاء عند تبين الخلاف, وحينئذ يجب القضاء في غير هذه الحالة وتشمل مورد الرواية (نظر الجارية) وكذلك تشمل العاجز لأنه لا يدخل في هذا الذيل فيصدق عليه أنه لم ينظر بنفسه وان كان ذلك لعجزه, فيثبت وجوب القضاء بالنسبة إلى العاجز, والسيد الحكيم (قد) في المستمسك مصر على اطلاق الروايات للعاجز, ولعله يقصد هذا الوجه.
لكن هذا الوجه ليس واضحاً ايضاً لأن المفروض في هذه الرواية هو القدرة على المراعاة بأعتبار أن السائل في الرواية يقول (آمر الجارية ( أن تنظر طلع الفجر أم لا) فتقول : لم يطلع بعد، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت) إذن هو قادر على الرؤية ثم نظر بعد ذلك فوجد أن الفجر قد طلع من حين نظرت, وعندما فرض السائل قدرته على النظر قال له الامام عليه السلام (اقضه، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء) فكأن الامام عليه السلام يفصل في هذا الشخص القادر على المراعاة فأن لم يراعِ بنفسه بل كلف الجارية يجب عليه القضاء عند تبين الخلاف وبين ما اذا نظر بنفسه فحينئذ لا يجب عليه القضاء, فمقسم الرواية وموضوعها هو الشخص القادر على النظر والمراعاة فكيف نستفيد منها حكم العاجز؟؟!! مع احتمال أن لا يكون الحكم الثابت للقادر ثابت للعاجز حيث لا ملازمة.
هذا بالنسبة إلى هذه الروايات وتبين أن هاتين الروايتين لا تشملان العاجز وإنما تختصان بالقادر, لكن هذا لا يعني عدم الالتزام بوجوب القضاء على العاجز عملاً بمقتضى القاعدة, بل نلتزم بوجوب القضاء على العاجز كما ذهب إلى ذلك السيد الماتن ولم يفرق بين القادر والعاجز ويجب القضاء على كل منهما اذا تبين الخلاف, فنحن نلتزم بذلك لكن الدليل على وجوب القضاء على العاجز غير الدليل على وجوب القضاء على القادر, فالقادر يجب عليه القضاء تمسكاً بالروايات المتقدمة والعاجز يجب عليه القضاء على طبق القاعدة التي اسسناها سابقاً.
ذكر السيد الخوئي (قد) أنه يمكن الاستدلال_ على وجوب القضاء على العاجز في محل الكلام_ بأطلاق صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين ؟ قال : يتم صومه ذلك ثم ليقضه . . . الحديث)[2] فهي مطلقة تشمل كل رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين سواء كان قادراً أو عاجزاً عن النظر, والرواية تشمل من يراعي ومن لم يراعِ وتدل على وجوب القضاء في كل هذه الحالات, وقد خرجنا عن هذه الرواية في حالة واحدة وهي حالة القادر الذي يراعي بمقتضى موثقة سماعة وصحيحة عمار, لأن كل منهما يدل على أن القادر اذا راعى ثم تبين الخلاف لا يجب عليه القضاء, فيبقى الباقي داخلاً في صحيحة الحلبي ومنه العاجز فيجب عليه القضاء , فإذا تم هذا الكلام نكون قد عثرنا على دليل اجتهادي يدل على وجوب القضاء فيه بعد أن عجزنا عن اثبات اطلاق وشمول الادلة السابقة, لكن تمامية هذا المطلب لا يخلو من شيء بأعتبار أن الاستدلال بالرواية اساساً في محل الكلام لا يخلو من نوع من الغموض, لأن الرواية كأنه لم يفرض فيها تبين الخلاف (أي تبين أنه اكل بعد طلوع الفجر) الذي هو محل كلامنا فهي تقول (رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين) وهذا لا يعني أن الفجر كان طالعاً حينما تسحر, لا يقال أنه اذا لم يكن طالعاً حينما تسحر فعلى أي شيء يسأل السائلُ, فيجاب يمكن أن يكون شاكاً في أن طلوع الفجر حينما اكل أو إنه خرج بعد ذلك, اللهم الا أن يقال أن الرواية تقول وقد طلع الفجر وتبين أي صار واضحاً ونضم إلى هذا أنه عطف الخروج على التسحر ب (ثم) وهي تدل على الترتيب مع التراخي والمهلة ثم أنه وجد الفجر ظاهراً وواضحاً فهذا لعله يفهم منه أن الفجر كان طالعاً حين تسحر, وعلى كل حال فنظر الرواية إلى محل الكلام غير واضح وان كانت قد فهموها بهذا الشكل وقلنا عند الدخول في أول البحث انهم قالوا بأن صحيحة الحلبي مطلقة من حيث المراعاة وعدمها, وقالوا نقيدها بصحيحة معاوية وموثقة سماعة واعتبروها من ادلة الباب مع أنه يمكن التأمل في ذلك بأعتبار عدم صراحتها وعدم ظهورها القوي في انها ناظرة إلى صورة تبين الخلاف الذي هو محل الكلام.
قد يقال بإمكان استفادة تبين الخلاف من حكم الصحيحة بوجوب القضاء والا فلو لم يكن هناك تبين للخلاف_ حتى لو كان شاكاً_ كما لو كان اكل ثم خرج فنظر فإذا الفجر طالع فقد يقال بأنه لا وجه لوجوب القضاء عليه, بأعتبار أنه على الاقل يكون استصحاب بقاء الليل إلى حين السحور معه وقد يفهم من هذا أن فرض الرواية هو فرض تبين الخلاف وهذا الوجه لا بأس به في الجملة ولعله على اساسه جعلوا صحيحة الحلبي احد الادلة في المقام.