35/04/29


تحمیل
الموضوع : النية مسألة 16
الاستدلال بالروايتين المتقدمتين على المنع من صوم يوم الشك على انه من شعبان[1] غير تام لعدم وجود ما يشير الى المنع فيهما , فهما ناظرتان الى شيء اخر .
اما صحيحة محمد بن مسلم ( عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال : عليه قضاؤه وإن كان كذلك)[2]
فأن الرواية تتحدث عن مسألة الاجزاء وليس فيها ما يدل على المنع من الصوم بنية شعبان , بخلاف الروايات الاتية التي يستظهر منها النهي عن صوم يوم الشك بأي عنوان كان , وهذا الكلام مبني على التنزل عن الاحتمال السابق[3] , والا فالرواية تكون اجنبية عن محل الكلام .
قد يقال ان الظهور الاولي للرواية ان الجار والمجرور(من رمضان) متعلق ب(يشك) لأنه الاقرب اليه وبهذا تكون الرواية دالة على المنع في محل الكلام .
لكن يقال ايضا ان عبارة ( وان كان كذلك ) يستظهر منها ان المراد وان كان الصوم واقعا من شهر رمضان فتكون بهذا التفسير قرينة على ان الجار والمجرور( من رمضان ) متعلق بقوله (يصوم ) فيكون المعنى في الرجل يصوم يوم الشك على انه من رمضان فعليه قضاءه وان كان كذلك أي من رمضان , وبهذا التفسير تكون الرواية اجنبية عن محل الكلام وغير صالحة للدلالة على المنع من صوم يوم الشك بعنوان انه من شعبان , وعليه فأن قدمنا هذا الظهور على ظهور اقربية الجار والمجرور فان الرواية تكون اجنبة عن محل الكلام , وان لم يتم هذا فلا اقل من كونها مجملة من هذه الناحية وبناء على الاجمال لا يصح الاستدلال بها ايضا .
واما موثقة هشام بن سالم، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال في يوم الشك : من صامه قضاه وإن كان كذلك، يعني من صامه أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه، وإن كان يوما من شهر رمضان لان السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها كان عليه القضاء .)[4]
فعبارة ( وان كان كذلك ) يجري فيها نفس الكلام المتقدم .
وعبارة (يعني .....) اذا جعلناها من كلام الامام فأن الرواية تكون اجنبية عن محل الكلام لأنها بناء على هذا التفسير تتكلم عن صوم يوم الشك على انه من رمضان , واذا جعلنا هذه العبارة ليس من كلام الامام عليه السلام وانما من كلام الراوي او احد نقلة الحديث _ كما هو غير بعيد فيكون معبرا عن رأيه وفهمه من الرواية _ فلا يكون حجة علينا , لكن مع ذلك لا يستفاد من الرواية النهي عن الصوم وانما تفيد عدم الاجزاء اذا تبين انه من رمضان , وهذا المفاد له معارض وسيأتي بحثه .
والخلاصة ان هاتين الروايتين لا يمكن الاستدلال بهما على المنع من صوم يوم الشك على انه من شعبان الذي هو محل الكلام.
ومنها رواية قتيبة الأعشى ( قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان)[5]
فالرواية فيها نهي عن صوم يوم الشك على حد النهي عن صوم العيدين ,_ اما ايام التشريق فلابد من حملها على من كان في منى _ والظاهر ان هذه الرواية معتبرة سندا لأن جعفر الازدي الواقع في سندها , وان لم ينص على وثاقته لكنه ممن روى عنه ابن ابي عمير كما في نفس الرواية , بل ثبت ان ابن ابي عمير قد روى كتابه .
والرواية ظاهرة في النهي عن صوم يوم الشك .
ومنها موثقة عبد الكريم بن عمرو الملقب (كرام) ( قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال ( صم ) و لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه )[6].
فالرواية تنهي عن صوم يوم الشك , ولا توجد قرينة على اختصاصها بصومه بنية شهر رمضان , فتشمل محل الكلام بأطلاقها .
هذا من حيث الدلالة اما من حيث السند فأن الكليني في سنده ابن ابي عمير يروي عن عبدالكريم بن عمرو مباشرة بينما في طريق الشيخ الطوسي في التهذيب فأن ابن ابي عمير يروي عن عبدالكريم بواسطة حفص بن البختري وغيره , والظاهر ان هذا لا يؤثر فأنهم ثقات كلهم وليس هناك من يُتوقف فيه .
وهذه الرواية وان عبر السيد الخوئي وغيره عنها بالصحيحة , الا ان الظاهر انها اصطلاحا ليست بصحيحة _ وربما ارادوا بهذا التعبير انها معتبرة _, وانما هي موثقة لأن عبدالكريم بن عمرو واقفي وقد نص على ذلك الكشي[7] والنجاشي والطوسي[8] , لكنه ثقة وهو من الاشخاص القلائل الذين عبر عنهم الشيخ النجاشي ( ثقة ثقة )[9].
وروى عنه البزنطي بل كما في تعليقة الشيخ الوحيد اكثر الرواية عنه , وطريق[10] الشيخ الصدوق ينتهي بالبزنطي عنه , وعده الشيخ المفيد من الرؤساء الاعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام .
