33/03/01


تحمیل
  (بحث يوم الثلاثاء 30 صفر الخير 1433 ه 61 ، والأربعاء 1 ربيع الأول 1433 ه 62)
 كان الكلام في الرواية الثانية وهي صحيحة هشام بن الحكم وذكرنا أنه قد يقال بأن هذه الرواية ليس فيها دلالة على عدم نفوذ علم القاضي الحسي وإنما هي لو دلّت على عدم نفوذ العلم فإنما تدلّ على عدم نفوذ العلم الحدسي بتقريب أن استناد الحاكم إلى البيّنة واليمين إنما يكون مع علمه بهما عن حسّ بمعنى أنه يرى البيّنة ويسمع إفادتها ويرى الحالف ويسمع قسمه وحينئذ يقال بأن احتمال أن يكون العلم الحسّي بالبيّنة واليمين نافذاً مع عدم نفوذ العلم الحسّي بالواقع الذي هو محلّ الكلام هو احتمال بعيد جداً بل هو خلاف الظاهر لأن العلم الحسّي بالواقع هو أقرب إلى الواقع من العلم الحسّي بالبيّنة أو اليمين الكاشفين عن الواقع .
 وأقول : يمكن أن يُلاحظ على هذا البيان أن ما يكون نافذاً عند قيام البيّنة وكذا اليمين - ليس هو العلم الحسي بما قامت عليه البيّنة بل هو القضاء المستند إليها ، وبعبارة أخرى أن علم القاضي الحسي بالبيّنة ليس علماً بما قامت عليه مباشرة ليكون في عَرَضها فيكون نافذاً مثلها بل هو علم بمؤدّاها بواسطتها فالقاضي بعد سماعه البيّنة إن حصل له علم بمؤدّاها فليس هو علماً حسيّاً به إذ هو لم يشاهد بعينه ما شاهدته البيّنة بعينها بل هو علم حصل نتيجة الركون إليها واستيجابها في بعض الأحيان - وثوق القاضي بحصول مؤدّاها ومثله لا يكاد يُعدّ علماً حسيّاً بالمؤدّى على غرار علم البيّنة به ، ومن الواضح أنه ليس في هذا دلالة على المطلوب من نفوذ علم القاضي إذا كان عن حسّ فإن المراد به علمه بالواقعة عن حس علماً مباشرياً لا علماً بها بواسطة استيجاب أمر آخر فإن مثل هذا العلم هو في الحقيقة علم حدسي لا حسي .
 ومع الغضّ عمّا ذُكر والتسليم بكونه علماً حسياً بالواقعة فإن هناك فرقاً بينه وبين علم البيّنة واليمين - باعتبارها طرقاً شرعية معتبرة للإثبات القضائي - وهو أن ما يُقصد بالقضاء إنما هو حلّ الخصومة ورفع النزاع ومن الواضح أن الاستناد في القضاء إلى البيّنات والأيمان يُخرج القضاء عن كونه قضية شخصية ترتبط بالقاضي نفسه وتعطيه نوع شفافية وقبول لدى الأطراف فتُسرع في إنهاء الخصومة وتُعجّل في حلّ النزاع بصورة أكبر مما لو قضى القاضي استناداً إلى علمه الشخصي .. ومع هذا الفارق - ولو كان بمستوى الاحتمال - لا يسع القول بأن القضاء اعتماداً على البيّنة ولو استلزمت علم القاضي بمؤدّاها ملازم لنفوذ القضاء المعتمد على العلم الحسي الشخصي فإن هذا فارق وجداني واضح يكفي احتماله مانعاً من الانتقال من نفوذ القضاء المعتمد على البيّنة أو اليمين المحسوسين إلى نفوذ القضاء المستند إلى العلم الحسي .
 وبعبارة أخرى : إنه لا أولوية في البين بل ولا مساواة بين نفوذ القضاء اعتماداً على البيّنة أو اليمين المحسوسين ونفوذ القضاء استناداً إلى العلم الحسي فيمكن بناءً على هذا - التفريق بينهما في الحكم وتجويز الأول دون الثاني .
 فظهر مما تقدّم أن الاستدلال بالرواية على عدم نفوذ العلم باعتبار حصر القضاء بالبيّنات والأيمان لو تمّ فهو إنما يتمّ مطلقاً أي سواء في العلم الحسي أو العلم الحدسي إذ لا فرق في ما يخرج عن المحصور [1] بين العلمين فلا يكون كل منهما معتبراً .
