35/05/08


تحمیل
الموضوع : الصوم النية مسألة 16
تقدم الكلام في الفرع الثاني من المسألة وقد عنونه الماتن بقوله ( ووجب عليه تجديد النية ان بان في اثناء النهار) والواقع ان هذا الفرع ينحل الى مسألتين:
المسألة الاولى: ما هو الدليل على الاجزاء اذا بان الامر في اثناء النهار ؟ فان القدر المتيقن من ادلة الاجزاء هو ما لو بان الامر بعد انتهاء النهار .
المسألة الثانية : بعد اختيار الاجزاء في المسألة الاولى يأتي الكلام في وجوب تجديد النية وعدمه .
اما بالنسبة للمسألة الاولى فالظاهر انه لا خلاف في الاجزاء , بل قالوا ان عدم الخلاف غير منحصر بين علماءنا , وانما لا خلاف فيه عند جميع المسلمين , وادعي عليه الاجماع متضافرا , نعم يمكن ان يكون هناك خلاف في الدليل الدال على الاجزاء , فظاهر كلام صاحب الجواهر ان الدليل هو اطلاق ادلة الاجزاء فهي لا تختص بما بان بعد انتهاء النهار , بل تشمل فيما لو بان في اثناء النهار ايضا , وقد ذكرنا ان السيد الخوئي والسيد الحكيم منعا من ذلك وقالا ان ادلة الاجزاء مختصة بما اذا بان بعد انتهاء النهار , وقلنا بإمكان تأييد هذه الدعوى بأن موضوع ادلة الاجزاء هو يوم الشك والظاهر من هذه العبارة هو بقاء اليوم (يوم شك)اما اذا تبين الامر في اثناء النهار , لا يقال لهذا اليوم الذي صامه المكلف (يوم شك) , وبناء على هذا الفهم فأن معظم روايات الاجزاء تختص بغير محل الكلام أي انها تختص بما اذا بان الامر بعد انتهاء النهار , وعليه لابد من الدليل على الاجزاء في محل الكلام .
وقد اُستدل على الاجزاء في محل الكلام ببعض النصوص التي قيل بأنها تختلف عن نصوص الاجزاء الاخرى ففيها خصوصية يمكن تعميم الاجزاء فيها الى محل الكلام ومن هذه النصوص موثقة سماعة ( قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل صام يوما ولا يدري أمن شهر رمضان، هو أو من غيره فجاء قوم فشهدوا أنه كان من شهر رمضان، فقال بعض الناس عندنا لا يعتد به فقال : بلى فقلت : إنهم قالوا : صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره ؟ فقال : بلى فاعتد به فإنما هو شيء وفقك الله له، إنما يصام يوم الشك من شعبان، ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم
الشك، وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله وبما قد وسع على عباده، ولولا ذلك لهلك الناس .)[1]
ففي ذيل هذه الرواية بعد ان يذكر الاجزاء يعلله بأن هذا الاجزاء هو بتفضل من الله سبحانه وتعالى وتوسعة على العباد , وهذا لا يحتمل عرفا بأنه مختص بما اذا بان الامر بعد انتهاء النهار , فالتفضل والتوسعة كما تشمل ما لو بان الامر بعد انتهاء النهار تشمل ما لو بان الامر في اثناء النهار , ولذا يمكن عزل هذه الرواية عن باقي الروايات ويمكن ادعاء انها مطلقة تشمل محل الكلام وتدل على الاجزاء , هذا من جهة ,
ومن جهة اخرى استدلوا بالأولوية القطعية , والمقصود بالأولوية في هذه الموارد هي الاولوية العرفية القطعية وبيانها ان الروايات التي تدل على الاجزاء فيما لو بان الامر بعد انتهاء النهار فأن هذا يستلزم الاجزاء في محل الكلام من باب اولى , لأن المكلف اذا صام تمام اليوم بنية شهر شعبان تقول الروايات بأنه يجزي عن رمضان ففي محل الكلام يكون الاجزاء من باب اولى لأنه صام جزءا من اليوم بنية شعبان وليس جميع اليوم .
ويضاف الى ذلك ان نفس الاتفاق على الاجزاء بين المسلمين والمدعى عليه الاجماع مستفيضا يصلح ان يكون دليلا على الاجزاء في محل الكلام ومن هنا يتضح انه_ في المسألة الاولى_ لا ينبغي التوقف في الاجزاء في اثناء النهار .