نعم عبر عنه الشيخ الطوسي في رجاله ( واقفي خبيث ) وذكر في غيبته انه من الاشخاص الذين وقفوا على الامام الكاظم عليه السلام طمعا في الاموال , لكن الظاهر ان هذا كله لا ينافي وثاقته , فاذا قلنا ان هذا ينافي وثاقته فالمنافاة تكون بعد الانحراف , وقد قلنا ان الشخص الذي يبدل دينه لأجل المال لا يمكن الاعتماد عليه , فالعقلاء لا يعتمدون على شخص من هذا القبيل , الا ان هذا لا ينافي الاعتماد على كلامه الصادر قبل الانحراف , ومن المستبعد جدا ان يروي ابن ابي عمير والبزنطي والاجلة من الاصحاب عنه بعد انحرافه , وعليه فلابد ان تحمل رواياتهم عنه قبل انحرافه حيث كان ثقة بلا اشكال.
أبي خالد الواسطي، (عن أبي جعفر عليه السلام – في حديث - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، من الحق في
رمضان يوما من غيره فليس بمؤمن بالله ولأبي .)[11]
وهذا الحديث قطعه صاحب الوسائل وهو بتمامه قال (أتينا أبا جعفر عليه السلام في يوم شك فيه من رمضان فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل ونحن نريد أن نسأله، فقال : ادنوا للغداء، إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم، فيه بينة رؤيته فلا تصوموا - إلى أن قال : - قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولا بي .)[12]
وهذه الرواية غير تامة سندا
حيث ان سند الشيخ الطوسي وان كان لا اشكال فيه الى علي بن الحسن بن فضال, الا انه بعد ذلك (عن الحسين بن نصر عن ابيه ) فالمقصود بنصر هو نصر بن مزاحم المنقري _المؤرخ المعروف من مؤرخي القرن الثالث صاحب كتاب صفين والجمل _ بقرينة روايته عن ابي خالد الواسطي لأن النجاشي نص[13] على ان ابي خالد الواسطي له كتاب يرويه نصر بن مزاحم , وقد ذكر النجاشي في حق نصر عبارة قد يستفاد منها امكان الاعتماد عليه ( مستقيم الطريقة صالح الامر كتبه حسان )[14] وقد يقال بإمكان الاستفادة من هذه العبارة المدح فتدخل الرواية في باب الحسان , لكن ابنه ( الحسين او الحسن) ليس له توثيق , وعليه فالرواية اما ان تسقط سندا من جهة الحسين بن نصر او من جهته وجهة ابيه اذا لم نستند الاعتماد والتوثيق من عبارة النجاشي في حقه .
والاستدلال قائم على صدر الرواية (إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم، فيه بينة رؤيته فلا تصوموا)
فالعبارة فيها نهي عن صوم يوم الشك
وهذه الرواية تختلف عن الروايتين السابقتين فتلك يوجد فيها ظهور في النهي اما هذه فيمكن ان يشكك في صحة الاستدلال بها بأعتبار ان ذيلها قرينة على كونها ناظرة الى كون صوم يوم الشك على انه من رمضان فتكون اجنية عن محل الكلام . فالذيل يقول (من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولا بي) فلا يكفي في الالحاق عند صوم هذا اليوم بنية شعبان , الا ان يقال ان المراد بالإلحاق هو المعنى المجازي أي الالحاق في اصل الصوم , ولكن هذا خلاف الظاهر.
فالظاهر ان الالحاق , الحاق حقيقي وهو لا يتحقق الا ان يكون قد صام يوم الشك على انه من رمضان فيصدق عليه انه الحق شهر رمضان بيوم من غيره , وعلى هذا تكون الرواية اجنبية على محل الكلام وليست ناظرة الى صوم يوم الشك على انه من شعبان الذي هو محل الكلام .
ومنها رواية محمد بن الفضيل ( عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في اليوم الذي يشك فيه - إلى أن قال : - لا يعجبني أن يتقدم أحد بصيام يومه)[15]
وهذه الرواية ايضا قطعها صاحب الوسائل وقد ذكرها بتمامها في غير هذا الباب محمد بن الفضيل(قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه ولا يدرى، أهو من شهر رمضان أو من شعبان ؟ فقال : شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيبه الشهور من التمام والنقصان، فصوموا للرؤية وأفطروا للرؤية، ولا يعجبني أن يتقدمه أحد بصيام يوم)[16]
وهذا المقطع الذي حذفه صاحب الوسائل في تلك الرواية (فصوموا للرؤية وأفطروا للرؤية).
والرواية فيها كلام في كيفية الاستدلال على النهي وفيها كلام من حيث السند ايضا
اما من جهة الدلالة فالاستدلال مبني على عبارة ( ولا يعجبني ان يتقدمه احد بصيام يوم) أي يتقدم على شهر رمضان بصيام يوم , فيقال ان يوم الشك يصدق عليه بأنه تقدم يوم على رمضان وان كان بعنوان انه من شعبان .


[1] سواء نوى الاستحباب او القضاء او النذر او الكفارة او غير ذلك مما يمكن للمكلف ان يصومه في شعبان .
[3] احتمال ان ( من رمضان ) متعلق ب(يصوم ). وليس متعلقا ب(يشك)