38/05/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.

هل يحرم على الراشي دفع الرشوة ؟

الجواب:- إن القدر المتيقن من دليل حرمة الرشوة هو حرمتها على الآخذ لها المعبّر عنه بالمرتشي أو المرتشى يعني مثل الحاكم ، وإنما الكلام في الدافع الذي يدفع الرشوة فهل هذا فاعل للحرام أيضاً كما يكون المرتشى فاعلاً للحرام أو لا ؟

إنه تصعب تحصيل الحرمة من الروايات التي ورت في كتاب الوسائل من طرقنا ، يعني كلّها صبت نظرها على الحاكم الذي يأخذ الرشوة أي المرتشى أما الراشي فمسكوت عنه والروايات لم تشر إلى شيء من هذه الناحية.

ونشير إلى قضية جانبية:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب رغم أنه قد استقصى مباحث الرشوة بشكل جيد ولكنه لم يتعرض إلى هذه القضية ، وهذه نقطة تسجل عليه ، رغم أنَّ النراقي في مستنده وصاحب الجواهر في جواهره قد أشارا إليها.

وبالجملة:- الروايات لم تتعرض إلى هذه القضية.

ولكن يمكن الحكم بالحرمة من ناحية أنَّ الدافع للرشوة يكون مشجعاً ودافعاً نحو ارتكاب الحرام وهذا لا إشكال في حرمته ، نعم هناك كلام في حرمة الاعانة على الحرام هل هو حرام أو لا مثل أن يأتي شاب إلى الصائغ ويقول له بعني خاتماً من ذهب والصائغ يعلم أنه سوف يلبسه فهو حينما يدفعه إليه لا يقول له البسه بل لعلّه يقول له لا تلبسه أما أنَّ الصائغ هو بنفسه يضعه في اصبعه ويلبسه إياه فهذا في الحقيقة ليس أعانةً على الحرام بل نفسه تشجيع على الحرام والحثّ عليه وهذا لا إشكال في حرمته ، إنما وقع الكلام في الاعانة لا في التشجيع والحث العملي ، ومقامنا من هذا القبيل فالشخص حينما يدفع الرشوة إلى الحاكم يكون قد حرّضه ودفعه وحثه وشجعه على ارتكاب الحرام وهذا لا ينبغي الاشكال في حرمته.

إذن لا ينبغي التأمل في الحرمة من هذه الناحية لما أشرنا إليه.

إضافة إلى هذا توجد بعض الروايات من غير طرقنا نتمسّك بها من باب المؤيد لا من باب الدليل وإلا فالدليل هو ما أشرنا إليه:-

من قبيل ما ورد في عوالي اللآلي:- ( وقال صلى الله عليه وآله:- لعن الله الراشي والمرتشي ومن بينهما يمشي )[1] وفي البحار:- ( قال النبي صلى الله عليه وآله:- الراشي والمرتشي والماشي بينهما ملعونون )[2] ، وأيضاً جاء في البحار:- ( وقال صلى الله عليه وآله:- لعن الله الراشي والمرتشي والماشي بينهما )[3] .

إذن الدليل على الحرمة هو ما أشرنا إليه وهو أنَّ هذا حث وتشجيع عملي على الحرام فيكون محرماً ، نعم نستثني من ذلك ما إذا فرض أنَّ الشخص كان يتوقف وصوله إلى حقه أو دفع المظلمة عنه على دفع الرشوة فحينئذٍ لا بأس بدفعها ، وما هو الدليل على ذلك فإنه لا يوجد دليل من الروايات ؟

إنَّ المستند في ذلك حديث لا ضرر أو قاعدة نفي الحرج ، فإنه إذا لم يدفع الرشوة فسوف يقع في الضرر فحينئذٍ يتمسّك بحديث نفي الضرر الذي هو حاكم على جميع الأدلة الأوّلية ، فكل حكم ثبوته في الشريعة الاسلامية مشروط بعدم لزوم الضرر أو الحرج إلا ما خرج بالدليل وإلا فبشكلٍ عام قاعدة لا حرج ولا ضرر تطبّق ، وهنا أيضاً كذلك ، فهذا الشخص الذي يدفع الرشوة يحرم عليه دفعها لأنه يشجّع عملاً على ارتكاب الحرام ولكن إذا كان الوصول إلى حقة أو دفع المظلمة عنه يتوقف على دفع الرشوة فحينئذٍ يجوز من باب لا ضرر أو لا حرج فإنهما حاكمتان على الأدلة الأوّلية ، هكذا قل.

ولا تقل كما قال الشيخ النراقي في المستند:- بأنه تقع معارضة بينهما فنرجع إلى أصل البراءة ، يعني أنَّ دليل حرمة الرشوة يتعارض مع دليل لا حرج فيتساقطان ونرجع حينئذٍ إلى البراءة ونصّ عبارته:- ( ذكر جمع الجواز من الدافع إذا كان محقاً وهو حسن لمعارضة اطلاق التحريم مع أدلة نفي الضرر فيرجع إلى الأصل )[4] .

