37/11/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 20 ) حرمة السحر - المكاسب المحرمة.

ورب سائل يسأل يقول:- إذا كان السحر مجرّد وهم فما الفارق بينه وبين الشعبذة - التي سوف يأتي الحديث عنها فيما بعد - ؟ ، وهكذا لو قلنا إنّ السحر هو حقيقة وليس وهماً فما الفارق بينه وبين الشعبذة بناءً على أنّ لها حقيقة ؟

والجواب:- الفارق هو أنّ منشأ السحر الذي هو وهمٌ هو منشأ شيطاني ، بينما منشأ الشعبذة التي نفترضها الآن هي وهمٌ فليس عاملا ً شيطانياً وإنما هو سرعة اليد توحي للطرف بأنّ الشيء قد تحرّك وحده من هذا المكان إلى ذلك المكان والحال أنّ هناك سبباً وهو سرعة اليد . إذن الفارق بينهما هو أنه في السحر يكون السبب للوقوع في الإيهام والوهم هو العامل الشيطاني والشيطان ، بينما في الشعبذة هو سرعة اليد ، هذا لو قلنا ان الاثنين وهم.

وأما إذا قلنا أنّ الاثنين حقيقة فيبقى الفارق والمائز ما أشرنا إليه ، يعني أنّ سبب الحقيقة في السحر هو العامل الشيطاني بينما سبب الحقيقة في الشعبذة هو سرعة اليد.

تبقى المعجزة فما الفارق بينها وبين السحر والشعبذة ؟

والجواب واضح:- فإنّ المعجزة تعطي أمراً حقيقياً ومنشأ هذا الأمر الحقيقي هو الله عزّ وجلّ ، فالعامل الغيبي هو السبب.

إذن اتضح من خلال هذا أنّ الفارق بين الثلاثة نتمكن أن نقول هو من حيث العامل والسبب والمنشأ ، فالسبب في السحر هو الشيطان ، والسبب في الشعبذة هو سرعة اليد ، والسبب في الاعجاز هو عالم الغيب وهو الله عزّ وجلّ ، هذه قضيّة جانبية لا بأس بالالتفات إليها.

ولكن قبل أن نختم حديثنا عن هذه النقطة والتي هي بيان حقيقة السحر أودّ الاشارة إلى قضية:- وهي أنّ بيان هذا المطلب أمرٌ لا داعي إليه - أي أنّ السحر حقيقة أو وهم - فإنه ما الفائدة فيه ؟ فهل على بعض الاحتمالات أو المباني يترتّب حكمٌ وعلى بعض المباني الأخرى يترتّب حكمٌ آخر ؟! فإذا كان هناك اختلاف بهذا الشكل فسوف تظهر ثمرة من حيث الحكم وبحث هذه القضية يكون شيئاً مقبولاً ، أما إذا قلنا هو بأجمعه حرام وتعلّمه حرام وتعليمه حرام والتكسّب به حرام من دون فارقٍ بين أن نقول هو حقيقة أو هو وهمٌ فما الفائدة من بحث ذلك !! خصوصاً يكون طرح ذلك في الرسالة العملية أمرٌ ينبغي التجنّب عنه . فإذن هذا البحث ينبغي أن لا يشار إليه أبداً في الرسالة العمليّة ، ولكن لو أريد الاشارة إليه فيشار إليه في الكتب العلميّة الفقهية ليس في الكتب التي هي على مستوى الرسالة العملية ، وهذه قضية جانبية يجدر الالتفات إليها.

النقطة الثالثة:- تسخير بعض الموجودات.

وقع الكلام في تسخير بعض الموجودات كالملائكة والجنِّ والانسان وأنه يجوز أو لا ؟ ، وهذا بحثٌ لم يتعرّض إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، وقبله صاحب الجواهر(قده) ، وعلى أيّ حال ممّن تعرض إلى هذه القضية الشهيد الأوّل في دروسه حيث قال:- ( ومن السحر الاستخدام للملائكة والجن والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب . ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدنٍ متفعّل كالصبي والمرأة وكشف الغائب على لسانه )[1] .

