33/02/08


تحمیل
 (بحث يوم الاثنين 8 صفر الخير 1433 ه 53)
 تقدّم الكلام حول رواية الحسين بن خالد التي مثّلت الدليل السابع - وذكرنا أن فيها كلاماً من جهة السند ومن جهة الدلالة وقلنا بأن الكلام في السند يقع في جهات ثلاثة تقدّم أولاها وكان في رواية الشيخ الكليني (قده) عن علي بن محمد المتردّد بين جماعة وقد أمكن تجاوز هذه المشكلة بما ذُكر من أن الإطلاق ينصرف إلى علي بن محمد بن بندار الموثّق من قبل النجاشي .
 وأما الجهة الثانية والثالثة فهي في محمد بن أحمد المحمودي وأبيه أحمد المحمودي :
 أما من جهة محمد بن أحمد المحمودي المكنّى بأبي علي فقد ذُكر أنه من أصحاب الإمام الهادي والذي يظهر من الروايات أنه من أصحاب الإمام الجواد أيضاً بل في بعضها أنه من أصحاب الإمام العسكري كذلك (صلوات الله عليهم أجمعين) .
 وهذا الرجل يُستدلّ على وثاقته بل جلالته بما رواه الكشي من توقيعٍ للإمام العسكري (عليه السلام) أورده عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ونقله عن بعض الثقاة من نيسابور حيث قال [1] في عنوان (ما رُوي في إسحاق بن إسماعيل النيسابوري وإبراهيم بن عبده والمحمودي والعمري والبلالي والرازي) :
 " حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلام توقيع .. " ثم ذكر نصّ التوقيع وهو طويل فيه جملة من المطالب وأوله : " يا إسحاق بن إسماعيل سترنا الله وإياك بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه .. إلخ " ، وفقرة الاستدلال تقع في ذيل هذا التوقيع الشريف وهي : " واقرأه على المحمودي عافاه الله فما أحمدنا له لطاعته " [2] .
 والمراد بالمحمودي محمد بن أحمد بن حمّاد المحمودي ، والتوقيع تام السند يرويه الكشي عن بعض الثقاة من نيسابور وفيه ما هو بمثابة المدح له فيُستفاد منه توثيق الرجل .
 وقد يُستدلّ على وثاقته ووثاقة أبيه أيضاً بما سيأتي نصّه من كتاب الإمام الجواد (عليه السلام) إليه [3] عند وفاة أبيه معزّياً له بوفاته .
 هذا من جهة الابن ، وأما من جهة الأب الذي هو أحمد بن حماد المروزي فيُستدل على وثاقته بما رواه الكشي عن محمد بن مسعود العيّاشي عن محمد بن أحمد المحمودي [4] من أن الإمام الجواد (عليه السلام) كتب إليه كتاباً يعزّيه بوفاة أبيه ونصّه :
 " وكتب إليّ الماضي عليه السلام بعد وفاة أبي : قد مضى أبوك رضي الله عنه وعنك وهو عندنا على حالة محمودة ولن تبعد من تلك الحال " [5] .
 فيُستفاد توثيق الأب من قول الإمام (عليه السلام) أنه (عندنا على حالة محمودة) فضلاً عن الترضّي الذي هو آية الجلالة لو بُني عليه [6] - ، كما يُستفاد منه وثاقة الابن أيضاً بقوله (عليه السلام) : " ولن تبعد من تلك الحال " يعني الحالة المحمودة التي كان عليها أبوه فضلاً عن الترضّي عنه [7] لو بُني عليه أيضاً - .
 وقد يُستشكل في الاستدلال على الوثاقة بكتاب الإمام الجواد (عليه السلام) باعتبار أن الراوي للكتاب هو نفس المحمودي وهو يروي مدحه ومدح أبيه ومن المعلوم أنه يلزم الدور في ما لو كان إثبات وثاقة شخص يرواية يرويها الشخص نفسه .
 ولكن هذا الإشكال ليس وارداً :
 أما بالنسبة إلى توثيق الأب فواضح عدم لزوم الدور بشأنه حيث لم يكن الاستدلال على وثاقته برواية يرويها هو عن نفسه بل برواية يرويها الابن عنه فهناك تغاير بين الراوي والممدوح ، نعم .. وثاقته تتوقف على وثاقة راوي المدح عنه وهو ابنه إلا أن المفروض أننا فرغنا عن وثاقته بالتوقيع المتقدّم الذي نقله الكشي عن بعض الثقات بنيسابور .
 وأما بالنسبة إلى توثيق الابن فإنه إنما يلزم الدور لو كان المراد استفادة نفس توثيقه بما رواه هو وليس المدّعى ذلك بل التأييد على توثيقه الذي استفيد من نصّ آخر وهو ما ذكرناه من التوقيع المنقول عن الكشي عن بعض ثقاته بنيسابور .
 فالنتيجة ثبوت توثيق كلا الرجلين فلا مشكلة في سند الرواية المبحوث عنها [8] من جهتهما .
 نعم .. يبقى شيء في المقام يختصّ بالتوقيع الشريف يتلخّص في أن الكشي يروي التوقيع عن بعض الثقات في نيسابور وهذا البعض غير معروف لدينا ومن هنا قد يقال إن هذا التوقيع غير نافع إذ من المعلوم أن التوثيق المجرد لا يكفي وحده لإثبات الوثاقة بل لا بد من كونه توثيقاً غير معارض بالجرح والتضعيف [9] ولا يمكن إحراز ذلك إلا بأمرين :
 الأول :

