38/01/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 25 ) التنجيم - المكاسب المحرمة.

الرواية الخامسة:- محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الملك بن أعين قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة ، فقال لي:- تقضي ؟ قلت:- نعم ، قال:- أحرق كتبك )[1] .

ومدلولها واضح:- حيث سأل عبد الملك أنه حينما تطرأ حاجة أنظر في النجوم فإذا رأيت طالع الخير فسوف أذهب وإلا فلا والامام عليه السلام قال له ( تقضي ؟ ) يعني تجزم بذلك أو أنه يحتمل ؟ ( فقال:- نعم ، فقال:- احرق كتبك ) ، إنه بناءً على هذا تكون الرواية دالة على أنّ الشخص إذا كان يقضي يعني أنه يعتقد بأنّ لها التأثير الحتمي فحينئذٍ هذا يلزم أن يحرق كتبه وهذا يمكن أن يستفاد منه التحريم لكن في حالة ما إذا كان يقضي بمعنى يعتقد أنّ لها التأثير الكامل وأنَّ الله عزّ وجلّ بمعزلٍ عن ذلك وهي التي تؤثر تأثيراً مستقلاً ، فهي تدلّ على التحريم في هذه الحالة ونحن نريد أوسع من ذلك لا هذه الحالة فقط فإنّ هذه الحالة لا إشكال في حرمتها لأنها تعطيلٌ لقدرة الله عزّ وجلّ فمدلولها يكون خارجاً عن محلّ الكلام ولا ينفع ، فهي تدلّ على التحريم ولكن في مساحةٍ لا تنفعنا ، والمساحة التي تنفعنا هي أنّ يستند إلى النجوم وأنه يعتقد أنّ لها التأثير ولو في الجملة فإنّ هذا الذي نريد إثباته وهذه الرواية لا تدل على ذلك ، هذا احتمالٌ.

ويوجد احتمالٌ آخر في قراءة كلمة ( تقضي ) حيث تقرأ بالمبني للمجهول - أي ( تقضى ) - ، يعني حينما تخرج هل تقضى حاجتك أو أنها تتعثّر ولا تقضى ؟ فقال له نعم تقضى وهنا قال له الامام عليه السلام أحرق كتبك ، ولماذا قال له أحرق كتبك ؟ لأنه مادام تقضى حاجته فسوف تشتدّ عقيدته بالنجوم وحينئذٍ يسند التأثير الكامل إليها ، فتخوّفاً عليه قال له الامام عليه السلام احرق كتبك.

إذن يوجد احتمالان في كيفية قراءة كلمة ( تقضي ) وعلى تقدير كليهما لا تنفعنا الرواية فيما نريد ، بل تنفعنا فيما إذا اعتقد المنجّم التأثير الكامل والمستقل للنجوم أما ما زاد على ذلك فلا تدلّ على حرمته.

وأما من حيث السند[2] :- فقد قلنا رواها الشيخ الصدوق(قده) هكذا:- ( محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن أعين وكنيته أبو ضريس )[3] .

وماجيلويه قد ذكرنا فيما سبق أنه من مشايخ الصدوق ولكن لا يوجد توثيق في حقّه ، نعم هو قد ترضّى عنه وربما يقال إنَّ الترضّي يدل على التوثيق ببيان أنَّ كلمة رضي الله عنه أو غفر الله عنه وإن كنّا نستعملها في الأعم أيّ في حقّ كلِّ إنسان ولو المذنب أو المنحرف[4] ، فالمقصود هو أنه وإن كانت تستعمل عندنا أو لغةً للأعم لكن في كلمات السابقين إذا تتبعناها نجد أنهم لا يستعملون الترضّي وهكذا الترحّم إلا في حقّ الأعاظم والأجلّة ، من قبيل كلمة عليه السلام فأنت تستطيع أن تقول عليه السلام في حقّ أيّ أحدٍ ولكن صار كأنه نوع وضع تعيّني لخصوص صاحب المرتبة العالية جداً ، فبالنسبة إلى الترضّي والترحّم في كلمات السابقين هكذا يمكن أن يقال ، وعلى هذا الأساس قد يبني البعض على أنَّ الترحّم والترضّي يكفي في إثبات الوثاقة.