 لكن عرفت في ما تقدّم الخدشة في أصل الاستدلال حيث طرحنا قرائن عديدة على عدم كون الحصر في الرواية الشريفة حقيقياً وإنما هو حصر بالإضافة إلى العلم الغيبي للنبي (صلى الله عليه وآله) أي أنه يريد أن ينفي أن يكون قضاؤه مستنداً إلى علمه الغيبي المطابق للواقع حتماً وإنما يريد أن يُثبت أنه يقضي استناداً إلى علمه العادي الحاصل من الرؤية والمشاهدة - مثلاً ، وهذا قد يُفترض فيه المخالفة للواقع [2] فيكون حاله حال البيّنات والأيمان .
 الرواية الثالثة

[3] :

ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال :
 " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قالوا لسعد بن عبادة : أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ قال : كنت أضربه بالسيف ، قال : فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : ماذا يا سعد ؟ قال سعد : قالوا : لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ًما كنت تصنع به ؟ فقلت : أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد وكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أنه قد فعل ؟ قال : إي والله بعد رأي عينك وعلم الله أنه قد فعل لأن الله عز وجل قد جعل لكل شيء حدّاً وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً " [4] .
 وهذه الرواية معتبرة سنداً وقد رُويت بعدة طرق ، وتقريب الاستدلال بها من جهة ظهورها في عدم نفوذ علم الرجل وأنه لا بد من الأربعة شهود وأنه من دونها لا يمكن أن يثبت هذا الحدّ ، ويُعمّم هذا الأمر للقاضي بالأولوية فيقال بعدم جواز استناده في القضاء إلى علمه وعدم نفوذ حكمه حينئذ .
 ولكن يمكن أن يُلاحظ على هذا البيان بأن الرواية ليست بصدد نفي الاستناد إلى العلم في باب القضاء وإنما هي في مقام بيان أن إقامة الحدّ هو من وظيفة الحاكم بعد الترافع وشهادة أربعة شهود وليس من شأن الزوج ذلك [5]
  ولذا جُعل الأربعة شهود في هذه الرواية في مقابل علم الزوج لا في مقابل علم القاضي بل لم يُذكر علم القاضي فيها أصلاً حتى يُدّعى نظر الرواية إلى عدم نفوذه بل هي إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على عدم الاعتبار بعلم الزوج ولا دلالة في هذا على عدم الاعتبار بعلم القاضي ، ومن هنا كان ذكر الأربعة شهود في الرواية للإشارة إلى لزوم وجود قاضٍ ووجود قضية تُرفع إليه ولذا فلا يجب على القاضي أن يستند في قضائه إلى خصوص الأربعة شهود بل يمكن له الاستناد إلى طرق أخرى لو توفّرت له فإن الرواية ليست بصدد البيان من هذه الجهة ويشهد لذلك عدم ذكر الإقرار في الرواية مع أنه لا إشكال في كونه وسيلة من وسائل إثبات الزنا ومقتضياً لإقامة الحدّ .
 فتحصّل أن الذي يُفهم من قوله (صلى الله عليه وآله) : (فأين الأربعة شهود؟) هو الكناية عن لزوم الترافع إلى الحاكم الذي يقضي عادة في مثل القضية بأربعة شهود فالرواية إذاً ليست في مقام نفي جواز استناد الحاكم إلى غير الأربعة شهود لإثبات الزنا وإقامة الحدّ وإنما هي في مقام نفي إقامة الحدّ من قبل الزوج فلا يُفهم منها انحصار طريق ثبوت الزنا وإقامة الحد بخصوص الأربعة شهود ليقال بأنه يثبت حينئذ بمفهوم الحصر نفي الاستناد إلى غير ذلك ومنه علم القاضي .. ومن هنا فلا تعارض بين هذه الرواية وما دلّ على جواز إقامة حدّ الزنا للحاكم إذا اطّلع على الواقعة وعدم احتياجه حينئذ إلى بيّنة أصلاً كما صرّحت بذلك معتبرة الحسين بن خالد المتقدمة .
 الرواية الرابعة :

ما رواه الكليني عن الحسين بن محمد عن معلّى عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن أبي جميلة عن إسماعيل بن أبي أويس عن ضمرة بن أبي ضمرة عن أبيه عن جدّه قال :
 " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : " أحكام المسلمين على ثلاثة : شهادة عادلة ، أو يمين قاطعة أو سُنّة ماضية من أئمة الهدى " [6] .
