38/03/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

ويرد عليه:-

أما بالنسبة إلى ما ذكره في الملكيتين الطوليتين فيمكن أن يقال:- إنَّ الله عزّ وجلّ هو مالك لنا ومالك لكل ما يرجع لينا ولكن بنحو الاضافة الاشراقية بمعنى أنه موجد ، فملكيته هي بهذا المعنى وهي ملكية حقيقة ذاتية إن صحّ التعبير بمعنى أنه موجد ، وموجد الشيء يكون مالكاً له ، فكلّ من أوجد شيئاً يكون مالكاً لذلك الشيء ، ولكنها ليست ملكية اعتبارية بل ملكية حقيقية ذاتية بنحو الايجاد - التي هي الاضافة الاشراقية - ، وملكيتنا نحن ملكية اعتبارية ، فلزم من ذلك اجتماع ملكيتين في جميع الأشياء الموجودة في الدنيا ولكن واحدة حقيقة ذاتية وهي ملكية الله تعالى والثانية اعتبارية وهي ملكيتي التي حصلت بسبب البيع ، وهذا ليس محل الكلام ، بل محلّ الكلام في اجتماع الملكيتين الاعتباريتين هل يمكن أن يجتمعا ؟ فهذه الدار الواحدة أملكها أنا بكلّ أجزائها الثاني أيضاً يملكها كذلك فالكلام هنا ، إنه في الملكية الاعتبارية يمكن أن يقال لا يجوز ذلك باعتبار أنَّ ملكيتي الاعتبارية تعني أني أحق وأولى بالتصرّف فيها من جميع الجهات ولي الحق أن أمنع غيري في أن يتصرّف فيها ، وحينئذٍ اجتماع ملكيتين اعتباريتين من هذا القبيل لا يمكن لأنّني إذا كنت مالكاً فلي الحق أن أمنع غيري وإذا كان ذلك مالكاً فله الحق في أن يمنعني واجتماع مليكين من هذا القبيل غير ممكن ، وهذا لا يأتي في اجتماع الملكية الذاتية الحقيقية لله عزّ وجلّ مع الملكية الاعتبارية لأنَّ ملكية الله عزّ وجلّ ليست اعتبارية حتى تتضمن أنَّ الله تعالى له الحق في أن يمنع الغير حتى يلزم المنافاة بين هذين.

إذن هذه المنافاة إنما تتحقق في خصوص الملكية الاعتبارية لما أشرنا إليه من أنها تتضمّن مضافاً إلى أحقية التصرّف في الشيء تتضمن أيضاً أحقّية منع الآخرين واجتماع ملكيتين من هذا القبيل لا يمكن.

إذن فيما ذكره بالنسبة إلى الملكية الطولية يرد عليه ما أشرنا إليه.

وأما ما ذكره في الملكية العرضية:- والذي مثّل له بالأولياء والوكلاء في التصرّف ، فهنا أيضاً نقول:- أنا حينما أجعل وكيلاً مطلقا ًفي التصرّف معناه أنه لك الحق أن تتصرّف كما أحببت لكن ليس لك الحق أن تمنع الوكيل الثاني لو سبقك ، فأنت حاول أن تسبقه ، ولكن لو أراد الثاني أن يسبقك فليس لك الحق أن تمنعه ، فأنتما وكيلان أو أولياء في التصرّف بهذا الشكل والمنوال ، فحينما أجعل وكيلين في بيع داري أو بالنسبة إلى البنت أوليائها اثنين والدها وجدّها فلا يحقّ للأب أن يمنع الجدّ أو الجدّ يمنع الأب بل من سبق يكون تصرفه نافذاً ، فعلى هذا الأساس لا يلزم تنافي وتمانع باعتبار أنَّ جعل الوكالة أو الولاية من التصرّف لا تتضمن حق منع الآخرين من التصرّف وإنما غاية ما يتضمّن أنَّ لك الحق أيها الوكيل أو الولي أن تتصرّف وفي أن تسبق صاحبك في التصرّف أمّا أن تمنعه من التصرّف فلا ، فلا يحصل حينئذٍ تنافٍ بين الولايتين والوكالتين.

إذن اتضح من خلال ما ذكرناه من أنَّ النقض على الشيخ الأعظم(قده) من أنه يفهم منك أنه لا يمكن اجتماع ملكيتين والحال أنه يمكن اجتماع ملكيتين طوليتين بل وعرضيتين غير واردٍ ، لأنَّ ما ذكر ليس من قبيل اجتماع ملكيتين طوليتين أو عرضيتين بنحو الملكية الاعتبارية بالشكل الذي أوضحناه.

إذن الحقّ كما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ ما أفاده كاشف الغطاء غير تام باعتبار أنَّ الشيء وإن كان واجباً أوجبه الله عزّ وجلّ كالصلاة على الميت فصحيحٌ أنَّ الله عزّ وجلّ أوجبه على المكلّف ولكن هذا الايجاب لا يعني الاستحقاق الوضعي بل يعني الاستحقاق التكليفي ولا مانع من اجتماع هذا النحو ، فالله تعالى يستحق تكليفاً هذا العمل وهو الصلاة على الميت وأنا الذي استأجرت هذا الشخص للصلاة أستحق عليه بالاستحقاق الوضعي هذا العمل ولا مشكلة في البين.

