37/08/20


تحمیل

الموضوع: الصوم, شرائط صحة الصوم: الثاني: العقل.

كان الكلام في ما ذكره السيد الماتن من الحاق السكران والمغمى عليه بالمجنون من جهة فساد الصوم وذكرنا أن هذا هو المشهور وعلل الفساد بكلماتهم بأنه يسقط عنه التكليف بزوال عقله والعقل شرط في التكليف, وحينئذ لا يصح الصوم لأن الصحة تعني مطابقة الأمر ومع عدم التكليف وعدم الأمر لا معنى للصحة.

وقلنا أنه محل كلام ومناقشة, فليس هناك دليل يشترط العقل بعنوانه في صحة العبادة بل نشترط العقل في صحة العبادة بمقدار تأتي النية المعتبرة في العبادة من الشخص فإذا فرضنا أن زوال العقل يعني عدم تأتي النية المعتبرة فأن العمل يقع باطلاً.

وحينئذ يقال لا اشكال في أن المجنون لا يتأتى منه النية المعتبرة في باب العبادة, وكذلك المغمى عليه والسكران في بعض حالاته.

استدل العلامة على قول المشهور (الفساد) بأدلة منها:- أن سقوط القضاء يستلزم سقوط الاداء والاول _ سقوط القضاء عن المغمى عليه_ ثابت فيثبت الثاني, فيقع صومه فاسداً, لأن عدم تكليفه من جهة منافاة الاغماء للصوم.

ويلاحظ على هذا الكلام اولاً: ما تقدم من عدم الملازمة بين عدم وجوب القضاء وعدم وجوب الاداء, لأن القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدليل.

ثانياً: قد لا يكون سقوط الاداء عن المغمى عليه من جهة منافاة الاغماء للصوم فقد يسقط عنه من جهة استحالة التكليف, أو عدم اهلية الشخص للتكليف كما في الصبي والكافر بناء على أنه ليس مكلفاً بالفروع كما ذكر ذلك وجهاً لعدم تكليفه بالفروع وان التكليف نوع من التشريف والكافر لا يستحق ذلك.

فالاستدلال بهذا الدليل لأثبات الفساد ليس واضحاً وان كانت النتيجة (الفساد) صحيحة تبعاً للسيد الماتن والمشهور لكن لما ذكرناه من عدم تأتي النية المعتبرة في باب العبادة فيثبت في المغمى عليه تبعاً للمجنون, ومنه يظهر الحكم في السكران فأن تأتت منه النية المعتبرة في باب العبادة لا مانع من الالتزام بصحة عبادته والا يحكم ببطلانها.

هذا هو الرأي المشهور والمختار.

وفي المقابل ذهب جماعة إلى صحة صوم المغمى عليه وقيدوه بما اذا سبقت منه النية فيصح منه وان كان الاغماء في تمام الوقت, وممن ذهب إلى الصحة الشيخان المفيد في المقنعة والطوسي في الخلاف, بل يظهر من الشيخ الطوسي في الخلاف الاستدلال عليه بالإجماع, واستدل عليه الشيخ المفيد في المقنعة بأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على اداء الفرض.

ويرد على هذا الكلام أن اجماعات الشيخ الطوسي في الخلاف لا يمكن أن تحمل على معناها الحقيقي غالباً والا فهي ليست مورد قبول علمائنا المتقدمين فضلاً عن المتأخرين.

فالمنسوب إلى المشهور هو التصريح بالفساد, ولذا لم يعتنِ المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه في مسألة الاجماع التي ذكرها الشيخ.

أما مسألة أن هذا في حكم الصائم كما ذكره الشيخ المفيد فأنها اشبه بالمصادرة لأنها اول الكلام, واحتمل الشيخ صاحب الجواهر أن يكون مقصود الشيخ المفيد أنه في حكم الصائم في سقوط القضاء لا في الحكم بصحة الصوم.

السيد الخوئي (قد) ذهب إلى الالتزام بصحة صوم المغمى عليه والسكران وذكر أن الدليل على عدم صحة الصوم من المجنون اذا كان هو اشتراط التكليف بالعقل, فهذا الاشتراط لم يرد في السكران والمغمى عليه, فإذا كان التكليف مطلقاً من هذه الناحية (الاغماء والسكر) يثبت للمغمى عليه والسكران, ولا يبقى الا مسألة النية وقد تقدم سابقاً أن النية المعتبرة في الصوم وامثاله من التروك تختلف عن النية المعتبرة في العبادات الوجودية, لأن النية المعتبرة في الصوم سنخ معنى لا تنافي النوم في الاثناء واذا ثبت ذلك يقال بأنه السكر والاغماء لا ينافيها ايضاً لأنهما من سنخ النوم.

ويلاحظ عليه اولاً : أن الدليل على عدم صحة صوم المجنون ليس هو اشتراط التكليف بالعقل بل تقدم أن عدم التكليف لا يلازم عدم الصحة, والدليل على عدم صحة صوم المجنون هو عدم تأتي النية المعتبرة في باب العبادة منه.

ثانياً: أن النية المعتبرة في العبادات لها معنى واحد في الواجبات الوجودية والعدمية ومرجعه اعتبار أن يكون الفعل في العبادات الوجودية والترك في العبادات العدمية مقصوداً ومنوياً وجيء به قربة إلى الله تعالى, نعم لا اشكال في كفاية النية الارتكازية فتصح العبادة مع الغفلة, فتصح الصلاة والصوم من الغافل, وقد قررنا أنه ليس الاغماء فقط يستلزم زوال النية والقصد حتى ارتكازاً بل حتى النوم يحتمل فيه ذلك لأن النائم يفقد التفاته وشعوره.

وجميع هذا الكلام يقع في ما لا تصح النية فيه قبل الزوال أو قبل الغروب كصوم شهر رمضان والا فلا اشكال في تجديد النية بعد الافاقة من الجنون أو من الاغماء قبل الزوال كما في قضاء شهر رمضان أو تجديدها قبل الغروب كما في الصوم المندوب.