21-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وتدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع، قال:- يعيد يرميهن جميعاً بسبعٍ سبع[1] ، قلت:- فإن رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع، قال:- يرمي الجمرة الاولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع، قلت:- فإن رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع، قال:- يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة[2] )[3] وهذه الرواية رواها الشيخ الحر من طريق الشيخ الطوسي وروى نفس هذه الرواية [4]مرة أخرى أيضا ولكنها بطريق الشيخ الكليني.
وهذا هو الرأي المعروف
ولكن يوجد رأيان على ما قيل في المسألة مخالفان للمشهور:-
الرأي الاول:- ما نسب إلى ابن إدريس حيث ذهب إلى أنه لو رمى الأولى بثلاث والثانية والثالثة كلّ واحدة بسبع كفى أن يرمي الاولى بأربع نعم الثانية والثالثة يعيدهما أمّا الاولى فيكفي أن يرميها بأربع .
وما هو التوجيه الفني لذلك؟
أمّا الأولى لا يبطل رميها من الأساس بل تحتسب الثلاث ويكمل بأربع فباعتبار أنه لا تشترط الموالاة في رمي الجمرة، وهذا ما ملنا نحن إليه سابقاً وقلنا أنه لا دليل على اعتبار الموالاة، وأمّا أنّ الثانية والثالثة تلزم اعادتهما فباعتبار اختلال شرط الترتيب. هذا ما نسب إليه ولو صحّ فهو اجتهادٌ في مقابل النص باعتبار أنّ صحيحة معاوية المتقدمة دلت بوضوح على أنه لو رمى أقل من أربع لزمه إعادة الرمي من جديد لا أنه يكمل مقدار الناقص  فكيف يقول صاحب السرائر إنه إذا رمى الأولى بثلاث كفى أن يكملها بأربع . نعم هذا هو مقتضى القاعدة ولكن بعد مجيء النصّ فلا يعود هناك مجال لهافما افاده شيء مرفوض.
قال في المدارك:- ( ونقل عن ابن ادريس أنه اكتفى بإتمام الاولى مطلقاً[5] ولم يوجب الاستئناف لعدم وجوب الموالاة في الرمي )[6]، وهذا الكلام من قبل صاحب  المدارك ناظر الى الجمرة الأولى يعني يكفي ان يكملها بأربعة   وهو ساكت عن الثانية والثالثة ولذلك انقل كلام صاحب الرياض لأنه يتعرض إليهما، قال في الرياض:- ( والنصّ صريحٌ في وجوب استئناف الناقصة عن الأربع وما بعدها مطلقاً ولو كانت الثانية أو الأولى خلافاً للحلّي فاكتفى بإكمالها وأوجب استئناف ما بعدهما  خاصة )[7] . هذا ما نسب إلى ابن إدريس(قده).
ولكن هل هذه النسبة صحيحة أو لا ؟
وإذا رجعنا إلى كتاب السرائر وجدنا أن ابن ادريس له عبارة صدرها يوافق المشهور وذيلها يعطيخلافهم، وهذا ليس بغريب فأحيانا يصير كلام احدنا أوله شيء وآخره ولكن هذا شيء ليس بمقصود، والغريب أن البعض ينظر الى صدر كلامه فقط وينسب  إليه موافقته للمشهور كالنراقي فإنه ينسب الى ابن ادريس أن كلامه صريح في الموافقة للمشهور ولم ينظر الى ذيل كلامه، وبعضهم نسب اليه المخالفة بضرس قاطع كالشهيد في دروسه ويظهر انه قرأ ذيل العبارة ولم يقرأ صدرها.
والمناسب أن نقول:- إن كلامه متهافت والله العالم، ونصّ عبارة ابن ادريس هي:- ( فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام كان عليه أن يعيد عليها كلها، وإن كان قد رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات ثم رمى الجمرتين على التّمام كان عليه أن يعيد على الاولى بثلاث حصيات،  وكذلك إن كان قد رمى من الوسطى أقل من أربع حصيات أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن رماها بأربع تممها وليس عليه الاعادة على ما بعدها، فالاعتبار بحصول رمي أربع حصيات فإذا كان كذلك تممها ولا يجب عليه الاعادة على ما بعدها، فإن كان قد رمى أقل من أربع حصيات على إحدى الجمرات تممها وأعاد مستأنفاً على ما بعدها  )[8]، ومن هذه العبارة الأخيرة يظهر ما نسبنا إليه لأننا نسبنا إليه دعويين الأولى أنّ التي رماها أقل من أربع يتمّمها فقط وهذه عبارته تدلّ عليه حيث قال:- ( وإن كان قد رمى أقل من أربع حصيات على إحدى الجمرات تممها ) ، والدعوى الثانية هي أنّ الثانية والثالثة يعيدهما لاختلال شرط الترتيب حيث قال:- ( وأعاد مستأنفاً على ما بعدها ) . إذن صدر عبارته واضحٌ في الموافقة للمشهور وذيلها واضح في المخالفة لهم، والشهيد في دروسه حينما نسب إلى صاحب السرائر المخالفة لابد وأنه نظر إلى ذيل عبارته ونصّ عبارته:- ( ولو رمى ثلاثاً ثم رمى اللاحقة استأنف فيهما وقال ابن إدريس يبني على الثلاث )[9]، بينما النراقي في مستنده قال:- ( نعم نسب إلى الحلّي أنّه قال بالاكتفاء بإكمال الناقصة واستئناف ما بعدها خاصّة . وما نقلناه من كلامه صريحٌ في ما ذكرنا مخالفٌ لما نسب إليه )[10]، وعلى أيّ حال هذا واقعٌ غريب قلَّ نظيره ولكنّه كما نقلنا ورأيتَ.
والخلاصة من كل ما ذكرناه:- أنّ ما نسب إلى ابن إدريس لو صحّ فهو اجتهادٌ في مقابل النصّ، والصحيح ما ذهب إليه المشهور لأجل صحيحة معاوية بن عمّار.
هذا كلّه بالنسبة إلى الرأي الأوّل من الرأيين المخالفين للمشهور.


[1]  فيعيد الاولى لأنه ثلاث والثلاث بحكم العدم أما البقية يعيدها لفقدان شرط الترتيب.
[2]  لأن شرط الترتيب موجود إذ أنه رمى الرابعة أربعاً.
[5]  يعني وإن كان رماها اقل من أربع.