الوجه الثاني:- وقد قيل إنَّ هذا الوجه قد ذكره كاشف الغطاء ناظراً فيه إلى الواجبات الكفائية ، فذاك السابق ناظر إلى الواجب العيني كإرضاع الأم للباء فإنه واجب عيني فلا يمكن أن يستأجرها والد الطفل عليه وإلا يلزم اجتماع ملكيتين ، وهذا الثاني ناظر إلى الوجوب الكفائي ، وهذا ليس بالمهم فإنَّ هذا ليس له مدخلية في المطلب.

وحاصل ما ذكره:- إنَّ مثل تجهيز الميت الذي هو واجب كفائي متعيّن لمن يقوم به - يعني إذا تصدّى واحدٌ للقيام به فلا يمكن أن يثبت للغير من خلال الاجارة - ، ثم عطف على ذلك عبارةً وقال إنه لا ينتفع المستأجِر بما هو متعيّن وبما يستحقّه أو يملكه هذا الأجير.

فإذن هو ذكر في الوجه الثاني معطوفاً عليه وذكر معطوفاً ، المعطوف عليه هو أنه قال إنَّ هذا العمل الذي يقوم به الأجير - وهو تجهيز الميت - هو متعيّن له فلا يمكن أن يعود وينتقل إلى الغير ، ثم عطف عليه بعد ذلك وقال:- إنَّ المستأجِر لا ينتفع بما يستحقّه أو يملكه هذا الأجير ، ونصّ العبارة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) هي:- ( إنَّ الفعل متعيّن له فلا يدخل في ملكِ آخر ، وبعدم نفع المستأجِر فيما يملكه أو يستحقه غيره )[1] ، ونقل صاحب الجواهر(قده) العبارة هكذا:- ( فلأنه بفعله يتعيّن له فلا يدخل في مِلكِ آخر ولعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستقه غيره )[2] .

وماذا يقصد كاشف الغطاء من هذا الوجه ؟

والجواب:- إنه يوجد احتمالان:-

الاحتمال الأوّل:- وهو الذي صار إليه السد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب[3] حيث قال:- إنَّ الفعل متعيّن للأجير يعني هو واجب عليه ، ومادام واجباً عليه فحينئذٍ لا يصير ملكاً لغيره ولا ينتقل لغيره - يعني المستأجِر - لأنه واجب عليه.

ثم قال:- إنه بناءً على هذا فسوف يصير هذا الوجه عين الوجه السابق ، لأنه قال في الوجه السابق إنَّ صفة الوجوب لا تجتمع مع الاجارة ، وهذا أيضاً سوف يصير نفس الشيء ، فهو يريد أن يقول هذا الفعل واجب على الأجير فإذا كان واجباًً على الأجير فسوف لا يمكن أن يملكه المستأجِر ، فلابد وإن يكون مقصوده هو أنه يلزم اجتماع ملكيتين ، وسوف يصير عين الوجه السابق وليس وجهاً جديداً ، هذا تفسير السيد اليزدي( قده) ، وبالتالي أشكل بأنَّ هذا الوجه يرجع إلى الوجه السابق.

ولكن يرد على ما ذكره(قده):- بأنَّ كاشف الغطاء في العبارة التي نقلها عنه كلا العلمين قال ( الفعل متعيّن له ) ولم يقل ( عليه ) ، فإذا كان مقصوده الوجوب فمن المناسب أن يقول ( عليه ) لا أن يقول ( له ) ، فهذا الاحتمال ضعيفٌ في نفسه ، والاحتمال الثاني هو الأولى.

الاحتمال الثاني:- وهو الذي يظهر من الشيخ الأعظم(قده) أنه فهمه:- وهو أنَّ هذا الفعل الذي يقوم به الأجير حينما يجهّز الميت هو فعل مَن ؟ إنه فعله ، ومادام هو فعله فلا يمكن أن ينقله إلى غيره ، فليس مسألة وجوب بل مسألة أنَّ هذا الفعل هو فعله ولا يصلح أن ينتقل إلى الآخر ، نظير أن يأكل شخص الطعام حتى يشبع ثم يقول هذا شبعي أنقله لك ، وهذا غير ممكن لأنَّ الشبع قائم به ولا يمكن أن ينتقل إلى الغير فإنه مستحيل تكويناً ، فكاشف الغطاء(قده) يريد أن يبيّن هذا المطلب ، فهو يريد أن يقول إنَّ الفعل متعيّن له يعني للأجير ، فهو حينما يجهّز الميت فهذا الفعل هو فعل الأجير ، فإذا كان الفعل هو فعله فلا يمكن أن ينتقل إلى المستأجِر ويثبت إلى المستأجِر.

وهذا الاحتمال أوجه من سابقه ولكن يرد عليه:- أنه يلزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه ، لأنه عطف عبارة وقال فيها:- ( وبعدم نفع المستأجِر فيما يملكه أو يستحقه غيره ) فهذا العطف سوف يصير عين المعطوف عليه وليس مغايراً ، ولكن هذا لا بأس به حيث نقول هو عطف تفسيرٍ وليس عطف نسق ، ففي عطف النسق مثل جاء زيد وعمرو المأخوذ عطف المغاير على المغاير أما هنا فهو عطف تفسير.


[3] الحاشية على المكاسب، السيد اليزدي، ص27، ط قديمة.