ونتمكّن أن نقول هو قد أشار إلى ثلاثة أنحاء من تسخير الموجودات ، الأوّل تسخير الملائكة ، والثاني تسخير الجن والشياطين لكشف الغائب أو علاج المريض ، والثالث هو احضار بعض الأرواح في بدن إنسانٍ آخر - والذي قد يعبّر عنه في زماننا - إما هو أو غيره - بالتنويم المغناطيسي ، فهو يحاول يجعل نفس ذلك الانسان الميّت أو غيره تتلبّس ببدن هذا الطفل فيأخذ الطفل بالتحدّث ويكشف بعض الأمور ، هذه ثلاث أنحاء أشار إليها الشهيد الأوّل(قده) ولكنه لم يبحثها بلّ ذكرها فقط فقال:- ( ومن السحر ...... ) ويظهر من كلامه أنّ كلّ هذه الأمور محرّمة.

ولكن المناسب أن يقال:-

أما بالنسبة إلى الملائكة:- فتسخيرهم مجرّد دعوى ، فإنّ لملائكة موجودات شريفة ومن البعيد أن يتمكّن الانسان من أن يسخّر الملك ، ولكن لو فرض أنه تمكّن أن يسخّره فهل ذلك من السحر حتى يصير حراماً ؟! إنّ هذا قد يشكّ فيه ، وفي حالة الشك في صدق السحر فسوف نتحدّث عن ذلك بعد قليل.

وأما بالنسبة إلى الجنِّ والشياطين:- فإذا أمكن وتحقّق تسخيرهم - وفي الجنّ يقال هذا المعنى - فعَدُّ ذلك من السحر أمرٌ غير واضح بل هو مشكوك ، خلافاً للشهيد الأوّل حيث جزم بذلك ، وإذا كان مشكوكاً فسوف يأتي الحكم وهو أنّ المجرى هو البراءة.

وأما بالنسبة إلى احضار الروح في بدن صبيٍّ أو غيره:- فهو أيضاً ليس من السحر ولا أقل هو مشكوك ، فأدلّة حرمة السحر لا يمكن التمسّك بها.

ولكن هل هذا العمل جائز أو لا ؟ ، وأيضاً هذا السؤال يطرح في استخدام الجنِّ والشياطين وهكذا بالنسبة إلى الملائكة لو أمكن تسخيرهم ، فبالتالي لو شككنا أنّ هذا ليس بسحرٍ ففي مثل هذه الحالة هل يجوز هذا العمل أو لا يجوز ؟

والجواب:- إنّ مقتضى البراءة هو الجواز إلا إذا لزم من ذلك الاضرار بنفسٍ محترمة لا يجوز الاضرار بها كروح عالمٍ من العلماء نحضرها في بدن صبيٍّ مثلاً إذا فرضنا أنّ تلك الروح تتأذّى ويحصل ضررٌ لها ، فهذا إضرارٌ بالنفس المحترمة والاضرار بالمؤمن وبنفسه المحترمة لا يجوز ، وهكذا لو فرض أنه يحصل إضرار بالصبي الذي تحضر الروح بوسطته فإذا لزم الاضرار به فحينئذٍ لا يجوز ، فالمناط هو الإضرار .

أما بالنسبة إلى الجنّ والشياطين:- فإذا قلنا إنّ إضرارهم لا يجوز فالكلام هو الكلام ، يعني صحيح أنّ استخدامهم ليس من السحر لكن إضرارهم إذا قلنا لا يجوز فإذن لا يجوز استخدامهم من باب الإضرار بهم ، ولكن لم يثبت أنّ الإضرار بالجنِّ وبالشياطين لا يجوز ، بل أقصى ما ثبت بحديث لا ضرر وغيره أنه منصرف إلى الإنسان المؤمن أما إلى الشياطين أو إلى الجنّ فلا دليل فيكون حينئذٍ مجرى للبراءة من هذه الناحية.

نعم لو كان الجن مؤمناً وقلنا بأنه يوجد دليل على حرمة إيذاء المؤمن بما هو مؤمن سواء كان إنساناً أم كان من الجنِّ ، فإذا ثبتت هذه الكبرى وليس من البعيد ثبوتها فإذن يحرم إيذاء الجنّ أيضاً من باب أنه يحرم إيذاء المؤمن.

