37/08/24

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

37/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصوم, شرائط صحة الصوم: الخامس : أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة ...

وقد استدل صاحب الحدائق على جواز الصوم المندوب في السفر بروايات منها:-

موثقة زرارة (قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : إن أمي كانت جعلت عليها نذرا إن الله رد عليها بعض ولدها من شيء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا ( لمكان النذر ) ، تصوم أو تفطر ؟ فقال : لا تصوم ، قد وضع الله عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها ، قلت : فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل ، أتقضيه ؟ قال : لا ، قلت : فتترك ذلك ؟ قال : لا ، لاني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره)[1]

والكلام في قوله عليه السلام (وتصوم هي ما جعلت على نفسها) وقد فسره صاحب الحدائق ب(تصوم ما تعتاده من الصوم المستحب).

وفي الرواية احتمال يمنع من الاستدلال بها في محل الكلام وهو أن تكون جملة (وتصوم هي ما جعلت على نفسها) جملة استفهام استنكاري؟ فتكون الرواية على عكس المطلوب ادل.

وصحيحة سليمان الجعفري (قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : كان أبي ( عليه السلام ) يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ، ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه الحر)[2]

والاستدلال بها مبني على كون الامام عليه السلام مسافراً في الموقف وان حكمه التقصير ومع ذلك صام ندباً.

ونوقش في الرواية:

اولاً: يحتمل أن الامام كان ناوياً الاقامة في مكة ولم يبلغ حد التقصير عند خروجه للموقف.

ثانياً: يحتمل أن يكون صومه عليه السلام فرضاً ولو بالنذر.

ثالثاً: يحتمل أن يكون ناوياً الاقامة في الموقف قبل اليوم التاسع.

فالمحكي في هذه الرواية هو فعل الامام عليه السلام وهو مجمل من حيث الوجه الذي وقع عليه الصوم وحينئذ لا يمكن الاستدلال بالرواية على جواز الصوم المندوب في السفر.

مضافاً إلى هذا وعلى فرض دلالة الرواية على صحة الصوم فغاية ما تدل عليه صحة صوم هذا اليوم في الموقف في حال السفر ويقتصر على موردها ولا يمكن التعدي إلى سائر الايام أو سائر اقسام السفر.

ومن هنا يظهر أن اخبار الطائفة الثانية أما غير تامة سنداً وان كانت تامة دلالة كما في المرسلتين أو غير تامة دلالة وان كانت تامة سنداً كما في هاتين الروايتين.

والطائفة الاولى تامة سنداً ودلالة والصناعة تقتضي العمل بها والالتزام بالمنع, ولا مجال لحملها على الكراهة, لأنه فرع تمامية روايات الطائفة الثانية.

وظاهر بعض القدماء _ ومنهم الشيخ الطوسي _العمل بالمرسلتين كما في التهذيب والاستبصار وقد ورد في التهذيب (ولو خلينا بظاهر هذه الاخبار لقلنا ان صوم التطوع في السفر محظور كما ان صوم الفريضة محظور غير أنه ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة، والذي روى ذلك)[3] ثم ذكر المرسلتين.

ويبدو أنه لا مستند للجواز _مع الكراهة أو بدونها_ عند المتقدمين غير المرسلتين, كما أنه من جملة من يظهر منه ذلك الشيخ صاحب الجواهر فهو يدّعي انجبار ضعف سند المرسلتين بالشهرة على الجواز مع الكراهة.

ويبدو أن المسألة اجتهادية بدليل أن مشهور القدماء ذهبوا إلى المنع مع اطلاعهم على هاتين المرسلتين, فالعمل بهما وعدمه قضية اجتهادية مبنية على مباني رجالية, وحينئذ يهون الخطب لعدم الايمان بهذه المباني كبرى وصغرى, فأنجبار الضعف السندي بعمل المشهور غير مسلم, وصغروياً غير ثابت ايضاً لعدم شهرة الجواز, فممن قال بالشهرة صاحب الرياض لكنه صرح بأنها شهرة متأخرة, وإما القديمة فهي على المنع, والذي يهمنا الشهرة القديمة, ومن جملة القرائن ما ذكره الشيخ المفيد في المقنعة (ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا الا..... وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام ، وجاءت أخبار بكراهية ذلك ، وأنه ليس من البر الصوم في السفر ، وهي أكثر ، وعليها العمل عند فقهاء العصابة ، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع ، ومن عمل على أكثر الروايات ، واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق والله الموفق للصواب)[4]

والمراد من قوله (وجاءت أخبار بكراهية ذلك) التحريم والمنع, وظاهر عبارته اسناد القول بالمنع إلى فقهاء العصابة.

كما أن الحمل على الكراهة في هكذا مقام غير مناسب للجمع بين الروايات لأن الكراهة في العبادات تعني قلة الثواب وهو لا يناسب التعابير الواردة في روايات الطائفة الاولى التي تعبر ( معصية , لا يحل له).

ومن هنا يظهر أنه لا شهرة على القول بالجواز لكي توقفنا عن العمل بأخبار الطائفة الاولى, فلا مشكلة _من ناحية صناعية ولا من ناحية مراعاة الفتوى, ولا من ناحية الشهرة_ من العمل بأخبار الطائفة الاولى والالتزام بالمنع الا ما استثني كما سيأتي أن شاء الله تعالى.