المسألة الثانية
هل يجب تجديد النية وان ينوي الصوم من رمضان ؟ او لا يجب ؟ قلنا ان الشيخ صاحب الجواهر استدل على عدم لزوم تجديد النية , وان الصوم يكون صحيحا ومجزيا وان لم يجدد النية بأطلاق النصوص لأنه افترض ان النصوص شاملة لمحل الكلام , فهي تحكم بالاجزاء في صورتين فيما اذا بان بعد انتهاء النهار وفيما اذا بان في اثناء النهار , ولا تقول الروايات انه في هذه الحالة يجب عليه تجديد النية فأن مقتضى اطلاقها هو الاجزاء وان لم يجدد النية , وقد تقدم سابقا ان شمول هذه الروايات لمحل الكلام غير واضح الا في رواية واحدة ( وهي موثقة سماعة) وعليه يمكن توجيه كلام الشيخ صاحب الجواهر والتمسك بأطلاق هذه الرواية لأثبات عدم لزوم تجديد النية .
لكن هناك ما يمكن الاستدلال به على لزوم تجديد النية
الامر الاول الذي يمكن الاستدلال به على لزوم تجديد النية على نحو لو تمت هذه الادلة تكون مقيدة للأطلاق لو كان هناك اطلاق _ كما هو رأي صاحب الجواهر في جميع الادلة وكذلك ما طرحناه من احتماله في موثقة سماعة _
هو ما اشرنا اليه سابقا بأن الاجزاء هو مقتضى القاعدة ولا يحتاج الى دليل بناء على كفاية مجرد الامساك على وجه قربي في صحة الصوم بأي نحو كان , فعلى هذا المبنى يكون صوم المكلف قبل ان يتبين الامر صوما على القاعدة , بعبارة اخرى فأن المكلف قبل هذا الوقت جاء بما يجب علية , لأنه امسك عن المفطرات قاصدا التقرب , والمفروض اننا لا نشترط ان يقصد التقرب بالأمر الرمضاني فيكون صومه مجزيا , لكن لا يجوز له البقاء على نيته السابقة لأنه يكون تشريعا محرما فأنه كان يتخيل ان الامر المتوجه اليه هو الامر الندبي , اما بعد التبين فأن الامر المتوجه اليه هو الامر الوجوبي , فإذا بقى مصرا على ما نوى قاصدا الامر الندبي يكون مشرعا , وعليه فلابد من تجديد النية وان يقصد امتثال الامر المتوجه اليه فعلا , ومن هنا يكون تجديد النية على القاعدة , والا فكيف يكون مستمرا على الخطأ هذا اولا
ثانيا : قد يقال بأن الاجزاء في المقام الذي فرضناه في المسألة الاولى يلازم تجديد النية , فأما ان ننكر الاجزاء وننكر تجديد النية واما على فرض الالتزام بالاجزاء فلابد من الالتزام بتجديد النية بأعتبار ان الاجزاء الذي دلت عليه الادلة معناه الاكتفاء بما صدر من المكلف قبل انكشاف الامر _ هذا مع التنزل عن ان الاجزاء طبق القاعدة _ فاذا قلنا انه لا يكفي مجرد الامساك في صحة الصوم بل لابد من قصد العنوان فالاجزاء يكون على خلاف القاعدة , لأنه بحسب الفرض لم يقصد العنوان في هذا الجزء من اليوم وبناء على هذا الرأي يقال حينئذ بالوجه الثاني بأنه معنى الاجزاء هو ان الشارع اكتفى بما صدر من المكلف بالرغم من انه لم ينوه من شهر رمضان بل جاء به على انه من شهر شعبان , فتقول ادلة الاجزاء ان الشارع يكتفي تعبدا بما جاء به هذا المكلف , وبعد انكشاف الخلاف يقال لا معنى لأستمراره على نيته السابقة بعد ان تبين له خطأها , وان الخطاب المتوجه اليه واقعا هو الامر الوجوبي لا الاستحبابي , فعليه تجديد النية , واذا بقي على نيته فلا دليل على الاجزاء لأن الدليل على الاجزاء يدل عليه فيما لو نوى الخلاف خطأ ,لا عامدا .
وحينئذ كما يقول السيد الخوئي انه يدور امره بين ان يصوم بلا نية اصلا , او ينوي امتثال الامر الندبي, او امتثال الامر الوجوبي , وبقاؤه بلا نية لا يمكن الالتزام به لأن الصوم عبادة ويحتاج الى نية , وبقاؤه على النية السابقة لا وجه له بعد تبين عدم وجود الامر الندبي , وعليه فلابد ان يجدد النية لأمتثال الامر الوجوبي .
