33/03/25


تحمیل
  (بحث يوم السبت 25 ربيع الأول 1433 هـ 77)
 كان الكلام في أن حكم الحاكم في باب الإقرار هل يتوقف على طلب المدّعي أم لا ، وكان آخر ما ذكرناه أنه يمكن الالتزام بالتوقف [1] من جهة وجود خصوصية للإقرار يفترق بها عن غيره من وسائل الإثبات القضائية وهي أنه بعد حصوله ترتفع في مورده الخصومة والمنازعة فإذا كان المفهوم من الأدلة العامة التي تجعل المجتهد قاضياً أنها مختصة بما إذا كان الحكم رافعاً للنزاع بحيث كان حلّ الخصومة وفضّ النزاع يتوقف على حكم الحاكم فحينئذ يكون الحكم من صلاحية الحاكم ويكون منه جائزاً بلا توقف على أمر آخر وتَخْرُج المواردُ التي لا يكون الحكم فيها رافعاً للنزاع [2] فإن شمول تلك الأدلة لها محّل إشكال ، نعم .. ذكرنا ما يُمثّل استثناء من ذلك وهو طلب المدّعي من الحاكم الحكم استناداً إلى إقرار المقرّ ولو لخوفه من رجوع الطرف الآخر عن إقراره فيتوسّل بحكم الحاكم لتوثيق إقراره واستيفاء الحقّ المُقَرّ به منه فهنا لا ضير في الالتزام بمشروعية الحكم للحاكم .
 والحاصل أن حكم الحاكم في باب الإقرار يتوقف على طلب المدّعي ، فإن طلب منه فهو وإلا فليس من الواضح أن الحكم يكون مشمولاً للأدلة الدالة على المشروعية والجواز .
 وهذا الكلام إن تمّ فهو يعني الالتزام بالقول الأول - أعني التوقف - ، وإن لم يتم فتصل النوبة حينئذ إلى التمسّك بالأصل العملي ، وفي تحديده اتّجاهات ثلاثة :
 الأول :

إن الأصل هو البراءة ومثلها أصالة الإباحة - وهي تقتضي الجواز ، والمقصود بالجواز هنا هو الجواز التكليفي بمعنى أن الحاكم يجوز له أن يحكم حتى في حالة عدم طلب المدّعي وهذا يُنتج القول بعدم التوقف .
 الثاني :

أن الأصل هو عدم التوقف [3]
  [5] .
 الثالث :

أن يقال بأن الشك في المقام [6] مسبّب عن الشك في مشروعية حكم الحاكم في حالة عدم طلب المدّعي فإذا قلنا بأن الحاكم له أن يحكم حتى في حالة عدم طلب المدّعي فيترتب عليه الجواز التكليفي وعدم التوقف بلا إشكال ، وإذا قلنا بأن الحاكم ليس له أن يحكم في حالة عدم طلب المدّعي ولا سلطنة له على الحكم بدونه فهذا ينتج التوقف وعدم الجواز التكليفي بمعنى أن حكمه يكون متوقفاً على طلب المدّعي ولا يكون جائزاً بدونه ولما كان الأصل الجاري في مورد الشك السببي حاكماً على الأصول الجارية في الشك المسببي ورافعاً لموضوعها فيكون الأصل الجاري عند الشك في السلطنة حاكماً على الأصول الجارية عند الشك في التوقف والجواز ورافعاً لموضوعها ، ولا ريب أن الأصل عند الشك في السلطنة يقتضي عدم السلطنة فيثبت حينئذ توقف حكم الحاكم على طلب المدّعي وعدم جواز تصدّيه للحكم بدونه .
 فالنتيجة أن مقتضى الأصل العملي هو التوقف أيضاً بمعنى أن الحاكم ليس له أن يحكم مع عدم مطالبة المدّعي ، وفي الحقيقة أن هذا لخصوصية في باب الإقرار إذ لولاها لأمكن ادّعاء إطلاق الأدلة الدالة على مشروعية حكم الحاكم المقتضية للجواز وعدم التوقف مطلقاً وتقدّم أنه يؤيّد هذا الأمر [7] أن هذا الفرع [8] مذكور في باب الإقرار فقط ولم يُذكر في غيره من طرق الإثبات القضائية كالبيّنة واليمين .
 والحاصل أن الصحيح من القولين هو القول الأول - أي التوقف - .
 هذا ما يرتبط بالفرع الثالث .
 الفرع الرابع : هل يلزم في كتابة الإقرار بعد الحكم معرفة المُقِرّ باسمه ونسبه بدعوى الخشية من أن ينتحل إنسان مّا شخصية آخر ويقرّ لثالث تواطأ معه لينال هذا الأخير من أموال الثاني - بمقتضى الإقرار الزائف - ما ليس له بحقّ أم لا يُعتبر ذلك ؟
 المنسوب إلى المشهور وجوب الكتابة على القاضي في ما إذا توقف عليها تنفيذ الحكم وأما إذا فُرض أن تنفيذ الحكم ووصول الحقّ إلى صاحبه لا يتوقف على الكتابة فليس واضحاً من الأدلة أنها تجب على القاضي في هذه الحالة ، نعم .. إذا طلبها المدّعي منه لغرض عقلائي كخوف تراجع المقر عن إقراره فلا يبعد في هذه الحالة لزوم استجابة القاضي لطلبه باعتبار أنها من توابع القضاء ومتمّماته .
 ثم ذكروا أنه على فرض وجوب الكتابة لا يجوز أخذ الأجرة عليها لأنها كأصل الحكم إذ هي من توابعه ومتعلّقاته فإن الحكم من الواجبات والمفروض تمامية أدلة عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات ، نعم .. هذا لا يشمل أخذ قيمة القرطاس والمداد الذي يستعمله الحاكم في كتابة الإقرار لقصور أدلة عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات عن الشمول لما يكون من مستلزمات الكتابة نظير عدم وجوب قيمة الكفن على من وجب عليه التكفين .
 وفي الحقيقة إن هذا الفرع وإن ذُكر في باب الإقرار إلا أنه لا يختصّ به بل يجري في سائر ما يستند إليه الحاكم في حكمه من الطرق فيقال هل يجب على الحاكم كتابة الحكم مطلقاً أو في خصوص ما إذا توقف عليه تنفيذه ولذا كان من المناسب أن يُذكر هذا الفرع بعد إكمال أصل المسألة وحالات المنكر الثلاثة جميعاً من الإقرار والإنكار والسكوت .
 كما أن المناسب أن يُذكَر مكانه فرعٌ آخر مهم مختصّ بباب الإقرار لم يُشَرْ إليه في المتن - مع أنه متعلّق بما عقد (قده) لأجله الكلام في هذه المسألة من الدعوى المالية - وهو أن المُدّعى عليه إذا أقر بالمال الذي ادُّعي به عليه فلا يخلو من إحدى حالات ثلاث :
 الأولى :