 وتقريب الاستدلال بهذه الرواية من جهة ظهورها في حصر أحكام المسلمين في ثلاثة فيثبت بالمفهوم نفي الاستناد إلى ما عدا هذه الأمور الثلاثة ومن ذلك علم القاضي .
 ولكنه غير تام وذلك لتأتّي احتمال عدم كون الحصر فيها حصراً حقيقياً لاسيما بعد ما تقدّم من أن صحيحة هشام بن الحكم المتقدّمة قد حصرت القضاء في شيئين وهما البيّنات والأيمان وهذه الرواية تحصره في ثلاثة فهذا يُشكّل قرينة على عدم كون الحصر في هذه الروايات حصراً حقيقياً ، ومع الغضّ عن ذلك فيتأتّى احتمال اندراج علم القاضي في الفقرة الثالثة وهي الشهادة العادلة فتدلّ حينئذ على عكس مطلوب المستدلّ [7] ، ومع الغضّ عن ذلك وتسليم تمامية دلالتها فلا يمكن الاستناد إليها لضعفها سنداً للقدح في كثير ممن ذُكر في سندها أو مجهوليته .
 هذه عمدة الروايات التي قد يُفهم منها الحصر بالأيمان والبينات والجواب عنها .
 الدليل الثاني [8] : ما قد يقال من أن بعض الطرق المجعولة في باب القضاء من قبيل الإقرار والشهادة كثيراً ما يحصل العلم للحاكم بالواقع قبل تماميتها فالإقرار بالزنا - مثلاً الذي لا يستوجب الحدّ إلا بتكرره أربع مرات وعدم كفاية الإقرار فيه مرة واحدة قد يحصل منه بحسب العادة العلم للحاكم بالواقع قبل حصول الإقرار الرابع من جهة كون هذا الذي يُقرّ هو بحكم مجيئه باختياره وإقراره بذنبه مع عدم كونه ملزماً بذلك إنما يُعبّر في ذلك عن صدقه الكاشف عن وقوع ما أخبر به فإذا ضممنا إلى هذا [9] إصرار الروايات على اشترط الإقرار أربع مرات فهذا يكون كالصريح في عدم جواز التعويل على العلم الحاصل للحاكم قبل ذلك .
 ومثل هذا البيان يجري في الشهود الأربعة في باب الزنا حيث إن الشهود عندما يكونون عدولاً فقد يحصل العلم من شهادة عادل واحد فضلاً عن اثنين أو ثلاثة منهم ومع ذلك فالروايات تصرّ على كون الشهود أربعة فهذا الإصرار هو كالصريح في أن العلم الذي يحصل قبل الشهادة الرابعة لا اعتبار به ولا يجوز أن يُستند إليه في إقامة الحدّ بل قد يقال بأنه يمكن تعميم ذلك حتى للبيّنة التي هي عبارة عن شهادة عادلين مع أنه قد يحصل العلم بشهادة عادل واحد لكونه ثقة أو كونه خبيراً - مثلاً أو لظروف خاصة في القضية فالإصرار على أن يكون هناك شاهد آخر حتى مع فرض حصول العلم قبله يكشف عن عدم الاعتبار بهذا العلم .
 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 (بحث يوم الأربعاء 1 ربيع الأول 1433 ه 62)
 استدراك :
 ذكرنا في الدليل الأول عدة روايات ادُّعيَ أنها ظاهرة في حصر القضاء بالبيّنة أو بالبيّنة واليمين حسب اختلاف ألسنتها وهاهنا نضيف إليها رواية أخرى ذُكرت في كلماتهم وهي الخبر المروي من طرق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قضية حول الملاعنة ورد فيها هذه العبارة : " لو كنت راجماً أحداً بغير بيّنة لرجمتها " ونحوه أيضاً قوله : " لو كنت راجماً أحداً بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها " [10] .
 حيث يظهر منه أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليرجم تلك المرأة إلا ببيّنة مع وضوح أنه كان عالماً بكونها بغيّاً فيُستفاد منه أنه (صلى الله عليه وآله) كان لا يرجم أحداً إلا ببيّنة حتى مع علمه باستحقاقه الحدّ .
