37/07/09


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

الرواية الثالثة:- صحيحة معمر بن خلاد المتقدمة:- ( عن أبي الحسن عليه السلام قال:- النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدةٍ وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر )[1] ، فإنّ قوله عليه السلام ( وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر ) يدلّ على أنه لا خصوصية للآلة القمارية من هذه الناحية ، وبذلك يثبت المطلوب.

وفيه:- إنه يوجد احتمالان في هذه الرواية:-

الأوّل:- أن يكون المقصود من قوله ( كلّ ما قومر عليه ) يعني أيّ شيءٍ كانت الوسيلة التي يتقامر بها سواء كانت آلات شطرنج أو مثل الكعاب فهذا أيضاً محرّمٌ ، فالتعميم هو من ناحية القمار ، وبناءً على هذا فسوف تنفعنا الرواية حيث تدلّ على أنّ الآلة أيّ شيءٍ كانت سواء كانت متعارفة أم غير متعارفة فذلك ميسر ، فيثبت بذلك المطلوب.

الثاني:- أن يكون النظر إلى الجُعل والرهن ، يعني كلّ ما فرض وجود شيءٍ قومر عليه أي حصل الرهن عليه والتسابق على تحصيله فذلك من الميسر ، وبناءً على هذا لا تكون الرواية ناظرة إلى التعميم من حيث الآلات وإنما هي ناظرة إلى التعميم من حيث الرهن ونوعية الرهن ، فالتعميم هو بهذا اللحاظ لا التعميم بلحاظ الآلات المتعارفة وغير المتعارفة ، وهذا لا ينفعنا لأنّ الكلام هو فيما إذا كان اللعب بغير الآلات المتعارفة لكن مع الرهن ، وبناءً على هذا الاحتمال هي لا تفيد التعميم من حيث الآلة التي يتقامر بها فلا تنفع.

وحيث إنّ الرواية مردّدة بين الاحتمالين وليست ظاهرة في خصوص الأوّّل وليست متعينة فيه فلا يمكن آنذاك التمسّك بها.

الرواية الرابعة:- رواية جابر التي رواها صاحب الوسائل(قده) هكذا:- ( وعن أبي علي الأشعري[2] عن محمد بن عبد الجبار عن أحمد بن النظر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:- لما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه " ....... قيل يا رسول الله ما الميسر ؟ فقال:- كلّ ما تقومر به حتى الكعاب والجوز )[3] .

فربما يقال إنّ دلالتها واضحة على التعميم من حيث الآلة لأنه صلى الله عليه وآله أجاب في مقام السؤال وقال:- ( كلّ ما تقومر به حتى الكعاب والجوز ) ، فهي إذن تفيد التعميم من حيث الآلة ، ودلالتها من هذه الناحية واضحة على المطلوب وأنه لا خصوصية لآلات الشطرنج والنرد وإنما يعمّ الآلات غير المتعارفة كالكعاب والجوز.

ويمكن أن يقال في مقام التعليق:- نعم هي تفيد التعميم من هذه الناحية لأنها واضحة في هذا الشيء لكنها تفيد التعميم فيما إذا كانت هناك آلة للّعب في البين مثل آلة الشطرنج أو الكعاب والجوز ، ولكن أحياناً لا تكون هناك آلة في البين مثل التسابق على القفز أو المصارعة فهنا لا توجد وسيلة يتقامر من خلالها وإنما الموجود هو الرهن - الجُعل – فقط أما آلة للتقامر والغلبة فلا توجد ، فهي إذن لا يمكن أن يستفاد منها التعميم حتى إذا فرض عدم وجود آلة تقامر وإنما يستفاد منها التعميم للآلة المتعارف التقامر بها والآلة غير المتعارف التقامر بها . إذن هذه الرواية نستفيد منها التعميم ولكنها تثبت نصف المدّعى - يعني إذا كانت هناك آلة ولكنها ليست متعارفة -.

هذا مضافاً إلى أنّ سندها:- فإنه من ناحية أبي علي الأشعري لا توجد مشكلة وهكذا محمد بن عبد الجبار وأحمد بن النظر ، وإنما المشكلة من ناحيتين هما عمرو بن شمر وجابر ، وجابر هو ابن يزيد الجعفي بقرينة عمرو بن شمر فإنّ الراوي عن جابر بن يزيد الجعفي هو عمرو بن شمر عادةً ، ويوجد كلامٌ في جابر وأنه هل يمكن اثبات وثاقته أو لا فإنه لا يوجد توثيق صريح في حقّه ، ولو غضضنا النظر عنه تبقى المشكلة من ناحية عمرو بن شمر فإنه لا يوجد توثيق في حقه.

ومن خلال هذا العرض كلّه اتضح التأمّل فيما أفاده الشيخ الأعظم(قده) حيث ذكر:- ( أنّ الروايات ظاهرة بل صريحة بالتحريم )[4] ، فإن قوله ( بل صريحة ) لا يمكن أن نوافقه عليه كما هو واضح وكان المناسب الاقتصار على الظاهرة ، وقد اتضح أنّ الظهور أيضاً محلّ تأمل ، ولكن تصعيد الظهور إلى الصراحة غريب منه.