ولكن يمكن أن يقال:- لو ثبت هذا فهو شيءٌ جيد ، ولكن كيف تثبت هذا الاحتمال وهذا المعنى ؟ فمن السابقين والمتداول عنده هو الشيخ الصدوق فكيف تثبت أنه لا يستعملها إلا في حقّ عالي المرتبة فهو فقط قال رضي الله عنه ولكن اتفاقاً لعلّه بعضهم يستعملها في حقّ الأعاظم لكن هذا لا يدلّ أنها مختصّة بذلك ، فاستكشاف أنهم يستعملونها في حقّ الأعاظم شيءٌ صعب ، يعني هذه دعوى كبيرة من دون مستند ، فإذن هذا شيءٌ مشكل ، نعم هذا الاحتمال موجودٌ ولكنه لا يكفي.

نعم هنا طريق آخر:- وهو مسألة شيخوخة الاجازة ، فمادام هو من مشايخ الاجازة - من مشايخه - فبناءً كفاية شيخوخة الاجازة فحينئذٍ ربما يقال بوثاقته ، ولكن هذا طريق ثاني ، أما نحن الآن فنريد أن نتكلّم من ناحية الترضّي والترحّم واستفادة الوثاقة منه شيءٌ مشكل.

فإذن ماجيلويه قضيته مشكلة من هذه الناحية وهذا على المبنى فإمّا أن تمشّي أمره على شيخوخة الاجازة إذا كنت تبني على ذلك ، وإما أن تمشّي أمره بالترضّي إذا كنت تبني عليه ، وإذا كان عندك تردّد وإشكال فإذن تتوقّف في هذا الرجل وما شاكله.

وأتذكر جملة من مجلس درس السيد الخوئي(قده):- أنه كان لا يقبل بأنّ الترضّي والمغفرة والترحّم يدلّ على التوثيق وكان يستشهد بقول الامام الصادق عليه السلام:- ( اللهم ارحم تلك الوجوه التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله ) وهل هذا يدلّ على أنّ كلّ هؤلاء ثقاة وأعاظم ؟! كلا ، فطلب الرحمة والمغفرة ليس فيه دلالة على ذلك.

ولكن يمكن أن يناقش ويقال:- إنَّ الترضّي الخاص هو الذي فيه دلالة ، أمّا الترضّي العام - ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ) – فهو ليس فيه دلالة عرفية ، فمن يريد أن يدّعي ذلك فهو يدّعيه في الترضّي أو الترحّم عن الشخص الخاص.

وأما عمّه محمد فقد قلنا فيه كلام أو يبنى على وثاقته ، وأما أحمد بن أبي عبد الله فهو البرقي ولا مشكلة فيه ، وأما أبيه فلا مشكلة فيه ، وأما يونس بن عبد الرحمن فلا مشكلة فيه أيضاً.

وأما عبد الملك بن أعين فلا يوجد توثيق في حقّه ، بيد أنّ الكشي(قده) يذكر رواية وهي معتبرة الحسن بن علي بن يقطين قال:- ( حدثني المشايخ أن حُمران[5] وزرارة وعبد الملك وبُكَيراً وعبد الرحمن بن أعين كانوا مستقيمين ومات منهم أربعة في زمان أبي عبد الله عليه السلام ) ، والمهم لنا أنه قال ( كانوا مستقيمين واحدهم عبد الملك ) ، وقد قلنا الرواية سندها معتبر.

ولكن قد تتوقّف وتقول:- من هم المشايخ الذين ينقل عنهم فإنا لا نعرفهم فصار التوثق مرسل ؟

ولكن نقول:- إنَّ المشايخ يعني مجموعة كثلاثة أو أربعة من مشايخنا واحتمال أنّ هؤلاء اجتمعوا على الكذب أو اشتبهوا بعيدٌ جداً وضعيف ، فلا تتوقّف من هذه الناحية ، فيمكن أن يستند إلى هذه الرواية.

اللهم إلا أن تقول:- إنَّ تعبير ( كانوا مستقيمين ) ليس فيها دلالة على التوثيق بل هو مستقيم في مذهبه أما الدلالة على التوثيق فليس فيها ، والقضيّة ترجع إليك وأنا أقول لا يبعد أن مثل هذه العبارة يستفاد منها التوثيق.

إذن الرواية يمكن أن نقول هي معتبرة بناءً على وثاقة محمد بن علي ماجيلويه.