 ولكن يُشكل على الاستدلال بهذا الحديث - مضافاً إلى عدم اعتباره سنداً تطرّق احتمال أن العلم الحاصل عند النبي (صلى الله عليه وآله) بكون المرأة بغيّاً هو علم غيبي إلهي فكأنه (صلى الله عليه وآله) يريد أن يقول إني لو كنت أرجم أحداً اعتماداً على العلم الغيبي الإلهي لرجمت هذه المرأة لكني لا أرجم إلا اعتماداً على الموازين القضائية من البيّنة وأمثالها وهذا غير ما هو المطلوب من هذه الأدلة من إرادة نفي اعتبار العلم الحاصل من الأسباب العادية .
 هذا في ما يتعلّق بالدليل الأول .
 وأما بالنسبة إلى الدليل الثاني المذكور - الذي مفاده أن بعض الطرق المجعولة في باب القضاء من قبيل الإقرار والشهادة كثيراً ما يحصل العلم بالواقع للحاكم قبل تماميتها فيُفهم من الإصرار على إكمال العدد [11] وعدم الاكتفاء بالعلم الحاصل قبل ذلك عدمُ جواز التعويل على مثل هذا العلم - فقد يُشكل عليه بأن هذه النتيجة أعني عدم جواز التعويل على العلم في باب إقامة حدّ الزنا حتى يكمل العدد المعتبر كما هو صريح الرواية لاسيما في حدّ الله تنافي ما تدلّ عليه معتبرة الحسّين بن خالد المتقدّمة من جواز إقامة الحدّ في باب الزنا استناداً إلى العلم حيث ورد فيها أن : " الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ ولا يحتاج إلى بيّنة " فإن المراد من النظر والشهادة العلم .
 ولكن يمكن الجواب عنه بالتفريق بين ما تدلّ رواية الحسّين بن خالد على اعتباره من العلم في إقامة الحدّ وما يدلّ هذا الدليل على عدم اعتباره وعدم جواز التعويل عليه .. بيان ذلك :
 أنّه قد تقدّم منّا أن العلم الذي تدلّ رواية الحسّين بن خالد على اعتباره وجواز إقامة حدّ الزنا اعتماداً عليه هو العلم الحسّي المستند إلى النظر والمشاهدة وهو علم بالواقع مباشرة في حين أن العلم الذي يحصل من الإقرار أو شهادة الشهود ليس علماً بالواقع مباشرة وإنما هو علم بالواقع بتوسّط إقرار المقرّ أو شهادة الشهود فليس هو علماً حسّياً مباشرياً بل هو أشبه بالعلم الحدسي إذ لم يطّلع الحاكم به على الواقع كاطّلاع المقرّ أو البيّنة عليه .
 وبهذا التفريق بين العلمين يرتفع التعارض بين الدليلين .
 نعم .. قد يورد على هذا الدليل بأنه أخصّ من المدعى لأن اشتراط وصول عدد الإقرارات والشهود إلى أربعة مختصّ بحدّ الزنا ولم يثبت في غيره من الحدود فضلاً عمّا هو محلّ الكلام من باب المرافعات والقضاء ففي حدّ الزنا حيث تصرّ الروايات على عدم ثبوته إلا بالإقرار أربع مرّات مع وضوح أنه كثيراً ما يحصل العلم نتيجة الإقرار مرة واحدة أو مرتين يكون المفهوم منه عدم جواز التعويل على العلم الحاصل نتيجة الإقرار .. ولكن هذا في خصوص حدّ الزنا ، وأما في غيره من الأقضية والمرافعات حيث لا يُكتفى إلا بشهادة العدلين وهي البيّنة - فلا نستطيع القول هنا أنه كثيراً ما يحصل العلم نتيجة شهادة شاهد واحد ، وعلى ذلك فيمكن أن تُحمل الأدلة الدالة على اشتراط التعدد في الشهود على أنها غير ناظرة إلى حالة حصول العلم بشهادة الشاهد الواحد حتى تنفي اعتباره ، ويكونُ المفهوم من إصرارها على اشتراط انضمام الشاهد الثاني هو عدم جواز التعويل على شهادة الشاهد الواحد لا على عدم اعتبار العلم الحاصل منه لو فُرض تحقّقه - .
