34/08/05


تحمیل
 
 كان الكلام في المسألة 101 وقد ذكر السيد الماتن (قده) ان بعض الامور تثبت بشاهد واحد وامراتين وذكر ان الذي يثبت بذلك هو عبارة عن الديون والنكاح والدية ، خلافاً الى القاعدة التي تقدم الاشارة اليها سابقاً ، واستشكل بثبوت امور اخرى بذلك ثم قال بان الاقرب عدم الثبوت في مثل الغصب والوصية اليه والاموال والمعاوضات والرهن والوقف والعتق ، وقد تكلمنا عن الديون والنكاح ، وبقي الكلام عن الدية في انها تثبت بشاهد وامراتين او لا؟
 وأقول : الظاهر ان هذه المسالة محل خلاف بين فقهائنا ، ويفهم من كلماتهم ان محل الخلاف ليس هو في قبول شهادة النساء منفردات ، بل يظهر منهم عدم الخلاف في عدم قبول شهادتهن منفردات في هذه الامور وهذا خارج عن محل الكلام ، وان نسب الخلاف في ذلك الى بعض علمائنا المتقدمين وهو ابو الصلاح الحلبي حيث ذهب الى قبول شهادة امراتين في نصف الدية وقبول شهادة المراة الواحدة في ربع الدية ، ولكنه قول شاذ لم يعتنوا به .
 كما ان الظاهر منهم الاتفاق على قبول شهادتهن منضمات الى الرجل في القتل الخطأ الذي لايوجب الا الدية ، وانما اختلفوا فيما لايوجب الا القصاص بالاصالة وهو القتل العمدي ، نعم ان تنازل الطرف الاخر عن القصاص يستطيع المطالبة بالدية ، فالدية لاتجب في القتل العمدي الا بالتبع .
 فجماعة ذهبوا الى ان القصاص يثبت بشهادة رجل وامراتين ، ومنهم المحقق في الشرائع وذهب جماعة اخرى الى انه لايثبت بها في القتل العمدي الاالدية دون القصاص ، وجماعة اخرى ذهبوا الى عدم ثبوت شيء بها .
 ومن هنا يظهر ان الكلام ليس في شهادة النساء منفردات كما ان البحث لايتركز على القتل الخطأ الذي لاتجب فيه الا الدية إذ يظهر منهم الاتفاق على ثبوت الدية بشهادة رجل وامراتين في القتل الخطأ ، وانما الكلام فيما لايوجب الا القصاص بالاصالة ، هذا هل يثبت بشهادة رجل وامراتين او لا ؟ او فقل بعبارة اخرى ماذا يثبت بشهادة رجل وامراتين ؟ هل يثبت القصاص او لايثبت القصاص وانما تثبت الدية فقط او لايثبت شيء بهما ؟ هذه هي اقوال الفقهاء في هذه المسالة .
 والرويات التي ترتبط بمسالة ثبوت الدية بشهادة رجل وامراتين مختلفة ، ويمكن تقسيمها الى ثلاثة طوائف :
 الطائفة الاولى : هي الروايات الدالة على عدم قبول شهادة النساء في القتل :
  الاولى : صحيحة ربعي: ويرويها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد ، عن ربعي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء في القتل [1] .
 ومقتضى اطلاقها انه لاتجوز مطلقاً منفردات ومنضمات .
 الثانية: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم ولا تجوز شهادة النساء في القتل [2] .
 وهي مطلقة ايضاً ، فلا تقبل شهادة النساء في القتل مطلقاً .
 الثالثة : رواية محمد بن الفضيل ، عن محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) قلت له : تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل ، وتجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل ، وتجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم ، ولا تجوز شهادتهن في الطلاق ، ولا في الدم [3] .
 فان قوله(ولا تجوز شهادتهن في الطلاق ، ولا في الدم ) ، ومقتضى اطلاقها شمولها لانضمامها مع الرجل كما هو محل الكلام ، كما ان مقتضى اطلاق الدم فيها شموله للشهادة على القتل بل لعله هو الظاهر منها .
 الرابعة : معتبرة ابي بصير ، عن أبي بصير قال : سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل ، ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم غير أنها تجوز شهادتها في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة [4] .