الرواية السادسة:- الصدوق عن محمد بن الحسن عن الصفّار عن الحسن بن علي الكوفي عن اسحاق بن إبراهيم عن نصر بن قابوس قال:- ( سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول:- المنجم ملعون والكاهن ملعون ... )[6] .

ولعلّ هذه أحسن الروايات دلالةً بناءً على أنَّ اللعن يدلّ على التحريم ، فبناءً على ذلك هي فيها إنشاءُ لعنٍ للمنجّم فحينئذٍ يستفاد منها التحريم ، وهي مطلقة فهي لم تقل المنجّم الذي يعتقد أنَّ للنجوم التأثير المستقل بل هي مطلقة من هذه الناحية فلا بأس بدلالتها ولكن بناءً على أن اللعن يدلّ على التحريم ونحن كنّا فيما سبق نتردد في دلالة اللعن على التحريم.

وأما سندها:- فالصدوق يرويها عن محمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن الحسن بن الوليد هو شيخ الصدوق وهو ثقة جليل ، وأما الصفّار فهو معلوم الوثاقة ، وأما الحسن بن علي الكوفي فهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي ثقةٌ ثقة - هكذا قال عنه النجاشي - ، وأما إسحاق بن إبراهيم فلم يوثّق ، وأما نصر بن قابوس الذي هو اللَّخمي قال عنه النجاشي:- ( روى عن الصادق والكاظم والرضا وكان ذا منزلةٍ عندهم )[7] وهذا يكفي.

اللهم إلا أن يقال:- نحن نأخذ بتوثيقات النجاشي أما غير توثيقاته فلا نأخذ بها ، فهو الآن ينقل رواية وهي مرسلة فهو ينقل أنه كان ذا منزلة وهذه الرواية مرسلة والارسال إنما نتسامح فيه في باب التوثيقات أما في باب نقل قضية ورواية وأنه كان ذا منزلة فهذا يحتاج إلى صحّة سند.

وإذا توقّف من هذه الناحية فقد عدّه المفيد(قده) أنه من خاصّة أبي الحسن موسى عليه السلام وثقاته كما ورد في الارشاد في باب ذكر الإمام القائم بعد الامام أبي الحسن عليه السلام.

وعلى أيّ حال المشكلة هي من ناحية بن إبراهيم فجهالة واحد في السند يكفي في عدم اعتبار هذه الرواية.

إذن اتضح أنّ هذه الرواية التي دلالتها لا بأس بها بناءً على أنَّ اللعن يدلّ على الحرمة فيها مشكلة من حيث السند.

هذا بالنسبة إلى روايات المسألة.


[2] ونحن لا نحتاج إلى بحث السند لأن دلالتها إذا كانت ضعيفة فلا نحتاج إلى السند ولكن لأجل بعض النكات الرجالية لا بأس بالتعرض إليه.
[4] ومن الواضح ليس المذنب بالدرجة العالية فلا لا استطيع أن أقول حرملة رضي الله عنه فإنّ هذا غير صحيح.
[5] هكذا ضبطت بضم الحاء، والذين يضبطون هذه الكلات من اين لكم هذا فالطريحي أو المامقاني أو العلامة عندهم كتب يضبطون فيها قراءة الكلمات، وما هو مستندهم في ذلك ؟، مثل اهل التجويد الآن فهم يوقلون إذا التقى هذا الحرف مع هذا الحرف فيلزم أن يقرا هكذا التفخيم والترقيق وما هو مستندهم ؟ إنه لا متند لذلك ولذلك لا عبرة لأحكام التجويد إلا إذا فرض أن القراءة عدّت غلطاً في العرف العربي من دون مراعاة هذا الحكم كالإدغام في باب التنوين فذغا قلنا هذا غلط من دون ادغام والعرب يضحكون إذا لم يكن إدغام بل لا يصنعون ذلك فإذا قلنا هكذا فنعم أما إذا لم نقل بذلك فلا، فحينئذٍ لا يصير الادغام واجباً ن وقصدي هذا الشيء يأتي في احكام التجويد كما يأتي في مسألة ضبط قراءة الكلمة، ولكن نحن نقول مادام ذكروا الكلمة بهذا الضبط فيوجد عندنا مستند وهوانهم ذكروا الكلمة بهذا الشكل ومراعاة هذه القضية لا بأس بها فضبطت ( حُمران ).