 فالنتيجة أن هذا الدليل لو كان منتجاً لعدم جواز التعويل على العلم فهو إنما يُنتج ذلك في خصوص باب الزنا لا في جميع الموارد لاسيما محلّ الكلام الذي هو باب المرافعات .
 مع أنك قد عرفت أن ما ينفي جواز التعويل عليه من العلم إنما هو العلم الحدسي الحاصل من الإقرار أو الشهادة لا ما هو المطلوب من العلم الحسّي .
 الدليل الثالث

[12] :

ما يقال من أنه لم يُعهد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد من الأئمة (عليهم السلام) أنهم كانوا يقضون بعلمهم وإنما كانوا يقضون بالأيمان والبيّنات كما يُؤيد هذا بعض ما تقدّم من الأحاديث ولو كان القضاء بالعلم جائزاً لفعلوه ولو نادراً مع أنه لم يُنقل ذلك عنهم (عليهم السلام)
 وفي هذا دلالة على عدم جواز التعويل على العلم وعدم نفوذ القضاء الناشئ منه .
 ولكن هذا الكلام ضعيف فإن ما هو مسلّم ومتّفق عليه أن النبي (صلى الله عليه وآله) وكذا أئمة الهدى (عليهم السلام) لم يكن يقضون بعلمهم الغيبي الإلهي الذي هو مطابق للواقع جزماً وهذا لا يعني إطلاقاً أنهم كانوا لا يستندون إلى العلم العادي الذي يحصل من أسباب معينة التي لو حصلت لغيرهم لحصل له العلم بالواقع أيضاً ولعل في بعض الروايات ما يشير إلى هذا المعنى [13] ،
 وأما ما ورد في هذا الدليل من أنه لم يُنقل عنهم (عليهم السلام) ما يُشير إلى استنادهم إلى العلم العادي في قضائهم فيمكن أن يُجاب عليه بناءً على اختيار أن علم المعصوم (عليه السلام) إرادي لا فعلي بأن عدم قضائهم (عليهم السلام) استناداً إلى العلم ليس فيه دلالة على عدم جواز التعويل عليه لو حصل - اتفاقاً أو بإرادة - وإنما هو من جهة عدم علمهم الفعلي بتفاصيل القضايا وجزئياتها وإن كانوا لو أرادوا أن يعلموا بها لعلموا في ما إذا اقتضت المصلحة ذلك ولذا هم يقضون بالبيّنات والأيمان .
 ولكن هذا الجواب - كما علمت - مبني على اختيار أن علم المعصوم (عليه السلام) إرادي وليس علماً فعلياً .


[1] وهو البيّنات والأيمان .
[2] بناءً على أن علم المعصوم (عليه السلام) هو علم إرادي أي أن علمه (عليه السلام) بتفاصيل القضايا ليس علماً فعلياً حاضراً على كل حال وإنما هو مرتبط بإرادته واختياره الاطّلاع عليها . (منه دامت بركاته)
[3] التي تدخل في ضمن الدليل الأول الذي هو عبارة عن الروايات التي يُفهم منها حصر القضاء بالبيّنات والأيمان.
[4] الكافي مج7 ص176 ، الوسائل الباب الثاني من أبواب مقدمات الحدود الحديث الأول مج28 ص14 .
[5] أي أن يقيم الحدّ على الزاني ، وطبعاً هذا لا ينافي الروايات التي تجوّز للشخص أن يُدافع عن عرضه ولو بقتل المعتدي لأن المفترض في هذه الرواية هو علم الزوج بالحدث بعد صدوره لا في الأثناء حيث يجوز حينئذ للشخص أن يدافع عن عرضه ولو بقتل المعتدي بناءً على الالتزام بجواز الدفاع عن المال والعرض والنفس ولو بقتل الشخص الذي يريد انتهاك شيء من ذلك . (منه دامت بركاته)
[6] الوسائل الباب الأول من أبواب كيفية القضاء الحديث السادس مج27 ص44 .
[7] حيث تدلّ حينئذ على نفوذ علم القاضي واعتباره .
[8] مما يُستدلّ به على عدم النفوذ .
[9] أي حصول العلم للحاكم قبل حصول الإقرار الرابع .
[10] سنن ابن ماجة مج2 ص856 .
[11] أي وصول عدد الإقرارات والشهادات إلى أربعة .
[12] مما يُستدلّ به على عدم جواز التعويل على العلم .
[13] أي أنهم كانوا يقضون بعلمهم العادي .