34/12/22


تحمیل
الموضوع : الصوم : ضروريات الدين
الملاحظة الثالثة :- لو سلمنا ان المراد بالجحود هو الانكار مع العلم , وليس مطلق الانكار لكن نقول ان ما ذكروه - من ان هذا خارج عن محل النزاع اذ لا اشكال في كفر من انكر الفرائض مع علمه بثبوتها في الدين بأعتبار استلزامه تكذيب الرسول وهو يستلزم الكفر - ليس تاما ويمكن التأمل فيه لأننا ندعي ان ليس كل من ينكر ضروريا من الضروريات مع علمه بثبوته في الشريعة يكون مكذبا للرسول .
بيان ذلك :-
ان منكر الضروري علي قسمين :-
الاول:- من ينكر الضروري ويقر بأنه جاء من الرسول وهذا النوع من الانكار يستلزم الكفر لأنه يرجع الى تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله .
الثاني :- من ينكر الضروري وهو يعلم ثبوته في الشريعة لكنه يقول ان الرسول لم يأتي به (كمن يقول ان الحجاب من الشريعة لكن الرسول لم يأتي به بل انتم و ضعتم هذا الحكم في الشريعة ) وهذا النحو ليس فيه تكذيب للرسول وانما هو كذب على الرسول لأنه يعلم ان الرسول قاله .
وبهذا يتضح ان الانكار مع العلم لا يستلزم تكذيب الرسول مطلقا بل في الحالة الاولى فقط .
وبهذا يتضح ان الكلام في الرواية الدالة على كفر من انكر الضروري وهو يعلم انه ضروري ليس اجنبية عن محل الكلام بل المتصور في هذا المورد حالتان , ومقتضى الرواية هو ان يحكم بكفره في كلتا الحالتين , واحدى الحالتين حكم عليه بالكفر من دون ان يرجع ذلك الى تكذيب الرسول , وهذا يعني ان منكر الضروري مع علمه انه من الشريعة يحكم بكفره وان كان انكاره من النحو الثاني مع ان كفره لا يرجع الى تكذيب الرسول , وعليه فلابد ان يكون عنوان انكار الضروري موجبا للكفر , وهذا يثبت السببية المطلقة .
اذن المناقشة السابقة مردودة من جهتين , الجهة الاولى هو ان الجحود ليس مخصوصا بصورة العلم بل له صورتان الاولى الجحود مع العلم والثانية الجحود من غير علم .
والجهة الثانية بعد التسليم ان المراد بالجحود في الروايات هو الجحود مع العلم لكن تبقى الرواية تدل على ان منكر الضروري وان لم يرجع انكاره الى تكذيب الرسول يحكم بكفره .
نعم قد يستشكل على ما ذكرناه _ من عدم اختصاص الجحود بصورة العلم _ بتعميم وشمول الجحود لصورة الجهل المركب وحيث ان صورة الجهل المركب هي محل النزاع , فأذا شككنا في شمول الجحود لها فلا فائدة في الاستدلال بهذه الروايات , لكن هذا التشكيك الظاهر انه لا وجه له لأطلاق الروايات التي تم الاستدلال بها في المقام .
نعم قد يدعى عدم شمول بعض الروايات التي استدل بها من قبيل رواية زرارة المتقدمة التي ورد بها ان العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا لأن المناسب للوقوف هو الجهل البسيط اما الجهل المركب فلا يناسبه الوقوف .
و لكن يمكن ان يستظهر من الروايات المتقدمة وبالخصوص صحيحة محمد بن مسلم ان الجحود يشمل الجهل المركب فالوارد في صحيحة محمد بن مسلم (قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله ؟ فقال : كافر يا أبا محمد، قال : فشك في رسول الله ؟ فقال : كافر، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنما يكفر إذا جحد)[1] فيلاحظ ان الامام حكم بالكفر على من شك في الله او شك في النبي صلى الله عليه واله والمراد بالشك هنا مطلقا لأن الذي ينكر احد الاصلين يحكم بكفره مطلقا , ثم قال في ذيل الرواية (انما يكفر اذا جحد ) أي ان الذي حكمنا بكفره (الشاك في احد الاصلين) يسمى جاحدا أي ان الجحود يطلق على الشك المتقدم الذي قلنا انه اعم من الجهل المركب والبسيط .
وعلى كل حال يكفي الاطلاق المتقدم في الروايات للدلالة على شمول الجحود للجهل المركب .
وهل ان الروايات فيها اطلاق يشمل من لا يعلم ان ما انكره من الضروريات عند عامة المسلمين ؟؟ او لا ؟؟
فعلى القول بشمول الروايات له تثبت السببية المطلقة لأنه يكون كأنكار التوحيد والنبوة , وعلى القول بعدم الشمول فأنها تدل على السببية المقيدة .
الطائفة الثالثة
التي يستدل بها على السببية وتتمثل بروايتين الاولى :- صحيحة عبد الله بن سنان , والثانية :- رواية مسعدة بن صدقة
والرواية الاولى :- علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن سنان (قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت، هل يخرج ذلك من الاسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع ؟ فقال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام و عذب أشد العذاب وإن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول )[2]
والرواية تامة سندا وان روى فيها محمد بن عيسى عن يونس لأن هناك من يستشكل في روايته عنه بل قد يستشكل في نفس محمد بن عيسى لكن الظاهر انه ثقة ورايته عن يونس ليس فيها اشكال ايضا .
ومفاد الرواية ان مرتكب الكبيرة على قسمين الاول: مع الاستحلال (فزعم انها حلال ) فهو ينكر انها كبيرة وانها محرمة وهذا يحكم بكفره وخروجه عن الاسلام , والثاني : الذي يرتكب الكبيرة ويعترف انه خالف الشارع وهذا لا يحكم بكفره وانما يخرجه من الايمان .
الرواية الثانية :عن مسعدة بن صدقة ( قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : الكبائر : القنوط من رحمة الله، واليأس، من روح الله، والامن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، فقيل له : أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أتخرجه من الايمان، وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين، أو له انقطاع ؟ قال : يخرج من الاسلام إذا زعم أنها حلال ولذلك يعذب أشد العذاب وإن كان معترفا بأنها كبيرة وهي عليه حرام وأنه يعذب عليها وأنها غير حلال، فإنه معذب عليها وهو أهون عذابا من الأول ويخرجه من الايمان ولا يخرجه من الاسلام .)[3]
وسندها ضعيف للكلام المعروف في مسعدة بن صدقة
اما دلالتها فهي كالرواية السابقة


[1] الكافي , الكليني ج2 ,ص399.
[2] الكافي , الكليني ,ج2 , ص285.
[3] الكافي , الكليني , ج2 , ص280 .