 ومضمونها نفس مضمون الرواية السابقة .
 الخامسة: رواية زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ؟ قال : نعم ، ولا تجوز في الطلاق ، قال : وقال علي ( عليه السلام ) : تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان أربع نسوة ورجلان فلا يجوز الرجم ،قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم ؟ قال : لا [5] .
 وهذه الرواية خاصة بمحل الكلام وهي شهادة النساء مع الرجل في القتل .
 إذاً الطائفة الاولى مفادها عدم قبول شهادة النساء ولو منضمات في القتل كما هو ظاهر بعض الروايات او في الدم كما هو ظاهر اخرى .
 هذه هي الطائفة المانعة .
 الطائفة الثانية :وهي المجوزة
 وفيها رواية واحدة وهي صحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود ؟ فقال : في القتل وحده ، إن عليا ( عليه السلام ) كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم [6] .
 وظاهرها جواز شهادة النساء في القتل ، والقدر المتيقن من قبول شهادتهن هو شهادتهن منضمات الى الرجل على اقل تقدير .
 ولعله لاتوجد رواية اخرى لهذه الطائفة حسب ما فحصت .
 الطائفة الثالثة : مادل على عدم قبول شهادتهن في القصاص من قبيل معتبرة غياث بن ابراهيم ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود [7] .
 بمعنى ان القود والقصاص لايثبت بشهادة النساء ، ومقتضى اطلاقها عدم ثبوته بشهادة النساء لامنفردات ولامنضمات ، فيشمل محل الكلام.
 إذاً الشهادة على القتل واثباته بشهادة رجل وامراتين توجد فيه روايات متعارضة ،إذ الطائفة الاولى منها مفادها عدم قبول هذه الشهادة بإطلاقها ،والطائفة الثانية مفادها قبول هذه الشهادة مطلقاً ، والطائفة الثالثة لاتقبل هذه الشهادة لاثبات القصاص .
 والقائلون بثوت القصاص بشهادة رجل وامراتين استدلوا بالطائفة الثانية أي صحيحة جميل ومحمد بن حمران ، والقائلون بعدم ثبوته بشهادة رجل وامراتين استدلوا بالطائفة الاولى ، والقائلون بثبوت الدية دون القصاص استدلوا بالطائفة الثالثة ، لانهم اعتبروها وجه جمع بين الطائفتين المتقدمتين فحملوا الطائفة الاولى على عدم قبول شهادتهن لاثبات القصاص والقود وحملوا الطائفة الثانية الدالة على قبول شهادة النساء في القتل على قبول شهادتهن لاثبات الدية .
 هذا وجه جمع بين الادلة وقد اختاره جمع من فقهائنا المتقدمين وتبعهم السيد الماتن (قده) ولذا التزم بان مايثبت بشهادة رجل وامراتين هو الدية فقط في مقابل القصاص .
 وفي مقابله وجه اخر للجمع بين هذه الروايات المتعارضة وهو حمل الروايات المانعة على صورة شهادتهن منفردات وتحمل الطائفة الثانية الدالة على قبول شهادة النساء في القتل على شهادتهن منضمات ، وبالنتيجة شهادة النساء منضمات مقبولة في القتل حتى لاثبات القصاص ، فنصل الى نتيجة معاكسة لما وصلنا اليه من الجمع الاول.
  ولكن يبدو ان الجمع الاول اقرب الى كونه جمعاً عرفياً من الثاني ، ولعل السر في هذا هو ان الجمع الثاني ينافي ظاهر الاخبار المانعة إذ مقتضاه حمل الاخبار المانعة على شهادتهن منفردات وهو خلاف ظاهرها جداً .مثلاً الحديث الرابع من اخبار هذه الطائفة ((سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل ، ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم غير أنها تجوز شهادتها في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة )).
 فان قوله : ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم معطوف على ماقبله وهو قوله اذا كان معهن رجل ، فحملها على شهادتهن منفردات خلاف ظاهر الرواية جداً خصوصاً ان الامام ذكر في صدر الرواية شهادة النساء وحدهن وهنا ذكر شهادتهن مع الرجل ولو كان مقصوده لاتقبل شهادتهن وحدهن لكان من المناسب التنبيه على ذلك لانه في هذا المقام .وكذلك رواية محمد بن الفضيل .