معرفة الشخص الموثّق بعينه .
 الثاني :

عدم كونه مضعّفاً أو مجروحاً ، وهذا يتوقّف على الفحص عن عدم ورود ذلك بشأنه في كتب الرجالين وكلماتهم .
 ولا ريب أن الثاني من هذين الأمرين يتوقف على الأول فإذا كان الشخص مجهولاً لم يمكن حينئذ استحصال اليقين أو الاطمئنان بعدم كونه مضعّفاً أو مجروحاً فلا يكون التوثيق الصادر بحقّه نافعاً .
 هذا الإشكال يُذكر في علم الرجال تحت مسألة : (إذا قال الثقة حدّثني الثقة) [10] وهو يرد في الحقيقة على كل من يعمل بمراسيل بعض الرواة من قبيل مراسيل ابن أبي عمير وصفوان ومراسيل الصدوق على رأي فإن هؤلاء جميعاً يروون في مراسيلهم عن ثقة من غير تعيين ولا طريق لنا لمعرفة أن هذا الثقة أو الثقاة الذين يروون عنهم ليسوا بمضعّفين ولا يكفي حينئذ التوثيق الصادر بحقهم من أنهم لا يروون إلا عن ثقة [11] ما لم يُضَمّ إليه إحراز عدم الجرح والقدح وهو غير ممكن في المقام لمجهولية المروي عنهم ، وتعذّرُ إحراز الشرط لا يوجب سقوطه بل الشرط يبقى على حاله ولا بد من الاعتناء به والنتيجة أنه لا يمكن العمل بمثل هذا التوثيق لأن العمل به مشروط بإحراز عدم المعارض وفي المقام لا يمكن ذلك .
 وأقول : قد ذكرنا في بعض ما كتبناه في الرجال عدة طرق لحلّ هذا الإشكال :
 الطريق الأول :

أن يُستظهر من كلام الموثّق [12] أنه في مقام التزكية والشهادة الفعلية بالوثاقة ، ومنشأ هذا الاستظهار كون المحدِّث في مقام إثبات ما حدّث به الثقة والاعتماد عليه ومن الواضح أن اعتماد الموثّق على ما حدّث به الثقة يتوقف على أن يكون المحدَّث عنه ثقة بالفعل وكونه كذلك بحيث يثبت حديثه ويصحّ الاعتماد عليه يتوقّف على عدم كونه مجروحاً ومضعّفاً فلا بدّ من أن يكون المحدِّث قد أحرز بنفسه في مرحلة سابقة ذلك وإلا فكيف يكون في مقام إثبات ما حدّث به الثقة والاعتماد عليه والحال أنه لا يجوز له ذلك إلا مع تمامية أركان التوثيق من المعرفة عن حسّ وإحراز عدم القدح فشهادة الموثِّق تنحلّ في الحقيقة إلى شهادتين : شهادة بالتوثيق وشهادة بعدم الجرح ، ومن الواضح أن الرجالي الخبير الثقة كما يُعتمَد على شهادته بالتوثيق يُعتمَد أيضاً على شهادته بعدم الجرح .
 وبعبارة أخرى : إن كون الموثِّق في مقام إثبات ما حدّث به الثقة والاعتماد عليه يكشف لنا بالإنّ أن أركان التوثيق تامة لديه فنحرز نحن توثيقه للشخص بالوجدان ونحرز عدم القدح فيه بالالتزام فيمكننا على هذا الاعتماد على ما صدر منه من توثيق .
 نعم .. لا يُنكر أنه يُحتمل في البين أن الجرح لم يصل إليه أو وصل ولم يَعتمِد عليه ولكن هذا الاحتمال منفي بالنسبة لنا فإنّا غير مكلّفين بإحراز عدم الجرح واقعاً بل يكفينا إحراز عدم الجرح ظاهراً وهو يُستحصَل في ما يصل إلينا من أقوال الرجاليين كما أن الكشي وغيره من أهل التخصّص في هذا الفن ليسوا مكلّفين بإحراز عدم الجرح واقعاً إذا فُرض عدم وصوله إليهم ، وكذا الحال في احتمال أن يكون قد وصل إليه جرح لكنه لم يعتمد عليه فإنه منفي بالنسبة لنا أيضاً وإنما العمدة في ما وصل إلينا من أقوال الرجاليين .. مع أن هذين الاحتمالين يردان حتى في صورة تعيين الشخص الموثَّق فعندما يشهد النجاشي بأن أبان بن عمر الأسدي - مثلاً ثقةٌ [13] يتأتّى احتمال أن يكون هناك جرح في شأن أبان ولم يصل إلى النجاشي وأن يكون قد وصله ولكنه لم يعتمد عليه فهذان احتمالان واردان حتى في هذه الصورة [14] ومع ذلك لا يمنعان من الأخذ بشهادته والعمل بها.
 والحاصل أن أمثال هذه الاحتمالات منفية ظاهراً ويكفي أن يُستظهَر من كلام الموثِّق أنه في مقام إثبات وثاقة الشخص الذي لم يسمّه - بنحو يَعتمِد هو عليه ويكون غرضه إثبات ما أخبر به هذا الثقة فحيث يتوقف ذلك على إحرازه عدم الجرح بحقّه فتعدّ هذه شهادة ضمنية منه تضاف إلى توثيقه له لتكون النتيجة تمامية أركان التوثيق فيصحّ الاعتماد حينئذ عليه .
 الطريق الثاني :