وقبل أن نختم الحديث حول ذلك نلفت النظر إلى قضيّة:- وهي أنه لو جزمنا في مورد صدق عنوان السحر فنحكم آنذاك بالحرمة بلا كلام ، وأما إذا شككنا فالشك يكون على نحوين شكٌّ بنحو الشبهة المفهومية وشكٌّ بنحو الشبهة المصداقية أو الموضوعية:-

فإن كان بنحو الشبهة المفهومية:- وواضحٌ أنه كلّ شبهة مفهومية فحتماً تكون هي شبهة حكمية وليس كلّ شبهة حكمية تكون شبهة مفهومية ، فمثلاً حينما نشك أنّ استخدام الجنِّ يصدق عليه أنه سحر أو لا فهذه شبهة مفهومية ، يعني لا ندري أنّ عنوان السحر وسيع يعمّ استخدام الجنّ فهذه شبهة مفهومية يدور أمرها بين السعة والضيق فحينئذٍ بالتالي سوف نشكّ فيكون استخدام الجنّ حرام أو لا فإنّ كان سحراً فهو حرام ، يعني إن كان مفهوم السحر وسيعاً فيكون استخدام الجنّ حراماً لأنه سحر ، وإذا لم يكن وسيعاً فهذا يكون ليس سحراً فيكون مجرى للبراءة . إذن مادامت الشبهة مفهومية فحتماً الحكم يكون مشكوكاً وفي مثل هذه الحالة نتمسّك بأصل البراءة لنفي الحكم الزائد والتحريم الزائد ولا يجوز الرجوع إلى دليل العام أو الطلق الذي يقول يحرم السحر لأنّ ذاك يقول يحرم السحر أما أنّ هذا سحر أو ليس بسحر فلابدّ من إثبات أنه سحر أوّلاً حتى تكون الحرمة ثابتة والمفروض أنا نشكّ في صدق عنوان السحر عليه فلا يجوز التمسّك بعموم العام أو اطلاق المطلق عند إجمال المفهوم ، كما لا يجوز التمسّك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية لأنّ العام يثبت حكماً لا أنه يثبت موضوع نفسه فإنّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، فإذن مادامت لشبهة مفهومية فالمجرى هو أصل البراءة ، ثم قلت:- وليس كلّ شبهة حكمية هي مفهومية - وهذا من باب الكلام يجرّ الكلام - فالتتن حرام أو لا فإنا نشكّ في ذلك ، والدعاء عند رؤية الهلال واجب أو ليست بواجب ، إنها شبهة حكمية ولكنها ليست مفهومية ، فإذن كل شبهة مفهومية تكون شبهة حكمية.

والخلاصة:- إذا شككنا في سعة مفهوم السحر وضيقه يعني هل يشمل استخدام الملائكة أو لا يشملها وهل يشمل التنويم المغناطيسي أو لا يشمله ففي مثل هذه الحالة يكون المورد مجرى للبراءة.

أما إذا فرض أنّ الشبهة كانت موضوعية:- يعني أنَّ المفهوم واضحٌ ولكن نشكّ أنّ هذا المورد من هذه الكبرى أو لا ؟ ، يعني نحن نجزم بأنّ استخدام الجنّ هو من السحر - لو فرض ذلك - ولكن لا ندري في هذا المورد أنه يوجد استخدامٌ للجنّ أو لا فهذه شبهة موضوعية والشبهة الموضوعية اتفقت الكلمة فيها على إجراء أصل البراءة.

إذن اتضحت النتيجة:- أنه في باب السحر إذا شككنا في أنّ الذي يقوم به الساحر هو أنه في الحقيقة يقرأ أدعيةً مثلاً حتى يكون ليس سحراً أو أنه يستعين بالشياطين مثلاً حتى يكون سحراً ، ففي مثل هذه الحالة تكون الشبهة موضوعيّة فلا يكون حراماً.

إذن الخلاصة:- هي أنه إذا جزمنا بأنه سحر فهو حرام لأنّ كلّ سحرٍ حرام ، وإذا شككنا بنحو الشبهة المفهومية أو بنحو الشبهة الموضوعية أنه سحر أو لا فيكون المورد مجرى للبراءة.

وبهذا قد انتهينا من هذه المسألة بنقاطها الثلاث.