37/07/17


تحمیل

الموضوع: الصوم, شرطية الاسلام في التكليف.

الدليل الثاني: ما ذكره العلامة في المنتهى من الاستدلال ببعض الآيات الشريفة الدالة على وعيد المشركين بالعذاب عند مخالفتهم للتكاليف الشرعية كقوله تعالى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }42 {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }[1] وقوله تعالى ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ﴾31 ﴿ وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى [2] وقوله تعالى ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ {6}﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ[3] وقوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [4]

ودلالة الآيتين الاولى والثالثة واضحة أما الثانية والرابعة فبأعتبار رجوع العذاب والويل إلى الجميع كما ذكر العلامة.

وقد يعترض على ذلك

أما الآية الاولى فبدعوى أن الصلاة في قوله تعالى ﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ لا يراد بها الصلاة المعهودة أما لما ورد في بعض الاخبار من أن المراد (عدم تولي وصي محمد صلى الله عليه واله) والاوصياء من بعده كما في رواية الفضيل وغيره من تفسير علي بن ابراهيم وكذا رواية ادريس بن عبدالله وإما لما ذكره صاحب الميزان من أن المراد التوجه العبادي الخاص إلى الله تعالى واوضحه في مقام آخر من تفسيره بأن سورة المدثر الواردة فيها هذه الآيات من السور المكية كما يرشد إليه مضامين الآيات الواقعة فيها ولم يشرع يومئذ الصلاة والزكاة بالكيفية الموجودة اليوم فالمراد بالصلاة في قوله ﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ التوجه إلى الله تعالى بالخضوع العبودي دون الصلاة المعهودة في الشريعة الاسلامية.

اقول أما الأمر الاول فعمدة الروايات ما رواه الكليني _لأن ما في تفسير علي بن ابراهيم لم يعلم كونه رواية_ وهو روايتان:-

الاولى: رواية محمد بن الفضيل(عن أبي الحسن الماضي، عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، قلت: " والله متم نوره " قال: والله متم الامامة، لقوله عز وجل: " الذين آمنوا بالله ورسوله و النور الذي انزلنا " فالنور هو الامام.

قلت: " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق، قلت: " ليظهره على الدين كله " قال: يظهره على جميع الاديان عند قيام القائم، قال: يقول الله: والله متم نوره " ولاية القائم " ولو كره الكافرون " بولاية علي، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم أما هذا الحرف فتنزيل وأما غيره فتأويل.

قلت: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " قال: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمدا وأنزل بذلك قرآنا فقال يا محمد إذا جاء‌ك المنافقون (بولاية وصيك) قالوا: نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين (بولاية علي) لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله (والسبيل هو الوصي) إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا (برسالتك) وكفروا (بولاية وصيك) فطبع (الله) على قلوبهم فهم لا يفقهون" قلت: ما معنى لا يفقهون؟ قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك قلت: " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله "؟ قال: إذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم " لووا رؤوسهم " قال الله: " ورأيتهم يصدون (عن ولاية علي) وهم مستكبرون " عليه ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم، فقال: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " يقول: الظالمين لوصيك.

قلت: " أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم " قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لامره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: قلت: قوله: " إنه لقول رسول كريم "؟ قال: يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي عليه السلام، قال: قلت: " وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون "؟ قال: قالوا: إن محمدا كذاب على ربه وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآنا فقال: " (إن ولاية علي) تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا (محمد) بعض الاقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين " ثم عطف القول فقال: " إن (ولاية علي) لتذكرة للمتقين (للعالمين) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإن (عليا) لحسرة على الكافرين * و إن (ولايته) لحق اليقين * فسبح (يا محمد) باسم ربك العظيم " يقول اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.

قلت: قوله: " لما سمعنا الهدى آمنا به "؟ قال: الهدى الولاية، آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه، " فلا يخاف بخسا ولا رهقا " قلت: تنزيل؟ قال: لا تأويل، قلت: قوله: " لا أملك لكم ضرا ولا رشدا " قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش، فقالوا يا محمد اعفنا من هذا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا إلى الله ليس إلي، فاتهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله " قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله (إن عصيته) أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته (في علي) " قلت، هذا تنزيل؟ قال: نعم، ثم قال توكيدا: " ومن يعص الله ورسوله (في ولاية علي) فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا " قلت: " حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا " يعني بذلك القائم وأنصاره.

قلت: " واصبر على ما يقولون؟ قال يقولون فيك " واهجرهم هجرا جميلا * وذرني (يا محمد) والمكذبين (بوصيك) اولي النعمة ومهلهم قليلا " قلت: إن هذا تنزيل؟ قال: نعم.

قلت: " ليستيقن الذين اوتوا الكتاب "؟ قال: يستيقنون أن الله ورسوله و وصيه حق، قلت: " ويزداد الذين آمنوا إيمانا "؟ قال: ويزدادون بولاية الوصي إيمانا، قلت: " ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون " قال بولاية علي عليه السلام قلت: ما هذا الارتياب؟ قال يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين ذكر الله فقال: ولا يرتابون في الولاية، قلت: " وماهي إلا ذكرى للبشر "؟ قال: نعم ولاية علي عليه السلام، قلت: " إنها لاحدى الكبر " قال: الولاية، قلت: " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر "؟ قال: من تقدم إلى ولايتنا اخر عن سقر ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر " إلا أصحاب اليمين " قال: هم والله شيعتنا، قلت: " لم نك من المصلين "؟ قال: إنا لم نتول وصي محمد والاوصياء من بعده - ولا يصلون عليهم -، قلت: " فمالهم عن التذكرة معرضين "؟ قال: عن الولاية معرضين، قلت: " كلا إنها تذكرة"؟ قال: الولاية.