الالتزام بسقوط هذا الشرط أعني إحراز عدم الجرح - في حالة تعذّر تحصيله كما في حال عدم تعيين الشخص الموثّق دون ما إذا أمكن تحصيله [15] فلا يصحّ حينئذ الاعتماد على التوثيق بمجرّده فلا يجوز لنا الأخذ بتوثيق النجاشي للمعلّى بن خنيس - مثلاً إلا بعد إحراز عدم الجرح بحقّه ، وفي المقام حيث لا يمكن إحراز هذا الشرط لعدم تعيين الشخص الموثَّق فهنا يسقط اعتبار هذا الشرط ، والمستند في ذلك دعوى أن سيرة العقلاء قائمة على العمل بالتوثيق بمجرد وصوله ولا يتوقفون - في حال تعذّرَ عليهم الفحص - عن الأخذ به حتى يحرزوا عدم الجرح ، وهذه الدعوى ليست جزافاً كيف! وقد ادُّعيت في ما هو أهّم من هذا المقام كما في علم الأصول حيث نُصّ على العمل بالعمومات والمطلقات عندما يتعذّر الفحص عن المخصّصات والمقيّدات كما في بعض الظروف الحرجة كظرف التقية مع أن الفارق بين ما نحن فيه وهذا المورد عظيم إذ أن المتكلم بالعام والخاص واحد ، والعمومات في معرض التخصيص لأن طريقة الشارع أن لا يُلقي مطالبه كلها دفعة واحدة وإنما يُبيّنها من خلال المقيّدات والمخصّصات ومع ذلك في حالات عدم التمكن من الفحص جوّز العمل بالعام بخلاف المقام حيث يكون الكلام صادراً من جهتين فالتوثيق صادر من جهة والتضعيف يصدر من أخرى وليس لدينا أصل مفاده كون التوثيق في معرض التضعيف فإذا جاز العمل بالعام في حالات تعذّر الفحص عن مخصّصه فجواز العمل بالتوثيق في حالات تعذّر الفحص عن معارضه من باب أولى .
 والحاصل أن دعوى سقوط هذا الشرط في محلّ الكلام عند التعذّر وعدم التمكن ليست ببعيدة .
 وهناك طريق ثالث يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى .


[1] أي الكشي .
[2] اختيار معرفة الرجال ج2 ص844 الحديث 1088 .
[3] على إشكال سيأتي بيانه والجواب عليه عند الاستدلال على وثاقته أبيه .
[4] أي الابن .
[5] اختيار معرفة الرجال ج2 ص833 الحديث 1057 .
[6] فإن في اعتبار الترضّي شهادة بالوثاقة خلافاً فقال بعضهم باعتباره لأنه آية جلالة الشخص وأنكر آخرون ذلك .
[7] أي عن الابن لعطفه في الترضّي على أبيه في قوله (عليه السلام) : " رضي الله عنه وعنك " .
[8] وهي المذكورة في الدليل السابع المتقدّم : " قال : سمعته يقول : الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره .. " .
[9] وأما التوثيق المعارض بالجرح فمن الواضح عدم نفعه إذ لا أقلّ من التساقط إن لم تكن الأرجحية للتضعيف .
[10] أي من دون أن يذكر اسم المحدَّث عنه .
[11] كما صدر مثل هذا القول بحقهم من قبل الشيخ الطوسي (قده) أي من أن مثل ابن أبي عمير لا يروي إلا عن ثقة - .
[12] وهو الكشي في محلّ الكلام .
[13] وهذه الشهادة تنحلّ - كما ذُكر - إلى عقدين : إيجابي بالتوثيق وسلبي بعدم التضعيف فتؤخَذ شهادته هذه ويُعتمد عليها .
[14] أي صورة التعيين .
[15] أي إحراز عدم الجرح .