 والحاصل ان الجمع الاول هو الاقرب في محل الكلام ، وحينئذٍ يظهر ان ما ذكره السيد الماتن تبعاً لجماعة كثيرين وهو ان شهادة النساء منضمات الى الرجل في القتل لايثبت به الا الدية هو الاحرى بالقبول .
 هذا هو حكم الديون والنكاح والدية .
 واما غيره مما ذكره في المتن كالغصب وغيره واستشكل في ثبوتها بشهادة رجل وامراتين ، فقد استدل عليه بالاصل أي اصالة عدم نفوذ هذه الشهادة عند الشك في ثبوت هذه الامور بشهادة رجل وامراتين اولاً وبالاطلاقات الدالة على عدم قبول شهادة النساء ثانياً وأوضح مثل على ذلك هو صحيحة محمد بن مسلم ، قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق وقال : سألته عن النساء تجوز شهادتهن ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء [8] .
 وقد استفدنا منه سابقاً ان مفهومه عدم قبول شهادة النساء فيما عدا هذين الموردين وهو باطلاقه يشمل عدم قبول شهادة النساء في الامور التي ذكرها السيد الماتن في المتن لامنفردات ولامنضمات .
 ونحن يمكننا ان نضيف الى ذلك ان القاعدة المستفادة من هذه الادلة في محل الكلام هو ان الاصل في الشهادة ان تكون بشهادة عادلين ولانرفع اليد عن هذه القاعدة الا بدليل وحيث لادليل فنتمسك بعدم قبول شهادة رجل مع امراتين في ثبوت هذه الامور وهذا شيء غير الاصل ،إذ الاصل عبارة عن اصالة عدم ترتب الاثر على هذه الشهادة ، واما ماذكرنا فهو الاصل في الشهادة ان تكون بالبينة كما يستفاد من الاخبار ونص على ذلك فقهاؤنا ، نعم قد يستدل على قبول شهادة النساء منضمات الى الرجل بالاية الشريفة ((فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء )) [9] .
 وهذه الاية وان كان موردها الدين ولكن يمكن الغاء خصوصية الدين والتعدي لمحل الكلام بدعوى ان الاية في مقام بيان ان الرجل الواحد تقوم مقامه امراتان ولاخصوصية لهذا في الدين ، وحينئذٍ يمكن تطبيق هذا الشيء في كل مورد ومنه المقام ونكتفي بشهادة رجل واحد وامرتين .
 ولكن من الصعب جداً التعدي عن مورد الاية الشريفة :
 اولاً : لصحيحة داود بن الحصين وهي واردة في الدين وصريحة في اختصاص قبول شهادة الرجل والامراتين في الدين .
 وثانياً: ان من الصعب جداً الجزم بعدم الخصوصية والتعدي يحتاج الى الجزم بعدم الخصوصية ، إذ من المحتمل وجود خصوصية للدين سوغت ان يقوم الرجل والمراتين مقام البينة واما في غيره فلا يوجد مثل هذا الشيء.
 فالصحيح ماذكره السيد الماتن من ان ثبوت هذه الامور بشهادة رجل واحد وامراتين مشكل والاقرب عدم الثبوت .
 
 


[1] الوسائل (آل البيت) ج 27 ،الباب 24 ، ح 27 ،ص358
[2] الوسائل(آل البيت) ج27 ،الباب 24 ،ح28 ،ص 358
[3] الوسائل(آل البيت) ج27،باب 24 ،ح7،ص352
[4] الوسائل(آل البيت) ج27،باب24،ح4،ص351
[5] الوسائل(آل البيت) ج27،باب24،ح11،ص354
[6] الوسائل(آل البيت) ج27،باب24،ح1،ص350
[7] الوسائل(آل البيت) ج27،باب 24،ح29،ص358
[8] الوسائل(آل البيت) ج27،باب24،ح8،ص353
[9] البقرة 282