والفرق بين هذا الوجه والوجه الاول هو ان الاجزاء على الوجه الاول مبني على طبق القاعدة , وهذا الوجه غير مبني على طبق القاعدة لكنا نستفيد من دليل الاجزاء الاكتفاء بما صدر منه خطأ قبل تبين الامر, اما بعد تبين الامر فلابد من تجديد النية .
وهذا هو ما يكون موجبا لتقييد المطلقات _ على فرض وجودها _ التي تدل على عدم وجوب تجديد النية .
الفرع الثالث
قال الماتن
(ولو صامه بنية انه من رمضان لم يصح وان صادف الواقع )
والظاهر ان هذه المسألة فيها خلاف بين المتقدمين فأنه نُقل عن الاسكافي والعماني ابن ابي عقيل وكذلك عن الشيخ الطوسي في بعض كتبه انهم ذهبوا الى الاجزاء مطلقا سواء صام بنية شعبان او بنية رمضان , لكن المشهور ذهب الى عدم الاجزاء وفرق ما بين الصوم بنية شعبان فأنه يصح , واذا صامه بنية شهر رمضان فلا يصح ولا يجزي وان صادف الواقع , واستدل المشهور على عدم الاجزاء ببعض النصوص المتقدمة ومن جملتها النصوص الواردة بلسان النهي عن صوم يوم الشك بنية رمضان .
والاستدلال بها بناء على ان النهي يعني عدم المشروعية لأنه تحريم , والتحريم في العبادات يقتضي الفساد
وهذه الروايات تتمثل في ثلاث روايات اثنان منها للزهري والثالثة لسماعة
الرواية الاولى الزهري (قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول : يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه أمرنا ان يصومه الانسان على أنه من شعبان، ونهينا عن أن يصومه على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال .)[2]
فالنهي الذي في الرواية يستوجب الحرمة المستلزمة للفساد والرواية الثانية ليس فيها هذه الصراحة لكن الظاهر ان المقصود بها هذه الرواية نفسها .

الرواية الثانية الزهري (عن علي بن الحسين عليه السلام - في حديث طويل - قال وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس، فقلت له : جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع ؟ قال : ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت : وكيف يجزي صوم تطوع عن فريضة ؟ فقال : لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بذلك لأجزأ عنه، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه .)[3]
الرواية الثالثة
موثقة سماعة المتقدمة حيث ورد فيها (ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك) وهذا ما يدل صريحا على النهي ,والنهي في العبادة يوجب الفساد .
وقد استدل المشهور في النصوص المتقدمة القائلة ان من صامه قضاه ( كصحيحة محمد بن مسلم وموثقة هشام بن سالم ) المتقدمتين ويكون الاستدلال بأعتبار ان موردهما هو صومه من شهر رمضان , فالرواية تقول من صامه قضاه وهذا يعني انه لا اثر له ولا يكون مجزيا ويجب قضاؤه .
هذا ما استدل به المشهور وهو الصحيح , وهناك رواية قد تكون مستندا لمن ذهب الى الاجزاء وهي موثقة سماعة (قال : سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أهو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه فكان من شهر رمضان، قال : هو يوم وفق له لا قضاء عليه .)[4]
وهذه الرواية منقولة بصورتين فصاحب الوسائل وغيره ينقلونها عن الكافي بهذا الشكل وهي على هذا الشكل لا دلالة لها على المدعى بينما الموجود في التهذيب المطبوع والاستبصار بشكل اخر سماعة (قال : سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه من شهر رمضان قال هو يوم وفق له ولا قضاء عليه)[5][6]
فالموجود في هذه الرواية ( فصامه من شهر رمضان ) والرواية التي في الوسائل ( فصامه فكان من شهر رمضان ) ف (كان ) في كتابي التهذيب والاستبصار محذوفة فتكون الرواية كما في التهذيب والاستبصار دليلا لهؤلاء الاعلام على القول بالاجزاء .
لكن هذا غير ثابت , فأن الشيخ الطوسي ينقل عن الكافي , وصاحب الوسائل ينقل عن الكافي ايضا وهذا الاختلاف الحاصل نتيجة تعدد نسخ الكافي , فلا يصح الاستدلال بها لأثبات الاجزاء في محل الكلام فنبقى نحن والروايات السابقة الدالة على عدم الاجزاء .