ولكن رغم هذا يمكن أن نذكر طريقين لإثبات عموم الحرمة غير مسألة الروايات التي تمسّك بها الشيخ الأعظم(قده):-

الطريق الأوّل:- ما أفاده السيد الخوئي(قده)[5] وحاصله:- إنّ الظاهر عرفاً ولغةً أنّ القمار هو اللعب لتحصيل الرهن وأما الآلة فلا خصوصية لها.

فإذن هذا استظهار عرفي ولغوي ، وإذا تم فهو حينئذٍ شيء جيد.

ثم قال:- بل لا يمكن أن نقيّد بكون الآلة آلة قمارية وإلا يلزم الدور ، لأنه إذا قلنا القمار هو اللعب لتحصيل الرهن بآلةٍ قمارية فإذن قد أخذنا القمار في تعريف وحقيقة القمار فالقمار هو اللعب بآلات القمار لتحصيل الرهن ، وهذا دورٌ فإنه المفروض أنه لا يمكن أن تؤخذ الآلة القمارية في حقيقة القمار ، فلابد من إثبات أنّ القمار ما هو بقطع النظر عن كون الآلة قمارية ، فإذن يلزم محذور الدور ، ونصّ عبارته:- ( إن الظاهر من أهل العرف واللغة أن القمار هو الرهن على اللعب بأيّ شيءٍ كان ، وتفسيره باللعب بالآلات المعدّة للقمار دورٌ ظاهر ).

وفيه:- إنّه بناءً على هذا يستحيل اعتبار الآلة القمارية في حقيقة القمار ، فلا يمكن أن نقول القمار هو اللعب بخصوص الآلات القمارية ، وهل يمكن أن يلتزم بذلك - يعني أنّ يخصّص القمار بالآلات القمارية - ؟! إنَّ هذا لا يحتمله أحد وهو مستحيل.

نعم يبقى الاشكال الذي أثاره - وهو أنه يلزم من ذلك الدور – وجوابه:- إنّ لفظ القمار هنا نأخذه كمشيرٍ إلى الآلات المتعارفة بين أصحاب هذا العمل مثل آلات الشطرنج والنرد وغير ذلك ، فيراد أن يشار بفقرة ( الآلات القمارية ) إلى هذه الآلات المتعارفة بين أصحاب هذا العمل ، فيمكن حينئذٍ حذف هذا العنونان والاستغناء عنه فكأن المقصود يصير هكذا:- ( القمار هو العب بالآلات المتعارفة بين أهل هذا العمل مع الرهن ) , وإذا كان هذا هو المقصود فلا مشكلة حينئذٍ ، وعليه فما أفاده من الدور محلّ نظر ، نعم يبقى استظهاره فهو حقّ له - فإنه يقول إنَّ الظاهر لغة وعرفاً هو مطلق اللعب مع الرهن والآلة لا خصوصية لها - ، وهذا الاستظهار من اللغة والعرف عهدته عليه.

الطريق الثاني:- وهو ما نراه وجيهاً ، وحاصله:- إنّ الروايات دلت على حرمة بعض العناوين كالشطرنج والنرد والأربعة عشر وقيل إنها ميسر كما في صحيحة معمّر بن خلاد وهذه الصحيحة واردة في هذه العناوين الثلاثة ، ثم نضمّ إلى ذلك مقدمة وهي أنّ العرف يلغي خصوصية كون الآلة هي آلة شطرنج أو آلة نرد أو غير ذلك وإنما يرى الخصوصية للّعب الذي يكون مع الرهن أما كون الوسيلة هي هذه الآلة أو تلك فهذا لا عبرة به فالخصوصية من هذه الناحية ملغاة والقمار والتقامر يحصل سواء فرض أنّ الآلة كانت هذه أو كانت شيئاً آخر ، نعم سوف يأتينا بعد ذلك أنه إذا كان المقصود مقصوداً عقلائياً وليس المقصود مقصوداً قمارياً ولهوياً مثل التسابق على حفظ القرآن أو على حمل الاثقال لأجل أن يصير الشخص قوياً في ساحات الجهاد فهذه قضية ثانية ، أما إذا فرض أنّ الهدف كلّ الهدف كان هو تحصيل الرهن فالعرف يلغي كون خصوصية كون الوسيلة آلات نردٍ وشطرنجٍ أو غير ذلك ، فإذن يثبت التعميم من خلال إلغاء الخصوصيّة عرفاً.

هذا كلّه بالنسبة إلى أنه رأي المشهور وقد اتضح أنه رأيٌ وجيهٌ ومقبول ولكن لما أشرنا إليه من الطريق الثاني وليس لأجل الروايات وليس لأجل ما أفاده السيد الخوئي(قده).


[2] يعني شيخ الكليني الثقة الجليل فهذه الرواية هي من الكليني، فإن الذي يبتدئ السند بأبي علي الاشعري عادة هو الشيخ الكليني.