قلت: قوله: " يوفون بالنذر"؟ قال: يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا، قلت: " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا "؟ قال: بولاية علي عليه السلام تنزيلا، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم ذا تأويل، قلت: " إن هذه تذكرة "؟ قال: الولاية، قلت: " يدخل من يشاء في رحمته "؟ قال: في ولايتنا، قال: " والظالمين أعد لهم عذابا أليما " ألا ترى أن الله يقول: " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفهسم يظلمون " قال: إن الله أعز وأمنع من أن يظلم أو ينسب نفسه إلى ظلم ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه فقال: " وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم.

قلت: " ويل يومئذ للمكذبين " قال: يقول: ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية [علي بن أبي طالب عليه السلام] " ألم نهلك الاولين * ثم نتبعهم الآخرين " قال: الاولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الاوصياء " كذلك نفعل بالمجرمين " قال: من أجرم إلى آل محمد وركب من وصيه ما ركب، قلت: " إن المتقين "؟ قال: نحن والله وشيعتنا ليس على ملة إبراهيم غيرنا وسائر الناس منها برآء، قلت " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون. " الآية قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صوابا، قلت: ما تقولون إذا تكلمتم؟ قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا، قلت: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين " قال: هم الذين فجروا في حق الائمة واعتدوا عليهم، قلت: ثم يقال: " هذا الذي كنتم به تكذبون "؟ قال: يعني أمير المؤمنين، قلت: تنزيل؟ قال: نعم.)[5]

 

ويلاحظ عليها:

اولاً: انها مرسلة.

ثانياً: انها من باب التأويل والتفسير بالباطن وهو لا ينافي الاخذ بالظاهر ويظهر ذلك خلال ملاحظة تمام الرواية.

ثالثاً: اشتمالها على ما لا يلتزم به مثل قوله عليه السلام ( ... يقول الله: والله متم نوره " ولاية القائم " ولو كره الكافرون " بولاية علي، قلت: هذا تنزيل؟ قال: نعم أما هذا الحرف فتنزيل وأما غيره فتأويل.)

ومثل قوله (...فأنزل الله قل اني لا املك لكم ضراً ولا رشداً) مثل اني لن يجيرني من الله (إن عصيته) احد ولن اجد من دونه ملتحداً الا بلاغاً من الله ورسالاته (في علي) قلت هذا تنزيل قال: نعم) وغير ذلك.

الثانية: رواية إدريس بن عبدالله، (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن تفسير هذه الآية " ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين " قال: عنى بها لم نك من أتباع الائمة الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: " والسابقون السابقون اولئك المقربون " أما ترى الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة " مصلي، فذلك الذي عنى حيث قال: " لم نك من المصلين ": لم نك من أتباع السابقين.)[6]

ويلاحظ عليها

اولاً: انها ضعيفة سنداً بسهل بن زياد والحسن القمي المجهول.

ثانياً: أن السائل سأل عن تفسير الآية ولا يراد ظاهراً بيان معناها لأنه واضح ولا يحتاج إلى سؤال ويحتمل أن يراد به التأويل والتفسير الباطن .

والامر الثاني:

ذكر في مجمع البيان انها مكية ونقل الشيخ في التبيان ذلك عن بن عباس ونقل الخلاف في اول ما نزل من القرآن وانه (ياايها المدثر) كما نقل عن جابر بن عبدالله أو إنه (اقرأ بأسم ربك) كما نقل عن الزهري.

نعم نقل عن الضحاك انها مدنية.

وفي مجمع البيان الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن ابي سلمة عن جابر بن عبدالله أن اول ما نزل ( ياايها المدثر) ونقل عن رسول الله صلى الله عليه واله حديثاً بهذا المعنى.

ويؤيد ذلك سياق آياتها وتضمنها الأمر بالإنذار وكون المراد بقوله تعالى فيها ( ذرني ومن خلقت وحيداً)إلى قوله (عليها تسعة عشر) الوليد بن المغيرة المخزومي وقد استفاض النقل بذلك وايضا قوله (إنه فكر وقدر .... إن هذا الا سحر يؤثر) الذي يرتبط ببداية الدعوة وتحير قريش فيما يقولون عن الرسول صلى الله عليه واله عندما دعا إلى الدين الجديد.

ومنه يظهر أن الراجح هو كون السورة مكية نعم كونها أو ما نزل من القرآن بعيد بأعتبار ظهور بعض فقراتها في تقدم قراءته صلى الله عليه واله القرآن عليهم وانهم انبهروا به وتحيروا ما ذا يقولون فيه حتى اتفقوا على أن يقولوا إنه سحر يؤثر ولكن هذا لا ينفي كونها من اوائل ما انزل عليه في بداية البعثة.

لكن الاهم أن عدم ارادة الصلاة المعهودة لا يمنع من الاستدلال بالآية فيقال بأن الكافر يعاقب على ترك التوجه العبادي, ويستكشف من ذلك أنه مكلف بالعبادة.