وقال صاحب الجواهر(قده):- ( نعم لو توقف تحصيل الحق على بذله لحكّام الجور جاز للراشي وحرم على المرتشي كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافاً لقصور أدلة الحرمة عن تناول الفرض التي تدل عليه أصول الشرع وقواعده المستفادة من الكتاب والسنَّة والاجماع والعقل ضرورة ان للإنسان التوصل إلى حقه بذلك ونحوه مما هو محرّم عليه في الاختيار )[5] .

فهو تمسّك بقصور أدلة الحرمة عن تناول الفرق ، ومن الواضح أنه توجد مقدمة أخرى وهي أنه إذا كانت قاصرة فنتمسّك بالبراءة ، وكان من المناسب له أن يقول لحكومة لا ضرر أو لا حرج ، وليس من البعيد أنَّ مسألة الحكومة ليس في ذهنه.

الهدية للقاضي

إنَّ الذي يدفع إلى القاضي تارةً يكون بعنوان الرشوة ، وأخرى يكون بعنوان الهدية ، وما الفارق بينهما وهل هما حرام أو أنَّ الذي يحرم هو خصوص الرشوة ؟

وقبل هذا لابد وأن نعرف الفارق الموضوعي بينهما ، فما الفارق بين الرشوة وبين الهدية ؟

والجواب:- ذكر الشيخ الأعظم(قده) في هذا المجال أنَّ الرشوة تدفع ازاء الحكم بالباطل ، يعني يعطيه مالاً لأجل أن يحكم له فالعوض هو المال مثلاً والمعوّض هو الحكم بالباطل ، وهذا بخلافه في الهدية فإنَّ المال فيها لا يدفع في مقابل الحكم بالباطل وإنما في مقابل استمالة قلب الحاكم لأنَّ النفوس مجبولة على حبّ من احسن إليها كأن يقدم لها شيئاً وخصوصاً المال ، غايته أنَّ الداعي إلى أن يحبه هو دفع المال حتى يحكم حينئذٍ له بالباطل ، فصار الحكم بالباطل ليس هو المقابل بالمال وإنما هو داعٍ والمقابل بالمال هو استمالة القلب ، ونصّ عبارته:- ( إنَّ الرشوة يبذل لأجل الحكم ، الهدية تبذل لإيراث الحبّ المحرّك له على الحكم على وفق مطلبه )[6] ، وعبارته واضحة فيما ذكرناه عنه.

وحينئذٍ يرد الاشكال على ما أفاده:- وهو أنه يمكن لقائل أن بقول إنَّ المال لا يجعل عوضاً على الحبّ والمودة فإنَّ هذا غير متصور عادةً فإنَّ الحبّ ليس شيئاً قابلاً للمقابلة بالمال ، وإنما الدفع يكون لهذا الشخص حتى يحصل له حبّ ومودة ، فالحبّ والمودة يكون داعياً وعلّة غائية لا أنه يقابل بالمال فهو ليس من الأشياء التي تقابل بالمال ، نعم الحكم بالباطل يمكن أن يقابل بالمال أما دفع المال مقابل الحبّ فهذا لا يكون عادةً ، فما أفاده قابل للتأمل بما أشرنا إليه.

ولكن سواء فرض أنَّ الفارق كان كما ذ كر الشيخ الأعظم(قده) أو كان الفارق بشكلٍ آخر وهو ما أشرنا إليه وهو أنه في الهدية يدفع المال لذات الشخص غايته أنَّ الهدف من الدفع هو استمالة القلب فاستمالة القلب هو هدف وداعٍ لا أنه بنفسه مقابل بالمال فهذا ليس بالمهم.

والمهم هو أنه هل تحرم الهدية للقاضي أيضاً أو لا ؟

ربما يقال:- كما ذهب إلى ذلك الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[7] حيث قال المناسب أن لا تكون محرمة لأنها تدفع لا مقابل شيء وإنما تدفع مقابل للذات من دون عوض نعم الداعي للدفع شيئاً ثانياً وهو ان يحصل ميل قلبي وّغا حصل ميلاً قلبياً فهو بشكل قهري سوف يحكم لصالحه وهذا ليس برشوة فلا يكون حراماً ، نعم الرشوة حرام لأن المال يدفعه في باب الرشوة مقابل الحكم بالباطل فهذا يصدق عليه الرشوة أما إذا فرض انه كان هدية للقاضي او مقابل الحكم فهذا في الحقيقة ليس محرماً ، نعم الهدف من الدفع هو أن يحكم لي بعد ذلك وهذا شيء آخر والمحرم هو دفع المال في مقابل الحكم بالباطل والرشوة تصدق على دفع المال في مقابل الحكم بالباطل وهذا ليس بأمر جائز.

ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده)[8] [9] وعلل بنفس النكتة التي ذكرها الحاج ميرزا علي الايرواني.


[7] الحاشية على المكاسب، الحاج ميرزا علي الايرواني، ج1، ص160.
[8] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص417.
[9] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص307.