أن يُعلم بيُسره وواجديته للمال .
 الثانية :

أن يُعلم بعُسره وعدم واجديته للمال .
 الثالثة :

أن لا يُعلم بأيّ من الأمرين .
 والحكم من حيث إلزامه بما أقرّ به وعدمه وعقوبته وعدمها وغير ذلك من الأحكام الجزائية يختلف بحسب هذه الحالات فأقول :
 أما في الحالة الأولى

[9] :

فإن المقرّ تارة يُفرض كونه غير ممتنع من أداء ما أقرّ به فلا مشكلة في البين ، نعم .. يجب عليه المسارعة بالدفع ولا يجوز له التأخير والمماطلة وهذا حكم على المدين عموماً وتدلّ عليه الأدلة الآتي ذكرها ، وأخرى يُفرض كونه ممتنعاً من الأداء وفي هذه الحالة :
 إما أن يتيسّر للحاكم أن يُجبره على الأداء فلا إشكال في لزوم ذلك ، ويمكن تخريجه إما على أساس الولاية الثابتة للحاكم في إحقاق الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها أو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي من مراتبه الإلزام الخارجي غاية الأمر أن التخريج إن كان على الأساس الأول [10] فهو يختص بالحاكم ولا يشمل غيره ، وإن كان على الأساس الثاني [11] فهو يشمل كل أحد بالشرائط المعتبرة في هذا الباب .
 وإما ان لا يتيسّر للحاكم أن يُجبره على الأداء فذكروا أنه في هذه الحالة تجوز عقوبته بالتغليظ له بالقول ، واستُدلّ على جوازه بنبوي الأمالي من قوله : " ليّ الواجد بالدين يُحلّ عرضه وعقوبته " [12] على تفسير حلية العرض بالتعدّي عليه بالتغليظ بالقول كأن يقال له (يا ظالم) أو (يا فاسق) وشبه ذلك بل أجاز بعضهم الشتم أيضاً ، والمراد بالليّ المماطلة والتسويف ، ولا ريب أن حلية العرض مختصّة بالمورد وإلا فإن عموم الأدلة يقتضي عدمها ، ويمكن الاستدلال على جوازه أيضاً بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يدخل تحت مرتبة فعل ذلك باللسان مع التقيّد بالشرائط المعتبرة في هذا الباب ، وإن لم يُجْدِ ذلك [13] نفعاً فذكروا أنه تجوز عقوبته بالحبس وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى .


[1] أي توقف حكم الحاكم على طلب المدّعي .
[2] سواء لم يكن في البين نزاع أصلاً كما في مورد الإقرار الابتدائي (وهو أن يُقرّ الشخص ابتداء ومن غير سبق دعوى بأن لفلان حقّاً في ذمته) أو كان هناك نزاع في ضمن دعوى ولكنه انحلّ بإقرار المُدّعى عليه بمضمون الدعوى كما هو الحال في ما نحن فيه .
[3] أقول : الظاهر أن الوجه فيه هو استصحاب العدم ، وهنا تقريبان :
[4] الأول : استصحاب العدم المحمولي - أي العدم الثابت قبل تحقّق الموضوع فإنه لم يكن الحكم قبل الدعوى متوقفاً على طلب المدّعي ويُشكّ بعد الدعوى بتوقفه عليه فالأصل عدم التوقف - .
[5] الثاني : استصحاب العدم النعتي - أي العدم الثابت بعد تحقّق الموضوع فإنه لم يكن الحكم بعد الدعوى وقبل الإقرار متوقفاً على طلب المدّعي ويُشكّ بعد الإقرار بتوقفه عليه فالأصل عدم التوقف - .
[6] أي في كل من الأمرين المتقدمين من الجواز التكليفي وعدمه والتوقف وعدمه .
[7] أي أن لباب الإقرار خصوصية يفترق بها عن سائر طرق الإثبات القضائية .
[8] أي أن حكم الحاكم المستند إلى الإقرار هل يتوقف على طلب المدّعي ام لا .
[9] وهي أن يكون المقرّ واجداً للمال .
[10] أي الولاية .
[11] أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
[12] الأمالي للشيخ الطوسي ص521 .
[13] أي التغليظ بالقول .