34/07/16


تحمیل
 
 كان الكلام في نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب حيث استدل على ذلك برواية لمعاوية بن وهب وموردها العبد او الامة وصدر رواية أخرى لنفس الراوي وموردها الدار التي تركها صاحبها وغاب ، وفي مقابل هاتين الروايتين هناك ذيل للرواية الثانية ، الذي مورده العبد او الامة ، وهو ظاهر بدواً في منعه من الشهادة المستندة الى الاستصحاب ، ومن هنا أدعي وجود تنافي ، بين ذيل الرواية الثانية الدال على عدم نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب ، وبين الرواية الاولى وصدر الرواية الثانية من جهة اخرى ، وقد ذكرنا ان السيد الماتن حل هذا التنافي بين الصدر والذيل بواسطة تعدد الموضوع حيث ذكر ان صدر الرواية الثانية موردها الدار وهي ظاهرة في عدم وجود منازع ، واما ذيلها فموردها العبد او الامة الظاهرة في تنازعهما مع المدعي للملكية وهو الرجل في الرواية .
 ونحن ذكرنا ان ذيل الرواية ليس ظاهراً في التنازع،إذ ليس فيه مايشير الى ان العبد او الامة يتنازعان مع المدعي للملكية لانه لو كان الامر كذلك كما لو ادعى العبد العتق او البيع او الهبة والرجل ينكر ذلك لتوجه طلب البينة من العبد والامة بينما الرواية تصرح بان المطالب بالبينة نفس الرجل ، فعلى تقدير ان يكون العبد هو المنازع لابد ان تكون الدعوى في الملكية السابقة بان يدعي الرجل ملكية العبد والعبد ينكر أصل الملكية وحينئذٍ من المعقول ان يطالب الرجل بالبينة ولكن بناءً على هذا الفرض تخرج الرواية عن محل الكلام إذ الشهود سوف يشهدون على الملكية السابقة وهي شهادةٌ لاتستند الى الاستصحاب حتى يستدل بها على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب وهذا ما يبعّد احتمال ان مورد الذيل وكذا الرواية الاولى وجود المنازع ، كما ليس فيها اشارة الى وجود طرف اخر يدعي ملكية العبد او الامة حتى يقال بتنازعه مع الرجل الذي يدعي الملكية اولاً .
 وعليه ، فمورد ذيل هذه الرواية وكذا الرواية الاولى ليس هو التنازع ، بل هو عبد ابق من مولاه وعثر عليه فجيء به الى القاضي ، والقاضي غير مستعد لتسليمه الى كل من يدّعي ملكيته من دون برهان وبينة ، فطلب ممن يدعي الملكية ان يأتي بشهود يشهدون بالملكية الفعلية لان هذا هو الذي ينفع القاضي لابالملكية السابقة، ومن الواضح ان الشهادة بالملكية الفعلية من قبل شخصٍ لم يطلع الا على الملكية السابقة لاتكون مستندةً الا الى الاستصحاب .
 فنحن نسلم ان الشهادة المطلوبة من الشهود هي شهادة مستندة الى الاستصحاب، لكن هذا غير محل الكلام إذ محل الكلام المرافعة والنزاع بين شخصين والحاكم يحكم لاحدهما ضد الاخر استناداً الى شهادة تستند الى الاستصحاب .
 والحاصل ان الشهادة الموجودة في الرواية ليس الا اخبار بالملكية الفعلية استناداً الى الاستصحاب ، وهو امر جائز بلا اشكال كما لو اخبر عن طهارة الثوب استناداً الى الاستصحاب ، بل قلنا ان الحاكم يمكنه ان يحكم بذلك من باب اعمال الوظيفة الظاهرية لو توفر لديه يقين سابق بالملكية السابقة .
 وعليه فالروايتان اجنبيتان عن محل الكلام ، ولكن يبقى علينا حل التدافع والتنافي الموجود بين صدر الرواية الثانية وكذا الرواية الاولى الدال على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب في غير باب القضاء وبين ذيل الرواية الثانية الدال على عدم قبول هذه الشهادة .
 وقد ذكرنا ان بعض المحققين وهو المجلسي في مرأة العقول حمل ذيل الرواية الثانية على الاستفهام الاستنكاري ، ولعل الوجه في ذلك هو ان ذيل الرواية الثانية ((كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته ، أو غاب عنك لم تشهد به )) منقول بنحوٍ اخر في نسخ اخرى في الكافي ((فكلما ... )) والظاهر ان أغلب النُسخ على هذا فالذي يذكر في الطبعة هامش الطبعة المنقحة الاخيرة من الكافي ان هناك ست نُسخ من الكافي الوارد فيها هو ((فكلما ...)) نعم الموجود في الوسائل وكذا في الوافي ((كلما...)) .
 وعليه فوجود نسخ من الكافي بلفظ (فكلما) يقوي احتمال الاستفهام الاستنكاري ، فكأنّه هناك همزة استفهام مقدرة وتكون العبارة هكذا (( أفكلما غاب من يد المرء المسلم غلامه او غاب عنك لم تشهد به ؟ ))
 وبناءً على هذا يتحد مفاد صدر الرواية مع ذيلها ومع مفاد الرواية الاولى ، فأن تم هذا فهو ، والا فالتنافي باقٍ على حاله وبالتالي لاتسلم لنا رواية تدل على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستصحاب في باب القضاء .
 هذا تمام الكلام في الرواية الثانية .
 الرواية الثالثة:معتبرة حمران بن اعين المروية في الباب الثاني عشر من ابواب كيفية الحكم ،ح 9 ،((يرويها الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعن علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن حمران بن أعين قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة ادعى الرجل أنها مملوكة له ، وادعت المرأة أنها ابنتها فقال : قد قضى في هذا علي ( عليه السلام ) قلت : وما قضى في هذا ؟ قال : كان يقول : الناس كلهم أحرار ، إلا من أقر على نفسه بالرق ، وهو مدرك ، ومن أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه ، ويكون له رقا ، قلت : فما ترى أنت ؟ قال : أرى أن أسأل الذي ادعى أنها مملوكة له بينة على ما ادعى ، فان احضر شهودا يشهدون أنها مملوكة لا يعلمونه باع ولا وهب ، دفعت الجارية إليه ، حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرة مثلها ، فلتدفع إليها ، وتخرج من يد الرجل ، قلت :فإن لم يقم الرجل شهودا أنها مملوكة له ؟ قال : تخرج من يده ، فان أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها ، فإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ، ولم تقم المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية ، تذهب حيث شاءت )) .ورواه الشيخ باسناده عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب مثله .
 ومحل الاستدلال هو قول الامام (ع) (( لايعلمونه باع ولا وهب )) ، فإنّه كيف يشهد الشهود انها مملوكة له مع انهم لايعلمون انه باع او وهب ما لم يستندوا في ذلك الى الاستصحاب .
 ورد هذا الاستدلال بان الرواية ظاهرة في ان طرفي النزاع هما الرجل والمرأة ، فالرجل يدعي انها مملوكة له والمرأة تدعي انها ابنتها وانها حرة مثلها ، ومرجع هذا الى النزاع في اصل الملكية أي الرجل يدعي أصل الملكية والمرأة تنكر ذلك ، ومن الواضح انه يكفي في مقام دفع الجارية الى الرجل ان يقيم الرجل الشهود الذين يشهدون بالملكية السابقة عن حسٍ ويقين مع عدم العلم بالبيع او الهبة وهي شهادة ليس مستندة الى الاستصحاب .
 الرواية الرابعة : رواية حفص بن غياث المروية في الباب الخامس والعشرين من ابواب كيفية الحكم ، ح 2 ((محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي ابن محمد القاساني جميعا ، عن ( القاسم بن يحيى ) ، عن سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال :نعم ، قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أفيحل الشراء منه ؟ قال : نعم ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ؟ ثم تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ؟ ثم قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق)) .ورواه الصدوق باسناده عن سليمان بن داود .ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم مثله .
 وهذه الرواية فيها كلام في السند وفي الدلالة .
  اما الكلام في السند ، فقد قلنا ان المشايخ الثلاثة رووها في كتبهم بطرق مختلفة لكنها ليست نقية اما الشيخ في التهذيب فقد رواها ج 6 ص 261 بسنده عن علي بن ابراهيم عن علي بن محمد القاساني وعن ابيه جميعاً عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث ، فمن يروي عن سليمان بن داود القاسم بن محمد ، والشيخ الصدوق في الفقيه ج 3 ص 31 باسناده عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث ، فبدأ السند بسليمان بن داود وذكر طريقه الى سليمان بن داود في المشيخة فقال (( رويته عن ابي عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصفهاني المعروف بابن الشاذكوني عن سليمان بن داود )) ، فمن يروي عن سليمان بن داود عن حفص هو القاسم بن محمد الاصفهاني بينما الشيخ الطوسي لم يصرح بالاصفهاني ، واما الكليني فقد رواها في ج7 ص387 بالسند المتقدم وفيه ان الذي يروي عن سليمان عن حفص هو القاسم بن يحيى .
 والظاهر انه لااشكال في هذه الطرق الا من جهة القاسم بن محمد او بن يحيى واما الباقين فهم محل اعتماد بما فيهم حفص بن غياث فانه ثقة لامرين ،
 الاول: ان الشيخ لما ذكره في المشيخة قال ان له كتاب معتمد ، أي معتمد عند الاصحاب ، والاعتماد على الكتاب يلازم كما هو واضح الاعتماد على صاحب الكتاب .
 الثاني : ان الشيخ في العدة ذكره من جملة الرجال الذين اجمعت على العمل باخبارهم الطائفة من غير الامامية اذا لم يرد مايعرضه من طريق الامامية الموثوق بهم .
 اذاً المشكلة في من يروي عن سليمان بن داود .